أنت هنا

قراءة كتاب في تاريخ الدين والفلسفة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
في تاريخ الدين والفلسفة

في تاريخ الدين والفلسفة

هذا الكتاب الذي بين أيديكم هو شذرة ويجب أن يبقى شذرة. وبصدق وصراحة فإني أود لو أن هذا الكتاب لم يطبع.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

ولكنها إذا نسيت واجبها مرة، كأنْ تهمل الطعام وتتوانى فيه، فإن عملها يبقى متروكاً لها من دون إنجاز وعليها أن تنجزه وحدها وتمنى بقدر من سوء الحظ كأنْ تحرق نفسها بالماء الساخن أو تكسر القدور والاطباق أو تكب الطعام أو تسقط وغير ذلك، وأنها، بذلك، لا بد أن تلقى الزجر والتأنيب عقاباً لها من ربة البيت أو رب البيت.
ويقال إن المرء كثيراً ما سمع العفريت يضحك أو يقهقه من ذلك. وإن عفريتاً كهذا يجب أن يمكث أبداً في المنزل، حتى لو تغير الخدم. بل إن خادمة راحلة كان عليها أن تعهد به إلى الخادمة التي خلفتها، وتوصيها به خيراً وبأنها تنتظره أيضاً. وإذا ما رفضت الخادمة الجديدة فإن سوء الحظ والنكد الدائمين لن يعوزاها، وسيكون عليها أن تغادر المنزل في وقت مبكر جداً".
ومن القصص الأكثر رعباً وهولاً قد تكون القصة القصيرة التالية(33) كان لخادمة عفريت غير مرئي وكانت قد أجلسته عندها على الموقد أعواماً طوالاً وخصصت له هناك مكاناً صغيراً. وفي الليالي الشتائية الطويلة كانا يتسامران. وذات مرة رجت الخادمة عفريتها الذي سمته هاينز الصغير، أن يمثل أمامها مرة واحدة في صورته التي فطر عليها.
على أن هاينز الصغير رفض ذلك. لكنه وافق أخيراً وقال إنَّ عليها أن تراه هناك. وما كان من الخادمة إلا أن حملت شمعة ونزلت إلى القبو وهناك، وفي برميل مفتوح، شاهدت طفلاً صغيراً ميتاً يسبح في دمه. وكانت الخادمة قد أنجبت منذ سنين خلت طفلاً غير شرعي وكانت قد قتلته وألقته في برميل.
على أن الألمان بطبيعتهم التي فطروا عليها كثيراً ما يبحثون عن أفضل أنواع المزاح والتسلية في الخوف نفسه. وفي بعض الأحيان تكون الأساطير الشعبية عن العفاريت عامرة بالسمات والملامح البهية المضحكة. فما هو مسلٍّ على نحو خاص هو الحكايات التي تدور عن العفريت هوديكين الذي عاث فساداً في هيلديزهايم في القرن الثاني عشر الميلادي والذي يكثر الحديث عنه لدينا في حجرات الغزل وروايات الأشباح. وسنقبس من كتاب أخبار قديم(34) موضوعاً طبع مراراً وتكراراً ويزودنا بالمعلومات التالية: في سنة 1132م ظهر شبح، خبيث لناس كثيرين في أسقفية هيلديزهايم في هيئة فلاح يعتمر قبعة. وعلى هذا سماه الفلاحون بلغتهم الساكسونية هوديكين. ولقد وجد الشبح مسرّة ولهواً في مخالطة الناس ومعاشرتهم، فتارة يظهر لهم وتارة يحتجب عنهم وسرّه أيضاً أن يطرح عليهم أسئلة ويجيب عنها. وما أهان أحداً من دون سبب. أما إذا ما سخر منه الناس أو سبوه فإنه كان يقابل هذا الظلم الذي لاقاه ويرده بالصاع نفسه دون نقصان. ولما كان الجراف هيرمان فون فيزينبورغ قد قتل الجراف بوشارد دي لوقا وصارت بلاد القاتل في خطر من أن تصبح نهباً للمنتقمين فإن الشبح هوديكين أيقظ الأسقف بيرنارد فون هيلديزهايم من نومه وتكلم معه الكلمات التالية: انهض أيها الأصلع! إن بلاد الجراف فيزينبورغ صارت مهجورة بسبب القتل وقضي عليها وفي إمكانك أن تستولي عليها بسهولة!". وسرعان ما جمع الأسقف محاربيه ودخل بلاد الجراف المذنب وضمها بموافقة القيصر إلى وقفه. وكثيراً ما أنذر هذا الشبح الأسقف المذكور من دون دعوة من أخطار مقبلة تتهدده، وكثيراً