كتاب " عالم بلا قيادة " ، تأليف آيان بريمر ترجمه إلى العربية فاطمة الذهبي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب عالم بلا قيادة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

عالم بلا قيادة
وكانت الصين قد زادت من نفوذها الاقتصادي والسياسي والعسكري في السنوات الأخيرة، ولاسيما في شرق آسيا وأن بعض المسؤولين الأميركيين سيعملون جاهدين لتشويه سمعة الصين وحكومتها حول ممارسات التبادل غير العادلة وانتهاك حقوق الإنسان وتهديد الأمن الفضائي والأخطاء المدركة الأخرى ولكن في الوقت الحاضر كان التزام الصين المعلن بالنهوض السلمي والاستعداد لتمويل معظم الدين الأميركي، والفرص التي تستمر الصين في توفيرها للشركات الأميركية قد جعل من الصعب وصف البلد الهائل السكان بالوغد على الأسلوب السوفياتي أو استحضار التهديدات على المقياس السوفياتي للنظام الدولي، ولم يهدد القادة الكبار للصين بدفن الولايات المتحدة، ولم يضعوا أحذيتهم على طاولة المفاوضات في الأمم المتحدة ولم يرنوا إلى وضع قاعدة صواريخ في كوبا.
وأصبح المقاتلون الإسلاميون العدو المراوغ، الأقل أهمية في السياسة الخارجية منذ أن قتل سنة2011 قائد القاعدة أسامة بن لادن الذي قوض الدعم العام لالتزام القوات المنتشرة في أفغانستان(9).
وبوسع الدول الفاشلة مثل اليمن والصومال خلق مرافئ الأمان الإرهابية التي جذبت انتباه المسؤولين الأميركيين، وأبدت بلدان مثل باكستان وإيران التحديات الأمنية الخاصة بها، وسوف تُجبر المشرعين الأميركيين للاعتماد على الضغط الاقتصادي والقسر الديبلوماسي لحل هذه المشاكل لأن العامة من الأميركيين فقدت صبرها مع التزامات القوات الجديدة في أفغانستان وأماكن أخرى.
وفي واقع الحال، فإن النسبة المئوية المتزايدة من الأميركيين ليست من الكبار جداً ليتذكروا الحرب الباردة ولم يستوعبوا الفكرة كما استوعبتها أجيال سابقة على أن أميركا تؤدي دوراً مميزاً وحتمياً في ترويج الديمقراطية وحفظ السلام.
وربما تثير الهجمات الإرهابية الأخرى على التربة الأميركية اهتمام العامة من الأميركيين بالسياسة الخارجية الجازمة ولكن ربما تفعل العكس بزيادة الطلب الشعبي للعلامة الجديدة للانعزالية.
وإذا كانت هذه أخباراً سيئة للسياسة الخارجية الأميركية، فإنها أسوأ لكثير من البلدان الأخرى، لأن أميركا كانت قد عملت لعقود موفراً أساسياً للبضائع العامة العولمية وكان الحضور الأمني الأميركي في أوروبا وآسيا قد بلور الثقة بالمنطقتين، على أن النزاعات والصراعات لا تحتاج إلى إثارة الحرب، فبوسع أوروبا الاستثمار في الوحدة الاقتصادية والسياسية لا بالماديات العسكرية، فحضور القوات الأميركية في شرق آسيا يطمئن الصين واليابان والكوريين، على أن اليابان لا تحتاج إلى جيش. وتحمي البحرية الأميركية الطرق التجارية المهمة، فواشنطن وحدها لا تتمكن من إيقاف الإكثار من الأسلحة الفتاكة في العالم، والعقدان السابقان هما شاهدان على ذلك، ولكن الولايات المتحدة كانت قد عملت أكثر من أي بلد آخر للإثبات بأن التطور النووي في دول مثل كوريا الشمالية وإيران له تكاليف ومخاطر عالية جداً تمنع دول الأسلحة النووية الأخرى من اتباع مثالها.
ولكن القلق العام المتزايد بشأن الديون الفيدرالية المتزايدة يؤكد لنا أن على الولايات المتحدة أن تكون حساسة أكثر في السنوات المقبلة لتكاليفها ومخاطرها عند صنع الخيارات المكلفة جداً، وداخل البلد سيُسلط الضغط على الرؤساء لإقناع دافعي الضرائب والمشرعين بأن بلورة استقرار بلدان مثل العراق أو أفغانستان جدير بالمخاطرة بالقتال الدموي المكلف.
وهذا يعني إيقاف الدعم للقوة العسكرية، وهو الموقف الشعبي الدائم من الضمانات الأمنية للبلدان التي لم تعد تفي بالتعريف الضيق للمصالح الأميركية الأساسية، نتيجة لذلك ستظهر الأسئلة في الخارج حول التزام أميركا بأمن مناطق معينة وسوف تقوم بعض الدول القوية باختبار العزم الأميركي وتستفيد من مواطن الضعف التي تعتقد بأنها وجدتها، والقليل من هؤلاء الذين اعتمدوا على القوة الأميركية يريدون رجل الشرطة العولمي ولكن معظمهم يفتقدون الحماية ضد الثور المجاور، وللبلدان الأخرى أيضاً سبب لتقييم الاقتصاد الأميركي القوي والمرن، وعبر كثير من العقود السابقة كان المستهلكون الأميركيون قد ساعدوا على النمو الكبير في كثير من البلدان النامية وعند قياس الأميركيين لإنفاقهم سيشعر العالم بكل هذا التأثير.
وقد وضح لنا التاريخ أنه ليست بالفكرة الجيدة أن نراهن ضد الولايات المتحدة وما زال هذا الأمر صحيحاً حيث ما زالت ثقافة الإبداع الأميركية وإيمانها بالمستقبل ومرونتها الاقتصادية وجامعاتها الكبيرة ذات تأثير أكبر، وأن التزامها بالأمن يضمن لنا بأنه حتى التخفيضات الحادة في الإنفاق على الدفاع لا تقوض الميزة العسكرية العولمية لواشنطن وسوف يستمر تقدمها الثقافي (وجذبها الثقافي) بالترجمة إلى كل اللغات العالمية.
وربما هذه المدة من الانتقال تسمح للولايات المتحدة ببناء مؤسستها المالية ومعاودة الظهور على المسرح الدولي بقوة جديدة ولكن لدى واشنطن كثير من العمل الذي عليها القيام به لاسترداد الثقة بالمؤسسة المالية للبلد واستمرار القوى الجديدة بمقاطعة الزعامة السياسية والاقتصادية لأميركا.