كتاب " ليندا مطر - محطات من سيرة حياتي " ، تأليف ليندا مطر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب ليندا مطر - محطات من سيرة حياتي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ليندا مطر - محطات من سيرة حياتي
8 ـ لجنة حقوق المرأة اللبنانية
قبل انتسابي إلى لجنة حقوق المرأة اللبنانية، كنت متعاطفة جداً مع طروحاتها وأساهم ببعض نشاطاتها. اتصلت بي شابة كنت قد تعرفت إليها سابقاً وسألتني: هل تودين المشاركة في التظاهرة التي ستجري يوم الأحد؟ أجبت طبعاً، لكني كنت أجهل فعلياً كيف تكون التظاهرة. كنت سمعت من شباب الحي أن تظاهرة ستجري رفضاً لحلف بغداد لأنه يمس استقلال لبنان وسيادته، لذلك كانت إجابتي سريعة ـ طبعاً ـ سألت زوجي: هل أنت ذاهب إلى هذه التظاهرة أجابني بالنفي. قلت له: إذا كان يسمح للمرأة أن تشارك فيها فأنا أرغب بذلك. نصحني بألا أفعل. ولأني لم أشارك سابقاً بأية تظاهرة بل كنت أقرأ عنها، أصررت على ذهابي فوافق زوجي مرغماً. اصطحبت معي من الحي صبية اسمها وديعة وكأن التظاهرة نزهة، وانضممنا إلى الجمهور الكبير الذي كان أمام كنيسة مار جريس المارونية. وجدت عدداً من النساء لم أكن قد التقيت بهن سابقاً، وسرت مع صديقتي في وسط الحشود التي كانت تهتف بشعارات لم أكن قد سمعت بها، وإذ بدوي الرصاص يخفت صوت الجماهير المحتشدة. كنت أجهل ما يجري وظننت أنه رصاص ابتهاج، لو لم يسقط أمامي شاب في مقتبل العمر كان يحمل بيده علماً لبنانياً، فصرخت صديقتي من الخوف وهرع عدد من الشباب الذين حملوا الجريح أو الشهيد لم أكن أعي في حينه شيئاً. أمسكت بيد صديقتي ودخلت إلى كنيسة مار جريس ولم ألحظ أن ثيابي ملطخة بالدم، دم الشاب الذي سقط أمامي. بقينا حوالى الساعة في الكنيسة التي كانت أيضاً مكتظة بالمصلين لأن التظاهرة كانت يوم أحد. ولما شعرنا بأن الحالة هادئة عدنا إلى البيت في عين الرمانة. كان زوجي والجيران ينتظرون على الطريق لأنهم سمعوا الخبر، وعرفوا أنه سقط في هذه التظاهرة برصاص قوى الأمن ثلاثة شهداء أحدهم الذي كان دمه على ثيابي. سألت نفسي: لماذا؟.
قررت الدخول إلى عمق الأحداث والقضايا للاطلاع أكثر أو بالأحرى للتقرّب أكثر من الناس، والتعرّف على مشاكلهم، وفهم الأسباب والظروف التي تتحكم بحياتهم وبحياة النساء على وجه التحديد، هل هي من التقاليد والأعراف أم أنها القوانين، هل هي التربية والتنشئة أم أن ذلك يعود إلى ما يسمى اليوم «ذكورية» على مستوى البنى الذهنية السائدة والنظرة إلى المرأة التي تصنفها غير مؤهلة كالرجل لتخطيط مسار حياتها، فهي كما يرددون بحاجة إلى من يرسم لها خطواتها.