ما ظهر، لاسيما في مطبخ السراي حيث كان يتكلم مع الطباخين ويقدم لهم شتى الخدمات. ولما كان المرء ألف الشبح هوديكين تدريجياً فقد جرؤ أحد الطباخين الشباب على أن يمازحه ويلاعبه كلما ظهر، حتى إنه كان يسكب الماء القذر عليه. وطلب الشبح من كبير الطباخين أنه يود أن يردع الشاب الشقي غير المؤدب عن عبثه. وأجاب كبير الطباخين: "إنك شبح وتخاف من صبي!" ورد هوديكين الشبح على ذلك ممهداً: " ولما كانت ترفض أن تعاقب الصبي فإني سأريك في أيام قلائل مدى خوفي منه".
وبُعَيْدَ ذلك كان الصبي الذي أهان الشبح ينام وحده في المطبخ. وبينما كان نائماً قبض عليه الشبح وخنقه وقطعه إرباً إرباً ووضعه في قدور على النار. ولما أن الطاهي قد اكتشف هذه الفعلة فقد لعن الشبح. وفي اليوم التالي أفسد الشبح هوديكين كل الشواءا الموجود على السفود بالسم وبدم السلاحف الذي صبّه فوق الشواء.
ودفع الانتقام بالطاهي إلى شتائم جديدة. فما كان من الشبح إلاَّ أن قذف به من فوق جسر غير حقيقي ومسحور في حفرة عميقة، وفي الوقت نفسه قام بجولته طوال الليل فوق الأسوار والأبراج وأجبر الحراس على اليقظة الدائمة. وكان لرجل امرأة خائنة. وذات مرة، ولما أراد هذا الرجل السفر، قال للشبح هوديكين مازحاً: "أيها الصديق الطيب، إني أوصيك بامرأتي فاحرسها بعناية". وما إن نأت المسافات بالرجل حتى سمحت المرأة الخائنة لعشاقها بالمجيء واحداً بعد الآخر. على أن الشبح هوديكين وحده لم يترك أحداً منهم يدنو منها، بل إنه قذف بهم كلهم من فوق السرير على الأرض. وحين عاد الرجل من سفره لاقاه الشبح وقال للعائد: "لشد ما تسرني عودتك لأنني سأخلص من المهمة الصعبة التي ألقيتها على عاتقي. فلقد صنت زوجتك بشق النفس وحلت بينها وبين خيانة زوجية حقيقية. لكنني أرجوك بألا توصيني بها ثانية. وإنه لخير لي أن أرعى الخنازير كلها في مقاطعة ساكسونيا من أن أرعى امرأة تسعى لأن تسلم نفسها لعشاقها بالمكائد والحيل".
وابتغاء للدقة لابد لي من القول إن غطاء الرأس عند هوديكين يختلف عن الزي العادي للأشباح والعفاريت. فالعفاريت يرتدون في أغلب الأحيان ثياباً رمادية ويعتمدون فلنسوات صغيرة حمراء. وإن المرء ليرى هذا على الأقل في ما هو دانماركي حيث ينبغي أن يكثر عددهم في هذه الأيام على نحو شديد. ولقد كان رأيي من قبل أن العفاريت آثروا العيش في الدانمراك لأنهم فضلوا أكل الجريش على أي شيء آخر. على أن السيد اندرسون(35)، الشاعر الدانمركي الشاب الذي سرني لقاؤه هذا الصيف في باريس، أكد لي بأن العفاريت يفضلون أن يأكلوا "العصيدة". وإذا استقر العفاريت في منزل ما فإنهم لا يميلون إلى مغادرته على الفور. على أنهم لا يأتون على غير موعد. وإذا أرادوا أن يسكنوا في مكان ما فإنهم يعلمون رب البيت بذلك على النحو التالي: كأن يحملوا ليلاً إلى المنزل شتى أنواع نشارة الخشب وينثروا في براميل الحليب روث البقر. فإذا لم يرمِ رب البيت بنشارة الخشب مرة أخرى وشرب هو وأسرته من ذلك الحليب الملوث فإن العفاريت تقيم عنده إلى الأبد. ولقد بات هذا في نظر البعض أمراً مزعجاً وكريهاً. وأخيراً حسّ أحد سكان منطقة يوتلاند بالضيق والانزعاج من عشرة مثل هذه العفاريت بحيث إنه هو نفسه أراد أن يتخلى عن منزله وحمل متاعه في عربة ومضى بها إلى القرية المجاورة لكي يقيم هناك. على أنه في الطريق ولما التفت لمح رأس العفريت الذي كان يعتمر قلنسوة حمراء وكان ينظر من أحد البراميل الفارغة ويناديه بأدب ولطف: "إننا راحلون".

الصفحات