كتاب " مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الإشتراكي في حركة التحرر الوطني " ، تأليف مهدي عامل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الإشتراكي في حركة التحرر الوطني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الإشتراكي في حركة التحرر الوطني
البنية الأيديولوجية بنية معقدة لأنها، في إطارها، تعكس تعقد البنية الاجتماعية نفسها. فالتناقضات التي تعتمل في هذه البنية الاجتماعية، سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي، تظهر فيها أيضاً، لأنها، في البنية الاجتماعية، كالاقتصاد والسياسة، مستوى من مستوياتها البنيوية. وهذه التناقضات في جوهرها تناقضات طبقية محددة، إلّا أنها تظهر في البنية الأيديولوجية معكوسة، أي إنها، في انعكاسها في هذه البنية، تخفي حقيقتها الطبقية، فتظهر وكأنها تناقضات بين أفكار مجردة مطلقة هي نتاج لذرات فردية مبعثرة. إن قطع التناقضات الفكرية عن جذورها الاجتماعية الطبقية هو الذي يظهرها في شكلها العبثي كتناقضات بين أفكار فردية. بهذا، يصير التناقض مبدأ عبث يستحيل فهمه، بدلاً من أن يكون، كما هو في حقيقته، مبدأ العقل لأنه جوهر الواقع. أما إذا شدت التناقضات الفكرية إلى وحدة بنيتها الأيديولوجية كإطار وجودها الاجتماعي، وأُعيد وضع هذه البنية في الهيكل الاجتماعي كمستوى من مستوياته البنيوية، فحينئذ يسهل بالفعل فهم حركة التطور الفكري في البنية الاجتماعية، لأن هذا الفهم يستلزم بالضرورة ربط هذا التطور بتطور التناقضات الطبقية على بقية المستويات البنيوية.
إن المستوى الأيديولوجي في البنية الاجتماعية هو إمكان ظهور التناقضات الطبقية بأشكالها المختلفة، للوعي الاجتماعي. غير أن هذا الوعي ليس واحداً عند كل الأفراد، فهو يختلف، بشكل عام، باختلاف انتماءاتهم الاجتماعية، أي باختلاف وضعهم الطبقي داخل البنية الاجتماعية الواحدة. والاختلاف في الوعي، بين فرد وآخر، لعلاقة الفرد بعالمه الاجتماعي ليس في جوهره اختلافاً فردياً بل طبقياً، برغم وجود اختلافات في هذا الوعي بين أفراد طبقة اجتماعية واحدة. معنى هذا أن تعقد البنية الأيديولوجية ليس ناتجاً من تعدد وعي الأفراد بل من تعقد البنية الاجتماعية كبنية طبقية. فالوعي الفردي لا يدخل في تكوين البنية الأيديولوجية كوعي فردي بل كوعي طبقي، أي إن وجوده في هذه البنية يتمثل بوجود الوعي الطبقي الذي يحدده الوجود الاجتماعي لهذه البنية. حين نتكلم عن البنية الفكرية داخل البنية الأيديولوجية نقصد بالذات هذه الحدود الطبقية التي يتحرك ضمنها فكر الفرد، فيتخذ بتحركه المحدد هذا طابعه الاجتماعي. لهذا، يستحيل على الفكر الفردي أن يكون في علاقة تفاعل مباشرة مع الواقع الاجتماعي، فعلاقته بهذا الواقع تمر بالضرورة عبر علاقته بالبنية الفكرية التي تحدده، كما أن علاقة هذه البنية بالواقع تمر أيضاً بالضرورة عبر علاقتها بالبنية الأيديولوجية التي تحتويها. إن الحقل الاجتماعي لتطور الفكر إذن، ليس سوى هذه البنية الأيديولوجية الخاصة ببنية اجتماعية محددة. وهذه البنية الأيديولوجية وحدة تناقضية لبنيات فكرية متصارعة تعكس في الفكر صراعاً هو في حقيقته الاجتماعية صراع طبقي. وظهور الحقيقة الطبقية لهذا الصراع الفكري مرتبط بشكل وثيق جداً بظهور هذا الصراع كصراع بين بنيات فكرية داخل وحدة البنية الأيديولوجية. لا كصراع بين أفكار فردية أو منفردة. فإظهار هذا الصراع الفكري كصراع بين أفراد تحولوا، بقدرة قادر، إلى أفكار مجردة، هو ما تلجأ إليه عادة الطبقة الحاكمة، في صراعها الطبقي على المستوى الأيديولوجي، كمحاولة لتفتيت عدوها الطبقي وكسر حدته النضالية.
للبنية الفكرية إذن، طابع اجتماعي هو طابعها الطبقي. معنى هذا أن البنية الفكرية هي الإطار الذي يتحدد فيه الوعي الأيديولوجي الخاص بطبقة اجتماعية معينة، أو ما نسميه بأيديولوجية هذه الطبقة الاجتماعية. ولا شك في أن تطور فكر الفرد لا يتم إلّا في إطار أيديولوجية طبقية محددة، كما أن تطور أيديولوجية هذه الطبقة لا يتم بمعزل عن أيديولوجيات بقية الطبقات الاجتماعية، بل في صراع معها داخل وحدة البنية الأيديولوجية الخاصة بالبنية الاجتماعية المحددة. وما هذا الصراع بين الأيديولوجيات الطبقية، أي بين مختلف البنيات الفكرية، سوى شكل من أشكال الصراع الطبقي، أي مظهر من مظاهر الصراع السياسي في البنية الاجتماعية. إن للبنية الفكرية إذن، بالضرورة، طابعاً أيديولوجياً هو بالذات طابعها الاجتماعي الطبقي. فالطابع الاجتماعي لهذه البنية لا يأتيها من علاقتها المباشرة بالواقع الاجتماعي ـ لأن هذه العلاقة كعلاقة مباشرة غير ممكنة أصلاً ـ بل من وضعها الصراعي داخل البنية الأيديولوجية الخاصة بالبنية الاجتماعية.
إن ما يحدد هذه البنية الأيديولوجية كبنية هو كونها وحدة لتناقضات بنيوية لا لتناقضات فردية، أي إن علاقة التناقض بين مختلف الأيديولوجيات الطبقية هي التي تنسج في تطورها وحدة البنية الأيديولوجية، فتحدد المستوى الأيديولوجي كبنية متميزة داخل البنية الاجتماعية الشاملة.