هذا الكتاب الذي بين أيديكم هو شذرة ويجب أن يبقى شذرة. وبصدق وصراحة فإني أود لو أن هذا الكتاب لم يطبع.
أنت هنا
قراءة كتاب في تاريخ الدين والفلسفة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مقدمة الطبعة الأولى
عليَّ أن ألفت بخاصةٍ نظر القارئ الألماني إلى أن هذه الصفحات كتبت في الأصل للمجلة الفرنسية ريفيو دي موند(1) ولغاية محددة. فهي، إذاً، جزءٌ من نظرة عامة إلى أحداث فكرية ألمانية سبق لي أن قدمت للجمهور الفرنسي بعض أجزائها، وظهرت أيضاً باللغة الألمانية في هيئة مقالات بعنوان (حول تاريخ الأدب الحديث في ألمانيا)(2).
إن مطالب الطباعة الدورية، وعيوباً في اقتصاد الطباعة نفسها، ونواقص في وسائل علمية، وتصوراً فرنسياً وقانوناً حول مطبوعات أجنبية(3) صدر حديثاً في ألمانيا ولم يطبّق إلا عليّ أنا، وغير ذلك من الروادع والقيود، هذا كله لم يتح لي أن أنقل مختلف أجزاء تلك النظرة العامة في تسلسلٍ مرتب ترتيباً زمنياً وبوسيلة عامة شاملة.
على أن هذا الكتاب الحالي، رغم وحدته الداخلية وشكله الخارجي التام، ليس إلا شذرةً من كل أعظم.
وإني لأحيي الوطن أصدق تحية.
كتب في باريس في شهر كانون الأول 1834
هاينريش هايني
مقدمة الطبعة الثانية
حين غادرت الطبعة الأولى لهذا الكتاب المطبعة، واستلمت نسخة من الطبعة نفسها ذُعرتُ ذعراً كبيراً بسبب التشويهات التي تركت آثارها في كل مكان. ففي بعض الأماكن كانت هناك صفة ناقصة أو جملة اعتراضية، وحذفت مواضع بكاملها دونما مراعاة للمقاطع بحيث إنَّ المعنى لم يختفِ وحده فحسب، بل إنَّ الروح نفسه اختفى في بعض الأحيان. أو قلْ إنّ مخافة القيصر(4) هي التي قادت اليد في أثناء هذه التشويهات أكثر مما قادتها مخافة الله، على حين حذفت في شيء من القلق والتخوّف ما هو محرجٌ سياسياً وأبقت هي نفسها على ما هو في غاية من الريبة والخطر وما له علاقة بالدين. وبهذا ضاع اتجاه هذا الكتاب الذي كان اتجاهاً ديمقراطياً وطنياً وظهر أمامي روحٌ غريب كلّ الغرابة ذكّرني بالمماحكات اللاهوتية المدرسية، الأمر الذي تعافه طبيعتي الإنسانية المتسامحة لمناقضته إياها مناقضةً عميقة.
في بادئ الأمر منّيت نفسي بأنّ ثغرات هذا الكتاب يمكن أن تسدَّ في الطبعة الثانية. على أن أيَّ إصلاح من هذا القبيل هو محالٌ الآن، ذلك لأنَّ المخطوط الأصلي(5) قد ضاع في بيت الناشر في أثناء الحريق الكبير بمدينة هامبورغ. كما أن ذاكرتي ضعيفة جداً بحيث أستطيع أن استعين بها. وفضلاً عن ذلك فإن بصري، كما هو عليه لا يسمح لي بمراجعة دقيقة للكتاب، فأكتفي بأن أعتمد النسخة الفرنسية وأعيد ترجمة بعض المواضيع الكبيرة المحذوفة وأدخلها من جديد.
وأحذ هذه المواضيع التي طبعتها صحف فرنسية كثيرة وناقشتها كما ناقشها الكونت موليه(6)، أحد أعظم رجالات الدولة الفرنسيين في مجلس النواب الفرنسيين في مجلس النواب الفرنسي في العام الماضي، هو ذلك الموضوع الموجود في آخر هذه الطبعة الجديدة. ولعله يشير إلى حقيقة تصغير ألمانيا والحط من شأنها حيث إني، وكما أكد لي ناسٌ شرفاء، اقترفت ذنباً بذلك أمام البلد الأجنبي.
فإذا كنت عبّرت في حالة السخط والاستياء عن ألمانيا الرسمية القديمة، أرض محدودي الأفق المتعفنة التي لم تنجب واحداً مثل جوليات، ولم تنجب رجلاً واحداً عظيماً، فقد صار في مقدور المرء أن يصوّر ما قلت تصويراً دقيقاً، لكأنما ألمانيا الحقيقية هي محور الحديث، ألمانيا العظيمة الغامضة، وبمعنى أوسع، ألمانيا بلد الألمان المجهولة الاسم، بلد العاهل النائم الذي يلعب بصولجانه وتاجه قرودٌ طوال الذيول(7).
إن مثل هذا الغمز أو التعريض قد سهل على الناس الشرفاء المخلصين بأن كل إعلان عن موقفي الحقيقي ورأيي كان أمراً مستحيلاً لي خلال مدة طويلة، ولاسيما حين ظهرت مراسيم(8) مجلس النواب ضد "ألمانيا الفتية"، وهي مراسيم كانت موجهة في الأساس ضدي أنا، ووضعتني في موقف نادر في حتميته وإحكامه، ولم يسبق له مثيل في سجلات تاريخ عبودية الصحافة.
ولمّا تمكنت فيما بعد من أن أرفع الكمامة بعض الشيء بقيت الأفكار، مع ذلك، مقيدة مكبلة.
فهذا الكتاب الذي بين أيديكم هو شذرة ويجب أن يبقى شذرة. وبصدق وصراحة فإني أود لو أن هذا الكتاب لم يطبع. إذ أن آرائي في بعض الأشياء، ولاسيما في الأمور الإلهية، قد تبدلت تبدلاً خطيراً منذ صدور هذا الكتاب، وبعض الأشياء التي ادعيتها تناقض الآن أفضل ما عندي من عقيدة واقتناع. على أن السهم لم يعد يخص الرامي حالما ينطلق من وتر القوس، والكلمة لم تعد تخص المتكلم حالما تنبثق من بين شفتيه وتنسخ في المطبعة.
وفضلاً عن ذلك سيعترض سبيلي بعض أصحاب النفوذ الأجانب باحتجاج مقنع لو أني تركت هذا الكتاب من دون طباعة ولم أدخله في عداد مؤلفاتي الكاملة. ومثلما يفعل بعض الكتاب في مثل تلك الأحوال ربما استطعت أن ألجا إلى تخفيف التعابير وتلطيفها وإلى الإخفاء بواسطة العبارات. على أني أكره في أعماق نفسي التعابير الغامضة التي تحتمل أكثر من معنى وأكره الزهور المنافقة وأوراق التين الجبانة.