كتاب " مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الإشتراكي في حركة التحرر الوطني " ، تأليف مهدي عامل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الإشتراكي في حركة التحرر الوطني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الإشتراكي في حركة التحرر الوطني
لكن هذا الدور للطبقة العاملة ليس، في واقعه الفعلي في الحركة الوطنية الثورية العربية، كما هو في واقعه النظري. معنى هذا أن الطبقة العاملة لم تتمكن، في المراحل التاريخية السابقة من هذه الحركة، من القيام بهذا الدور الذي هو هو دورها التاريخي فيه. وهي الآن، في المرحلة الراهنة، لا تقوم أيضاً بمثل هذا الدور، مع أننا لو أردنا أن نحدد بإيجاز طبيعة هذه المرحلة لقلنا: إنها مرحلة الضرورة التاريخية في انتقال القيادة الطبقية فيها من البورجوازية ومشتقاتها، كبعض العناصر من البورجوازية الصغيرة التي تحتل، في السلطة، موقع السيطرة الطبقية، إلى الطبقة العاملة بالذات، في إطار وجودها في التحالف الطبقي الوطني الثوري، وليس بمعزل عنه. والأسباب التي حالت أو تحول دون قيام الطبقة العاملة، بقيادة حزبها الطليعي (أو أحزابها)، بدورها هذا في السيرورة الثورية، كثيرة ومعقدة، وقد تختلف من بلد إلى آخر من البلدان العربية، ومن مرحلة إلى أخرى من مراحل تطور الحركة الوطنية الثورية. ولقد عالجت بشيء من التفصيل هذه الأسباب، الموضوعية منها والذاتية، ولا سيما في كتابي حول أسباب الحرب الأهلية في لبنان، فبإمكان القارىء أن يرجع إليه، إن أراد ذلك. أما في هذه المقدمة، وبما له علاقة بالمرحلة الراهنة من حركة التحرر الوطني العربية، فإنني أكتفي بالإشارة إلى بعض الأسباب الذاتية لأنها هي التي تشكل الآن، في هذه المرحلة، العائق الرئيسي لقيام الطبقة العاملة بدورها الثوري.
بصراحة ووضوح، إن الأزمة التي تعانيها حركة التحرر الوطني العربية في مرحلتها التاريخية الراهنة، ليست أزمة قيادتها الطبقية البورجوازية فحسب، بل هي أيضاً أزمة البديل الثوري لهذه القيادة. قد يكون الأمر طبيعياً، أعني ضرورياً، أن تقود البورجوازيات العربية حركة التحرر الوطني إلى مأزق هو نتيجة تاريخية لسيرورة التناقض المأزقي الذي هي فيه، بين أن تكون في موقع القيادة في هذه الحركة، من حيث هي، في ضرورتها النظرية، أي في آليتها الداخلية، حركة التحويل الثوري لعلاقات الإنتاج الكولونيالية القائمة، والانتقال منها إلى الاشتراكية، وبين أن تعمل، في ممارساتها الطبقية، ومن موقع وجودها في السلطة كطبقات مسيطرة، على الحفاظ على هذه العلاقات من الإنتاج وتأبيدها، من حيث هي توفر لها، بتجددها، القاعدة المادية لتجدد سيطرتها الطبقية وتجدد علاقة التبعية البنيوية بالامبريالية. لكن من غير الطبيعي إطلاقاً أن يظل البديل الثوري في حركة التحرر الوطني العربية في أزمة متجددة لا يستطيع إيجاد الحل الصحيح لها. وهذه الأزمة هي، بالدرجة الأولى، أزمة سياسية، بمعنى أنها أزمة الخط السياسي الذي تسير فيه الأحزاب والتنظيمات التي يفترض فيها أن تكون هذا البديل الثوري. فما زالت هذه الأحزاب والتنظيمات، ومنها بعض الأحزاب الشيوعية العربية، متخلفة في ممارساتها السياسية عن الفهم الصحيح للطبيعة التاريخية لحركة التحرر الوطني وآليتها الداخلية، بل إنها، في كثير من هذه الممارسات، لا تزال أسيرة المواقع المقلوبة لأيديولوجية البورجوازية بالذات، تنزلق إليها في فصلها الصراع الطبقي عن الصراع الوطني، وإقامتها التعارض المصطنع الذي تقيمه الأيديولوجية البورجوازية نفسها بين القضية الاجتماعية التي لها وحدها صفاء «القضية الطبقية»، وبين القضية الوطنية التي تظهر، في ضوء هذه الأيديولوجية وعلى قاعدتها، مظهر «القضية القومية» التي يغيب فيها الصراع الطبقي وينتفي دور الطبقة العاملة، أو ينحصر في دور ثانوي لا علاقة له بدورها التاريخي المقبل في مرحلة لاحقة مستقلة عن مرحلة التحرر الوطني. وفي هذا استقالة، أو بالأحرى إقالة فعلية من ساحة الصراع الوطني وتغييب لدورها القيادي فيه الذي لا تفرضه طبيعة هذا الصراع وسيرورته فقط ـ كما بيّنا سابقاً ـ بل تفرضه، بوجه خاص، طبيعة المرحلة الراهنة وضرورتها التاريخية في تغيير القيادة البورجوازية لحركة التحرر الوطني العربية، وإخراج هذه الحركة من مأزقها.
