قراءة كتاب ليندا مطر - محطات من سيرة حياتي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ليندا مطر - محطات من سيرة حياتي

ليندا مطر - محطات من سيرة حياتي

كتاب " ليندا مطر - محطات من سيرة حياتي " ، تأليف ليندا مطر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

3 ـ العمل

سنتين كاملتين قضيتهما بين معمل الكلسات ومعمل الحرير. آلمني ما كنت آراه من ضغط وتسلط على العاملات: لا استراحة أثناء العمل، نصف ساعة فترة الغداء. يبدأ نهار العمل الساعة السابعة صباحاً وينتهي عند السادسة مساء. سقف الأجور ليرتان لبنانيتان في ستة أيام. سيف التسريح يهدد كل من يخالف قوانين أصحاب العمل. أحداث تلك الفترة انطبعت في ذاكرتي لا بل انحفرت وشكلت لدي سؤالاً كبيراً: لماذا؟

عدت بعد هذه التجربة إلى مدرستي لأستلم فيها صفاً من الصفوف الابتدائية. كنت قد أصبحت شابة ناضجة جسدياً وعقلياً رغم سني الذي لم يتجاوز الرابعة عشرة. فكنت مع تلميذاتي كالأخوات لا فرق بيني وبينهن أكثر من سنتين أو ثلاث سنوات.

على الرغم من المحبة والعطف اللذين شملتني بهما mère Chehab فقد سجلت ذاكرتي كلمات لا تتجاوز السبع أضافت إلى أسئلتي سؤالاً كبيراً.

في أحد أيام فصل الصيف وفي فترة الغداء، اتفقت مع زميلاتي أن نرسل إحدى التلميذات لتشتري لنا «بوظة» وكان ذلك ممنوعاً علينا.

عندما جاءت mère Chehab من الغداء أخبرتها الراهبة المشرفة على النظام أثناء فترات الاستراحة بما قمنا به.

جمعتنا الرئيسة وسألت: من هي المسؤولة عما جرى.

- أنا.

- لماذا؟

- كان الطقس حاراً جداً.

- بنات الـ Pensionaire (بنات الأغنياء في الجناح الآخر) لا يأكلن البوظة أثناء فترة الدراسة.

قالت ذلك وتركتنا مندهشات دون أي عقاب أو أي تصرف آخر.

أما بالنسبة إليّ فكان العقاب كبيراً جداً.. إنه عقاب معنوي وكأننا نحن الفقراء من طينة أخرى.

إن ما قالته الرئيسة التي أحبها كثيراً جرحني في العمق، وقلت بيني وبين نفسي: لماذا؟

من أجل الوصول إلى صفي كان لا بد من المرور أمام صف الرئيسة. كنت أتحين الفرص وأمر من دون أن ألتقيها أو أكلِّمها. وكما سبق وقلت إن يوم الأحد هو يوم اللقاء الأسبوعي لتلامذة الناصرة القسم المجاني القديمات والجديدات. تقرأ الرئيسة الأسماء وكل من تسمع اسمها تجيب «حاضر». اتفقت مع صديقتي ناديا أن تجيب عني وهكذا كان. لكن الرئيسة شهاب تتمتع بالذكاء، وهي صاحبة قلب عطوف رغم مواقفها الغاضبة أحياناً. قالت لي ليندا ديب(****) بعد الانتهاء من الصلاة انتظريني في الخارج، أريد أن أتكلم معك.

شعرت زميلاتي بالذنب لأنهن طلبن مني إرسال التلميذة لشراء الـ «البوظة». وقفن إلى جانبي وانتظرن معي وكن مصممات أن يتحملن وزر ما حصل ظناً منهن بأن «الرئيسة» ستعاقبني بعد أسبوع من الصمت المتبادل. جاءت «الرئيسة» بعد أن ودعت الحضور وبادرتني بالقول:

- عندما تأبى المعلمة أو التلميذة أن تتكلم مع الرئيسة عليها واجب إلقاء التحية. كان سؤالها باللغة الفرنسية أجبتها بالعربية:

- هل التقيت بحضرتك دون أن ألقي التحية؟

- كلا، لكنك كنت تتحيَّنين الفرص للمرور إلى صفك من دون أن أراك. هل لك أن تخبريني لماذا.

- لأن حضرتك اهنتني.

- أنا! وكيف؟

- عندما طلبت من التلميذة الذهاب لشراء البوظة كنت أنتظر من حضرتك أن تعاقبيني، أن توجهين صفعة على وجهي وكان يحق لحضرتك ذلك. أما أن تقولي لي بأن الـ « «Pensionaireلا يشترون البوظة أثناء الدراسة، فهذا يعني بأن الفقراء غير الأغنياء لا يحق لهم حتى أكل البوظة.

أحاطتني الرئيسة بذراعيها كالأم الحنون وقالت لي:

- أنا لم أقصد ذلك قطّ. ولم أقصد إهانتك. وقبلتني.

وهكذا عادت المياه إلى مجاريها.

لن أتوسع في سرد كل سنوات طفولتي ولا إلى ما تبعها من ظروف صعبة؛ فقد كان ينقصني الكثير من متطلبات الحياة استعضت عنها بمحبة والديّ وحنانهما.

لقد أمضيت عامين في مهنة التعليم في مدرسة الناصرة الخارجية المجانية، وكانت من أجمل من أيام عمري. فعوضت بعض ما لاقيته أثناء عملي في معملي الكلسات والنسيج. صديقات وتلميذات وراهبات الجميع كان يحبني.

الصفحات