في أحد الأيام طرقت بابي شابتان عرفتا عن نفسيهما: أدما غلام وأفلين عقيص، (غابتا عنا، لكنهما حاضرتان كسواهن ممن فقدنا). كان معهما عريضة مدون عليها بعض الأسماء طلبتا مني أن أوقع عليها. بعد قراءتها قلت لهما: هل تسمحان لي بمرافقتكما. وبصفتي من أهل الحي كانت الأبواب تفتح أمامي بسهولة، وعلى الرغم من التجاوب الذي لقيناه في تجوالنا صدمت بإحدى السيدات التي لم تكن من أهل الحي، لكنها كانت زائرة. عندما أطلعتها على ما ورد في العريضة التي تطالب بحق المرأة في أن تترشح وتقترع مثلها مثل الرجل، أجابت بعنجهية: أنا لا ينقصني أي حق، أنظري، ومدت يديها «المكبلتين» بأساور ذهبية وأضافت، هذه مفاتيح سيارتي وفي بيتي خادمة. ثم تركتنا وغادرت المنزل. لقد زادتني هذه الصدمة تصميماً على الانخراط في الهيئة التي تنتمي إليها أدما غلام وأفلين عقيص، أي«لجنة حقوق المرأة اللبنانية»، فقالتا: على الرحب والسعة ستأتي لزيارتك إحدى أعضاء «اللجنة» لتطلعك على أهدافها وبرنامجها.
في خلال أسبوع زارتني شابة عرفت عن نفسها: أنا عايدة مقدسي طالبة في الجامعة الأميركية وعضو في لجنة حقوق المرأة اللبنانية جئت للتعرف عليك أولاً، ولنبحث في إمكانية إنشاء فرع للجنة في عين الرمانة. أنشئ الفرع واختاروني مسؤولة عنه. دعيت مع زميلة لي من عين الرمانة للمشاركة في مؤتمر اللجنة الأول المنعقد في العام 1953 . تعرفت في هذا المؤتمر إلى السيدات: ثريا عدرة، ماري تابت، ماري صعب، روز عكاوي، جورجيت عكاوي وسواهن اللواتي لم ألتق بهن سابقاً. ألقيت كلمة صغيرة للتعريف عن الفرع الجديد. كيف ألقيتها لا أعرف، كل ما أعرفه أن الورقة كانت ترتجف بين يدي وشعرت بالحرارة تصعد إلى رأسي ووجهي.
هكذا بدأت مسيرتي في لجنة حقوق المرأة اللبنانية التي علمت لاحقاً أن اللجنة تأسست في العام 1947، ولم تحصل حتى تاريخه على «علم وخبر» من الحكومة، لكنها أيضاً لم تمنع من النشاط، وعلمت أيضاً أن أول نشاط قامت به اللجنة كان الاحتفال بالثامن من آذار، يوم المرأة العالمي، الذي كان مقرراً إقامته في «التياترو الكبير» لكن القيمين على «الأمن» صادروا المكان فتحول الاحتفال إلى الشارع. كذلك تعرفت على ماري سرسق التي قادت النضال مع فرع الأشرفية من أجل فتح مدرسة رسمية للبنات في المنطقة.
لقد زادتني أعمال المؤتمر وتوصياته حماسة واستعداداً للانخراط بالشأن العام.
من التوصيات التي صدرت عن هذا المؤتمر: التوجه نحو العاملات. وبما أني كنت عاملة واطلعت عن كثب على المعاناة التي كانت تعيشها العاملة وجهت نشاطي أولاً نحوهن خصوصاً في منطقتيّ الشياح والحدث حيث توجد معامل للجوخ والحرير والحلويات...
في أوائل العام 1953 أصبحت عضواً ملتزماً في لجنة حقوق المرأة اللبنانية، ومنذ تلك الفترة، لم أشعر يوماً بأني ضللت الطريق. لقد أجابت «اللجنة» على معظم أسئلتي: مساواة، ديمقراطية، علمانية، لا شيء يفرق بين أعضائها، لا طائفة ولا موقع اجتماعي ولا علمي. أهدافها رفع مستوى المرأة في المدينة والريف، تأمين مستقبل سعيد للأطفال، الدفاع عن استقلال لبنان وأمنه وسيادته.
على الرغم من أن هذه الصفحات ما هي إلا محطات من مسيرة حياتي العائلية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لكنني عاجزة في بعض المراحل عن الفصل كلياً بين نضالي في اللجنة التي عملت بشكل مباشر على تثقيفي لفهم الأمور التي مررت بها، وكيف يمكن الاستفادة من إيجابياتها وتذليل سلبياتها.