كتاب " مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الإشتراكي في حركة التحرر الوطني " ، تأليف مهدي عامل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الإشتراكي في حركة التحرر الوطني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الإشتراكي في حركة التحرر الوطني
3 ـ علاقة الفكر بالواقع علاقة بُنيَويَّة
الوجود الفعلي في تفاعل الفكر مع الواقع ليس إذن، لأفكار متناثرة، تنبت حرة طليقة في أذهان المفكرين الأفراد، إنما هو للبنية الفكرية التي في إطارها تنبت هذه الأفكار ويتحدد بالضرورة إمكان ظهورها وتطورها. ليس للفكر الفردي ـ مهما بلغت أهميته العملية أو النظرية ـ وجود مستقل، إذ لا وجود له إلّا في بنية فكرية متكاملة تحدد موقعه بالنسبة إلى أفكار أخرى تضمها وحدة بنية، وبالتالي وحدة تطور. لهذا، يستحيل إطلاقاً وجود تفاعل ممكن بين الفكر والواقع، إذا كان هذا التفاعل ـ كما يتوهم البعض ـ بين أفكار منفردة وواقع اجتماعي تاريخي له منطقه، اللهم إلّا إذا اتخذنا الفكر الأفلاطوني مقياساً ومنهجاً لفهم الواقع، أو إذا اعتبرنا المفكر الفرد كاللَّه يقول للشيء كن فيكون. قد نصل، في هذه الحالة الأخيرة، إلى تفسير حضور الواقع في فكر الفرد، عن طريق منهج فرويدي مشوه يلجأ إليه سارتر أحياناً، لكننا نعجز فعلاً عن تفسير فعل الفكر الفردي أو المنفرد في هذا الواقع الاجتماعي. التفسير الوحيد الذي يمكن أن نعطيه لهذا الفعل تفسير ميكانيكي ليس في حقيقته تفسيراً. حين يخرج الفكر أو ينفرد عن البنية الفكرية التي تحدد الإطار التاريخي لتطوره، يخرج عن الواقع الاجتماعي نفسه ويستقل عنه، فيستحيل أن يكون له في هذا الواقع أي أثر. وكيف يمكن أن يكون للفكر في الواقع فعل إذا كان الفكر يأتي الواقع من الخارج، وكان الواقع، في منطق تطوره التاريخي، مستقلاً عن الفكر؟ إن الإرادة الذاتية، وإن استندت إلى الفكر المنفرد، أو قل لأنها تستند إليه، تكشف دوماً عن عجزها حين تصدم الواقع في غفلة عن منطقه.
4 ـ البُنية الفكرية والبُنية الأيديولوجية
شرط وجود التفاعل بين الفكر والواقع أن يكون هذا التفاعل بينهما بنيوياً، أي أن يكون فعل الفكر في الواقع للبنية الفكرية لا للفكر الفرد. ونقصد بالبنية الفكرية هنا هذا الحقل الفكري الذي يتحدد فيه فكر الفرد بنية وتطوراً، أي هذه التربة الواحدة التي تنبت عليها أفكار متعددة قد يبلغ الاختلاف بينها حد التناقض، إلّا أن جذورها تمتد في تربة واحدة هي التي تحدد لها طبيعة نشأتها ومجال تطورها. ووجود التناقض بين هذه الأفكار لا ينفي وجودها في تربة فكرية واحدة، بل قد يكون دليلاً عليه، إذ لا تناقض إلّا بين أطراف تضمها وحدة بنيوية واحدة(1).
لا شك في أن لهذه البنية الفكرية طابعاً اجتماعياً وتاريخياً يحدده وضعها في البنية الاجتماعية الشاملة. فهي ـ إن صح القول ـ جزء من كل هو بدوره جزء في كل يحتويه ويحدده. معنى هذا أن تحديد البنية الفكرية لا يكون إلّا في إطار البنية الاجتماعية الشاملة. غير أنه لا يتم، في هذا الإطار نفسه بشكل مباشر، بل في إطار البنية الأيديولوجية الخاصة بهذه البنية الاجتماعية. فالطابع الاجتماعي التاريخي الذي يحدد البنية الفكرية ناتج من وجودها الضروري داخل البنية الأيديولوجية، لا من علاقتها المباشرة بالواقع الاجتماعي. إن علاقتها بهذا الواقع تمر بالضرورة عبر وجودها في البنية الأيديولوجية، ووجودها في هذا الإطار هو الشكل الممكن الوحيد لوجودها الاجتماعي.
البنية الأيديولوجية، إذن، أعم وأشمل من البنية الفكرية، فهي لا تضم في إطار بنيوي واحد بنيات فكرية مختلفة وحسب ـ كالماركسية والتجريبية أو المثالية مثلاً ـ بل تضم أيضاً أشكالاً أيديولوجية مختلفة من أشكال الوعي الاجتماعي، كالأشكال الحقوقية والفنية والدينية الخ... إنها الوحدة البنيوية لمختلف أشكال الوعي الاجتماعي، أي لمختلف الأشكال الأيديولوجية التي من خلالها يعي الناس علاقتهم بالمجتمع وبالعالم. ليس لنا الآن أن نستفيض في بحث هذه القضية المعقدة، بل أن نحصر البحث في تحديد العلاقة بين البنية الفكرية والبنية الأيديولوجية، لما لهذا التحديد من أهمية في توضيح علاقة البنية الفكرية بالبنية الاجتماعية.