إن الطابع الثوري لحزب الطبقة العاملة لا يأتيه من اسم يحمله أو يرثه، فالحزب هذا يكتسب في النضال طابعه الثوري. ولا يكون هذا الحزب ثورياً إلّا بمقدار ما يكون الخط السياسي الذي يسير فيه صحيحاً، وبمقدار ما يكون قادراً على تحديد طبيعة الحركة التاريخية الكلية في مجمل تناقضاتها وتعقداتها والأشكال الخاصة التي تتجسد فيها القوانين الكونية التي تحكمها، وعلى تحديد التناقض الرئيسي في كل مرحلة من مراحلها، والشكل الرئيسي الذي يتمظهر فيه التناقض هذا. ويكون ثورياً بمقدار ما يكون قادراً أيضاً، ليس على تحديد دور الطبقة العاملة وحدها في كل مرحلة من هذه المراحل ـ والدور هذا لا ينحصر في مرحلة دون أخرى، بل هو حاضر فاعل في كل مرحلة في السيرورة الثورية الواحدة ـ بل على تحديد دور الطبقات والفئات الاجتماعية والقوى السياسية الأخرى، وبالتالي، على تحديد العدو الرئيسي في كل مرحلة، وعلى تحديد التحالف الطبقي الثوري فيها، وتحديد المهمات الخاصة بها. فالمهمات في الحركة الثورية، كالتحالفات فيها، تختلف باختلاف المراحل التي تمرّ بها السيرورة الثورية، من حيث هي سيرورة التحرر الوطني نفسها. وهي تختلف أيضاً، في إطار الحركة الثورية العامة الواحدة، كالحركة الوطنية العربية مثلاً، باختلاف الشروط التاريخية الخاصة بكل بلد عربي، وبتطور الحركة فيه.
إن القول بضرورة أن تقوم الطبقة العاملة بدورها القيادي في حركة التحرر الوطني لا يستقيم إلّا بقول آخر يلازمه، هو أن الطبقة العاملة لا تقوم بدورها هذا ولا تقدر على القيام به إلّا في إطار تحالف طبقي ضروري له هو التحالف الوطني الثوري، أي في إطار الحركة الوطنية، ومن موقع وجودها في هذه الحركة، وليس من موقع استقلالها عنها، أو من خارجها. بهذا المعنى وحده يصح القول: إن البديل الثوري للقيادة البورجوازية هو هذا التحالف الوطني الثوري نفسه الذي فيه وحده تقوم الطبقة العاملة بدورها القيادي ذاك، وفيه تحتل موقعها الطبقي، من حيث هي الطبقة المهيمنة النقيض. وهيمنتها السياسية في هذا التحالف لها معنى النضال من أجل أن يكون الخط السياسي الطبقي لممارستها الصراع الوطني هو الخط السياسي للتحالف ككل. وبمقدار ما تنجح في إقامة التحالف الخاص بكل مرحلة من مراحل السيرورة الثورية وتدعيمه، وفي أن يكون خطها السياسي الصحيح خط التحالف هذا نفسه، تقوم بدورها القيادي في كل مرحلة، وتوفر الشروط الضرورية لتحقيق مهمات السيرورة الثورية في حركة التحرر الوطني وإنجازها.
ولا بد من القول في هذا المجال: إن الحركة الثورية التي يتسارع نضجها في العالم العربي بأسره، بوتائر وأشكال مختلفة، ولا سيما بفضل تعفّن سائر الأنظمة البورجوازية والرجعية وتهرُّئها، واستنفاد طاقاتها على تجديد أزمتها المزمنة، نقول: إن الحركة الثورية هذه تحشر العديد من التنظيمات والأحزاب السياسية التي يفترض فيها أن تكون البديل الثوري في زاوية ضيّقة تفرض عليها أن تعيد النظر في ممارساتها وتصحح أخطاءها المتراكمة في عملية صريحة من النقد الذاتي تتحرر بها من مواقع الأيديولوجية البورجوازية المقلوبة والانحرافات الانتهازية في مواقف متعددة، وبأشكال مختلفة، فتستعيد بذلك صحتها النضالية وترسم الخط السياسي الصحيح الذي يؤهلها، بالفعل، أي بالممارسة، لأن تصير البديل الثوري.
مهدي عامل
بيروت ـ آب 1980