كتاب " مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الإشتراكي في حركة التحرر الوطني " ، تأليف مهدي عامل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الإشتراكي في حركة التحرر الوطني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الإشتراكي في حركة التحرر الوطني
الفصل الأول :علاقة الفكر بالواقع
1 ـ طرحُ المُشكِلة
علاقة الفكر بالواقع علاقة ترابط وتفاعل. هذه مقولة رئيسية في الفكر الماركسي، كثر تردادها، فبدت بداهة، وأخذ بها دون تساؤل عن شروط إمكانها، مع أن وجودها في إطار تستقل فيه نسبياً حركة الفكر عن حركة الواقع، يطرح في حد ذاته مشكلة. كيف يكون الفكر على علاقة تفاعل مع الواقع وهو في تطوره مستقل عنه؟ إذا قبلنا بتطور موضوعي للتاريخ خاضع لقوانين علمية محددة ـ وهذا ما تقول به الماركسية ـ إلى أي حد نستطيع القبول، من غير تناقض، بمساهمة الفكر الفعالة في تطور التاريخ؟ إن طبيعة الموضوع الذي نود معالجته هي التي تطرح علينا هذا السؤال. حين نتكلم على أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني نقبل ضمناً بوجود دور فعال قام به هذا الفكر في توجيه هذه الحركة التاريخية، أي عن الشروط التي يكون فيها للفكر فعل في تكون التاريخ وتوجهه.
2 ـ علاقة الفكر بالواقع ليست علاقة ذاتية فردية
ليس للفكر حرية ذاتية في التحرك والتطور، كما أن نشاطه في إنتاج المعرفة ليس من فعل الفرد كإرادة ذاتية مطلقة. إن تحرك الفكر يكون دوماً في إطار بنية فكرية هي التي تحدد له آفاق الإمكان والاستحالة في التطور. معنى هذا أن تحرك الفكر، في استكشافه الواقع، لا يخضع لإرادة الذات أو الفرد، أي لإرادة الفكر، بل للبنية الفكرية التي يتطور في إطارها، أي للتربة النظرية التي يستوي عليها ويجد فيها منطلقاته المحددة. علاقة الفكر بالواقع ليست إذن، علاقة ذاتية فردية، أي علاقة بين وعي فردي وواقع موضوعي، ولا يمكن إطلاقاً حصرها في هذه العلاقة النفسية. إنها في أساسها علاقة موضوعية بين بنية فكر وبنية واقع، كما أن التفاعل فيها بين بنيتين، لا بين فرد وبنية. ويمكن القول إن علاقة المفكر بالواقع الذي يدرس ليست علاقة مباشرة يحددها وعيه الفردي، بل هي علاقة ـ إن صح القول ـ غير مباشرة تمر بالضرورة ببنية فكرية لها وجودها الموضوعي، يحملها المفكر الفرد ومن خلالها ينظر. وبتعبير أدق، إن الفرد، وإن كان «مفكراً»، لا يفكر بفكره الفردي بل بالبنية الفكرية الموضوعية التي هو سند لها. وعدم ظهور هذه البنية الفكرية للوعي الفردي لا يدل على عدم وجودها، إلّا إذا اعتبرنا الوعي الفردي مقياساً للوجود الاجتماعي الموضوعي، وفي هذا عكس للأشياء ولمنطق وجودها الحقيقي. إن وجود الفكر كأفكار فردية متناثرة هو شكل تاريخي محدد لوجود البنية الفكرية نفسها، أو قل إنه الشكل التاريخي المحدد الذي تظهر فيه كذلك، فتخفي بظهورها هذا حقيقة وجودها الموضوعي. هذا التناقض في شكل وجودها بين الظاهر والحقيقة له أساسه ـ كما سنرى فيما بعد ـ في الوجود التاريخي المحدد للبنية الاجتماعية نفسها.
إن الواقع التاريخي إذن، يتكشف لهذه البنية الفكرية التي تستكشفه، لا في ذاته، بل بالشكل الذي تستكشفه، ولا يتكشف لفكر فردي مطلق تحرر، ظاهراً، من كل بنية تحده، لأن هذا الفكر وهمي لا وجود له إلّا في مخيلة بعض الفلاسفة المثاليين، أي في وهمهم الأيديولوجي. وبمعنى آخر، إن علاقة الفكر بالواقع ليست علاقة أفراد بواقع يخضع في تطوره لمنطق عقلاني خارج عن الإرادة الذاتية، بل هي علاقة بنيوية يتحرك في إطارها الأفراد بفعل تطور البنية ومنطقها، سواء على صعيد الواقع الاجتماعي التاريخي أو على صعيد الفكر، لا بفعل إرادتهم الذاتية.