كتاب " ليتوال 2010 " ، تأليف وليد الرجيب ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب ليتوال 2010
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ليتوال 2010
الصفحة بيضاء
بعد مرور ساعة، ظلت صفحة اللاب توب بيضاء ..الصفحة بيضاء بعد ساعتين ..بعد أربع ساعات ما زالت الصفحة بيضاء، لم تستطع استدعاء كلمة واحدة، أو فكرة واحدة لبدء روايتها.
هل هذا بسبب ما يمكن أن يسميه علم النفس، رعب الصفحة البيضاء أو white page anxiety؟ مثل رهاب الميكروفون، وهلع مواجهة الكاميرا؟ وهل لحظة خلق عمل أدبي تؤدي إلى كل ذلك القلق؟
أيام الدراسة الجامعية في باريس، لم تجد مشكلة في البدء في دراسة أو بحث، فالأمر روتيني تقريباً، يشبه وصفة تحضير طبخة، فأولاً تختار الطبخة، ثم مكوناتها، واتباع التعليمات في الوصفة، وفي النهاية إذا نفذت التعليمات بدقة، وبالترتيب اللازم، ستخرج الطبخة بالضبط كما هي في الوصفة.
لكن أن تبدأ عملاً إبداعياً، وللمرة الأولى في حياتها، أن تخلق حياة وشخوصاً وأحداث، فتلك مسؤولية تبعث على القلق والرعب، وتحتاج إلى جرأة قد تصل حد التهور، فمن لديه الثقة الكافية واللامبالاة بمصير إنسان، حتى وإن كان ذلك على الورق فقط؟ من يملك الحق برسم حياة إنسان، بمشاعره وأفكاره، برغباته وقناعاته؟ بحريته وقيوده؟
من هي حتى تحدد لشخص حقيقي أو وهمي، ماذا يفكر ويشعر ويفعل؟ وهل الحياة الخيالية في العقل تشبه حياة الواقع؟ فيها من القيود والآلام الموجودة في الواقع؟ وهل تفرض على الشخص في عقلها، ما فرض عليها في الحياة، وما سلب منها؟ أم تعوض نفسها، وتعيش حياة أخرى، حياتها الداخلية، على الورق فقط على أقل تقدير؟
ماذا تكتب؟ أليس تساؤلاً لا يملك أحداً غيرها الإجابة عنه؟ ولكنها لا تعرف ماذا تكتب، تشعر أن أفكارها مراقبة، وهذا يحصل مع السجين بعد فترة من سجنه، فكلما نظر إليها زوجها، ترتبك وتشعر أنه يعلم أنها استمعت لموسيقى أو أغنية، أو شاهدت فيلماً أجنبياً، لأن السارق دائماً يتصرف بطريقة:
-«اللي على راسه بطحة يحسس عليها».
وهي تسرق وتختلس سماع أغنية تحبها، رغم أن استماعها غالباً ما يكون عبر سماعات الأذن، فصحيح أن زوجها وافق مؤخراً على أن يشتري لها ipod، لكنه اشترط عليها أن تستمع إلى أناشيد دينية فقط، بيد أنها سجلت عليه كل الأغاني والموسيقى التي تحبها ودرستها بالسربون.
كان الـ ipod واللاب توب هما رشوة سكوتها ورضاها عن زواجه من ضرتها الشابة الجديدة، صحيح أنها في البداية شعرت بالجرح الأنثوي، عندما صارحها برغبته بالزواج من أخرى حتى تنجب له أبناء، لكنها بعد ذلك شعرت بشيء من الانعتاق، الحرية الداخلية، فزواجه الثاني خفف من قبضته على حياتها، كما أنه أتاح لها مساحة من الحرية، في الأيام التي يكون فيها في البيت الثاني، فتتصرف مثل الطفل الذي لا يراقبه أحد، فيشعر بلذة الخلسة.
كانت في الأيام والليالي التي لا يكون موجوداً فيها، تلبس بنطال الجينز أو الشورت، والتي شيرت الذي تحبه، والذي يظهر أجزاء من كتفيها، وتقلب محطات التلفزيون بجهاز التحكم كما تشاء، وتضع الـ ipod على سماعات خارجية، وتستمع لإديث ﭙياف، وأزنافور وهما يصدحان باللغة الفرنسية، وتروح تغني معهما بهذه اللغة التي تعرفها جيداً، وحرمتها الظروف من ممارستها، كانت تدور في البيت وترقص حاضنة نفسها أو مخدتها، بجذل العاشقة.
* * *
بعد أشهر من زواجها، قالت لها أمها:
-«راح تتعودين».
ولكن متى تعتاد السجن ولائحة الممنوعات، فبعد أن كانت البنت المدللة في بيت أبيها، وكانت تحصل على أي شيء تريده، أصبحت محرومة من أبسط الأشياء في بيت زوجها، كانت آخر العنقود والبنت الوحيدة بين ثلاثة صبيان، وجميع من في البيت يريد إرضاءها وسعادتها، أصبحت فجأة في أجواء وروائح ومناظر غير مألوفة، انتزعت من أجواء الفرح، إلى أجواء الكآبة، انتقلت من بيت ستائره مفتوحة على الشمس، إلى آخر مسدل الستائر، انتقلت من صخب الحياة، إلى سكون وصمت يشبه صمت القبور، انتقلت من فيض المشاعر وبذخها، إلى جليد المشاعر الموحش، وعندما قالت لأمها:
-«أبي أتطلق».