أنت هنا

قراءة كتاب عالم بلا قيادة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عالم بلا قيادة

عالم بلا قيادة

كتاب " عالم بلا قيادة " ، تأليف آيان بريمر ترجمه إلى العربية فاطمة الذهبي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

أميركا وتكاليف القيادة

أميركا أول أمة حديثة استخدمت قوتها العولمية لتعزيز السلام الدولي وإدامة تدفق التجارة، وكانت - إنكلترا وفي ما بعد بريطانيا - إحدى القوى البحرية الضخمة جداً في بداية القرن الثامن عشر ولعل اندحار نابليون سنة1815 هو الذي منحها المركز المهيمن لمدة قرن تقريباً، وخلال كل هذه المدة عملت بريطانيا كموفر أساسي للبضائع العامة العولمية، والخدمات التي تفيد كل شخص تقريباً والتي لا يريد أن يدفع لها أحد، مثلاً كانت بريطانيا قد ساعدت على حفظ السلام بالعمل على الحفاظ على توازن القوة بين القوى العظمى لأوروبا، وروجت الاقتصاد العالمي المفتوح جداً باستخدام قوتها البحرية الهائلة لحماية الممرات البحرية الدولية، ومكنت التدفقات الرأسمالية وحافظت على معيار الذهب، وخدم الباوند البريطاني كعملة احتياط عالمي أساسية.

وكان ظهور ألمانيا والولايات المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر قد بدأ بتقويض هيمنة إنكلترا ولعل تدهور اتفاق أمم أوروبا هو الذي مهد الطريق للحرب العالمية الأولى، ولكن الحرب العالمية الثانية هي التي أعاقت بريطانيا من مواصلة هذا الدور، حيث برهنت الولايات المتحدة التي عانت الضرر الأقل بكثير من الصراعين أقل من أعدائها أو حلفائها، استعدادها وجاهزيتها وقدرتها على تبني القيادة العولمية، وقد حققت ذلك في العقود اللاحقة.

ومع نهاية الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة قد سعت إلى مدة ممتدة كقوة عظمى عالمية وحيدة، ولكن كانت ديون أميركا تلوح في الأفق كما توضح لنا في السنوات الأخيرة، فالعبء المالي الثقيل جداً على البلد لم يكن نتيجة الإنفاق في عهد جورج دبليو بوش الملهم بالحرب المتعددة الجبهات على الإرهاب أو الاستجابة التوسعية لإدارة أوباما للأزمة المالية لـ2008 -2009، فمشكلة ديون أميركا ولاسيما أزمة ديونها هي طوارئ بطيئة الحركة كانت تتطور لعقود أمام الأنظار وعلى مرأى ومسمع الرؤساء وأغلبيات الكونغرس لكلا الحزبين، وفي دراسة موسعة خاصة حول هذا الموضوع كان العالم ميخائيل مندلباوم قد وضح بالتفصيل كيف وازن المشرعون الأميركيون الميزانية الفيدرالية في خمس سنوات من جملة47 سنة قبل بدء الأسواق المالية بالتدهور في خريف2008.

وكانت برامج التأهيل مثل الضمان الاجتماعي (خطة التقاعد الأميركية) والرعاية الطبية (التأمين الصحي للمسنين) والمساعدة الطبية (التأمين الصحي للفقراء) قد أصبحت كبيرة بصورة كافية لاستهلاك نحو%40 من الميزانية الفيدرالية الأميركية. وتعجيلاً لهذه القضية فقد بدأ77 مليوناً من الأميركيين المولودين بين1946و1964 (Baby Boomers)، بالتأهل لفوائد التقاعد والفوائد الصحية سنة2011.

وبعد سحق تلك الموجة تماماً ستكون التكاليف الإجمالية أربعة أضعاف حجم الاقتصاد الأميركي لعام2010 (4) كله، وارتفع العجز الأميركي مع ارتفاع تكاليف التقاعد والرعاية الصحية، وخلال جيل واحد ستنفق واشنطن أموالاً أكثر لسد ديون البلد أكثر من الإنفاق على الدفاع.

