قراءة كتاب ليندا مطر - محطات من سيرة حياتي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ليندا مطر - محطات من سيرة حياتي

ليندا مطر - محطات من سيرة حياتي

كتاب " ليندا مطر - محطات من سيرة حياتي " ، تأليف ليندا مطر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

أما والدي الذي فقد زوجته هو أيضاً وله ابن واحد فقد كان أحسن حالاً مادياً من والدتي.

وفي ظروف مدبرة التقيا في منزل أحد الأصدقاء، واتفقا على أن يشكلا أسرة واحدة مكوّنة من ولدين لأمي وولد لأبي.

بعد سنتين من زواجهما، شَعرت والدتي أنها مريضة، ذهبت إلى الطبيب، فقال لها إنها حامل، أرادت أن تتخلص من هذا الجنين الذي لم يأت في الوقت المناسب. ردعتها الجارة وقالت لها: ربما هذا الطفل نعمة من الله ليكون عونك في آخر أيامك. وهكذا أبصرت النور وتحديت السنوات الخمسين وأصبحت «غنوجة» أبوي وإخوتي الثلاثة، إضافة إلى اهتمام الجيران الذين لم يكن لديهم أولاد.

في تلك الفترة كان سكننا في خندق الغميق أحد أحياء بيروت الذي كان حياً شعبياً بامتياز وهو على مسافة أميال قليلة من قلب المدينة، وبالتحديد من مدرسة راهبات العازارية. (بناية العازارية حالياً). كانت والدتي قد اتفقت مع الراهبات على التحاقي بالمدرسة رغم صغر سني؛ فتوصلني وتدخلني عبر ذلك الباب الخشبي السميك وتذهب لتؤدي زيارتها اليومية إلى كنيسة مار جريس المقابلة للمدرسة (أمي كانت متدينة جداً) وكنت أرافقها أحياناً. ثم تعود لاصطحابي بعد انتهاء الدوام.

في أحد الأيام أوصلتني والدتي كعادتها وذهبت. فقابلتني إحدى المعلمات لتقول لي: لماذا جئت؟ اليوم عيد الرئيسة ولا يوجد مدرسة. قلت لها: أمي في الكنيسة، سأذهب لعندها. أخذتني بيدي وأوصلتني إلى باب الكنيسة.. لم أجد أمي في داخلها وخرجت إلى حيث لا أدري وأنا أبكي وأنادي ماما. أحد رجال الشرطة حملني وأخذني إلى مكان لا أعرفه، فارتعبت وبدأت بالصراخ. عرفت لاحقاً بأنه أخذني إلى مخفر درك الجميزة حيث أسكتوني ببعض الحلويات وسألوني عن اسم أبي فقلت لهم: ديب البالون(*). لم يسمعوا بهذه العائلة، ثم جاء أحدهم ممن يعرفون والدي، فقال: هذا ديب مطر وأنا أعرف أين يسكن. حملني وأوصلني إلى البيت، فدهشت أمي عندما رأتني وانفجرت بالبكاء. تلقت من العسكري بعض الكلمات النابية، (بتخلفوا وبتتركوا على الطريق)(**). منذ ذلك الحين اضطرت أمي أن تطلب من إحدى التلميذات في المدرسة أن تأخذني وتعيدني إلى البيت مقابل بعض القروش التي كانت في حينه تكفي لشراء بعض المطيبات والمكسرات.

سارت الأمور على ما يرام مع التلميذة التي كانت تسكن في حيّنا. لكنني، كما كانت تخبرني أمي، اختلفت معها لأنها تريد أن تمسك بيدي وأنا لا أريد. رفضت أن أعود معها إلى البيت. وأنا في طريقي، وكنت أعرف جيداً طريق البيت، أوقفتني فتاة وبدأت تكيل لي المديح، كم أنت جميلة وثيابك جميلة. فرحت بهذا الكلام فاستغلت غروري لتقول لي: «حلقك جميل هل تسمحين أن أضعه في أذني، طبعاً وافقت بكل سرور. بعد أن انتقل الحلق من أذني إلى أذنيها قالت: أريد أن تراه أمي لتشتري لي مثله، غداً أعيده إليك. وذهبت إلى البيت ولاأزال حتى الآن أنتظر أن يرد لي الحلق».

الوضع المادي الذي كان مقبولاً في العائلة تدهور جداً. لم يكن يسمح لأهلي بشراء الكثير ما عدا الغذاء الذي كان يحرص أبي على تأمينه. في أيام الأعياد مثل عيد الميلاد كانت والدتي تكسر «القجة» لتشتري لي حذاء وفستاناً جديدين. أذكر أن أخي من أمي الذي كنت بالنسبة إليه الطفلة المدللة كان يأتيني بالحلوى من وقت لآخر، ثم أخذ على عاتقه أن يشتري لي في عيد الشعنينة فستاناً جديداً وكذلك حذاءً وقبعة بلون الفستان.

بعد عامين انتقلنا من بيروت إلى الشياح. وكان لي من العمر ست سنوات. ليلة الشعنينة لم يأت الفستان ولا الحذاء ولا القبعة. لم أصرخ ولم أحتج لكن الدموع انهمرت من عيني بغزارة وذهبت إلى الفراش حزينة باكية. وأنا نائمة شعرت بيد تلامس وجهي لتوقظني، فتحت عيني لم أرَ صاحب اليد بل رأيت فستاناً من الحرير بلون الرمان تنورته مكسرة تكسيراً رفيعاً تعتليه قبعة مصنوعة من القماش نفسه وحذاءً أبيض. قفزت من الفراش وأنا أصرخ من الفرح.

الصفحات