وللمساعدة على تمويل هذا الدين فإن الولايات المتحدة تقترض الآن نحو4 بلايين دولار يومياً تقريباً نصف كل ذلك من الصين، ولكن الحكومة الصينية غذت المخاوف الأميركية وزادتها بقولها إنها لن تستمر بتمويل الاستهلاك الأميركي، وكان المسؤولون الصينيون العاليو المستوى قد عبروا عن شكوكهم من بقاء الدين الأميركي كاستثمار سليم وطويل الأمد، وحذروا من أن طلبات الإصلاحات السياسية والاقتصادية داخل الصين سوف تجبر بكين على إنفاق أموالها داخل البلد، وفي سنة2009 اعترف Wen Jiabao «لقد أقرضنا مبالغ هائلة للولايات المتحدة وبالطبع نحن قلقون بشأن سلامة أصولنا ولكي أكون نزيهاً معكم فأنا ذو قلق قليل جداً»(5).

وقد قال ستيفان روتش (Stephen Roach) رئيس Morgan Stanley Asia هذه دعوة لإيقاظ الصين، فهي لن تتوقف عن شراء الأصول المعتمدة على الدولار، لا لأنها عصبية إزاءنا بل لأنها لا تحتاج إلى القيام بذلك(6)، ولمساعدة واشنطن على الإيفاء بالتزاماتها المتزايدة فإن على الأميركيين دفع ضرائب أعلى ولكن الضرائب العالمية وحدها لن تعيد موازنة السجلات وعلى المشرعين تخفيض الإنفاق على التأهيلات والدفاع، وعلى التقاعد الانتظار لمدة أطول بقليل بالنسبة إلى عشرات ملايين العمال وستكون فوائد التقاعد والصحة أقل وسيواجه صانعو السياسة الخارجية الأميركية خيارات صعبة حول ما تتمكن واشنطن من تقديمه وما لا تتمكن منه، وفي حالة غياب هذه التضحيات ستخاطر الأمة بكارثة مالية على مقياس لم نشهده منذ الثلاثينيات.

وتواجه السياسة الخارجية الأميركية تحديدات إضافية وتقترح الأعداد الكبيرة من الاقتراعات بأن الأميركيين قلقون كثيراً بشأن أعمالهم وبيوتهم وتقاعداتهم ورعايتهم الصحية أكثر من خوفهم من تصدير القيم الأميركية أو حتى المخاطر من الخارج وهو الاتجاه الذي اتسع عبر العديد من السنوات السابقة(7)، وفي عصر التقشف كان للأميركيين ميل أقل إلى المساعدة على إدارة الاضطراب في الشرق الأوسط والصراعات في شرق آسيا أو الأزمات الإنسانية في أفريقيا، وأصروا على زيادة المسؤولين المنتخبين تركيزهم على التحديات المحلية، وكانت أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر قد زادت اهتمام عامة الأميركيين بالسياسة الخارجية ولكن كان ذلك نتيجة الوصول الذي لامثيل له للمشاكل الخارجية إلى التربة الأميركية وتأثير الإرهاب في الثقة بالاقتصاد الأميركي. وتوضح الاقتراعات الحديثة من مركز بحث Pew ومجلس العلاقات الخارجية بأن النسبة المئوية للمستجوبين التي قالت إن على الولايات المتحدة الاهتمام بعملها دولياً، كانت قد ارتفعت جداً أكثر من أية مدة في خمسين سنة، ولم تعد التجارة شائعة كما هو معتاد، فقد أصبح الأميركيون أكثر شكاً بأن العولمة (التي هي التدفق الحر جداً للأفكار والمعلومات والناس والمال والبضائع والخدمات عبر الحدود) تعمل لمصلتحهم(8)، والمنتجات الرخيصة والأعمال ما زالت مستمرة لكثير من العمال في قطاع التصنيع الأميركي. ونضيف إلى تركيز البلد على الداخل غياب أي تهديد مفرد قابل للتشخيص بسهولة للأمن الأميركي الذي بوسعه حشد جزء واسع من العامة حول السياسة الخارجية الأكثر فعالية.

الصفحات