أنت هنا

قراءة كتاب في تاريخ الدين والفلسفة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
في تاريخ الدين والفلسفة

في تاريخ الدين والفلسفة

هذا الكتاب الذي بين أيديكم هو شذرة ويجب أن يبقى شذرة. وبصدق وصراحة فإني أود لو أن هذا الكتاب لم يطبع.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

وهنا تظهر تماماً وجهة النظر الغنوصية بأن ما هو إلهي يزداد سوءاً. وفي هذا التبديل للإيمان الشعبي القديم(25) تتجلى فكرة المسيحية على نحو شديد العمق. فالإيمان الشعبي في أوروبا، في الشمال وفي الجنوب بخاصة، كان يقول بوحدة الوجود. فأسراره ورموزه كانت تعود إلى خدمة الطبيعة. وفي كل عنصر كان المرء يقدس كائنات غريبة عجيبة. وفي كل شجرة كانت تتنفس الإلوهية. وعالم الظواهر كله كانت تتخلله الروح الإلهية. وقلبت المسيحية هذه النظرة. واستبدلت الطبيعة التي يتخللها روح الإله بالطبيعة التي يتخللها روح الشيطان. فصور الأسطورة اليونانية المشرقة التي أضفى عليها الفن جمالاً وسادت في الجنوب في حضارة الرومان لم يستطع المرء أن يحوّلها في سهولة ويسر إلى أقنعة شيطانية قبيحة مخيفة مثل شخوص الآلهة الجرمانية، حيث إنه لم يتشكل على غرارها أي ذوق فني متميز على حين كانت فيما مضى على غاية من الاستياء والقتامة كما هي الحال في الشمال نفسه. وعلى هذا لم يكن في الإمكان أن يتكون لديكم في فرنسا مفهوم شيطنة مرعب ومخيف كما تكون لدينا، حتى إنَّ المخلوقات السحرية والأشباح نفسها اتخذت لديكم شكلاً خفيفاً مرحاً. فكم هي جميلة وواضحة وغنية بالألوان أساطيركم الشعبية بالقياس إلى أساطيرنا التي هي مخلوقات مشوّهة مكونة من لحم وضباب تكشر فينا تكشيراً شديد القتامة والقسوة.
ولقد أضفى شعراؤنا في العصور الوسطى على أعمالهم أقصى ما استطاعوا، وربما عن عمد، من ذلك الروح الفرنسي القديم المتسم بالصفاء والبشاشة(26)، وذلك في أثناء اختيارهم في أغلب الأحيان لمواد كنتم أنتم في بريتانيا وفي النورماندي تخيلتموها أو عالجتموها في بادئ الأمر. أما في آدابنا القومية وفي أساطيرنا الشعبية الشفوية فقد أبقى ذلك الروح الشمالي القاتم الذي لا تعرفون عنه أي شيء. ولديكم كما لدينا نحن أنواعٌ منّوعة من الأرواح العنصرية(27)، على أن الأرواح لديكم تتمايز عن الأرواح لدينا أشدّ التمايز كما يتمايز ألماني من فرنسي. فالجن في أشعاركم القصصية المسلية وفي روايات السحر تتسم بالألوان الصافية وهي وضيئة بصورة خاصة إذا ما قيست بما عندنا من الأرواح الغوغاء القاتمة التي كثيراً ما تكون جدّ فاحشة وبذيئة.
وإن جنياتكم وأرواحكم العنصرية سواء أأتيتم بها من كورن ويلزأم من بلاد العرب(28) هي، مع هذا، تأقلمت كل التأقلم. وإن روحاً فرنسياً ليتميز من روح ألماني كما يتميز شخص شديد التأنق يمشي الهوينى بقفازين أصفرين من الجلد المصقول في شارع بوليفار كوبلنز من حمّال ألماني بدين. وإن جنياتكم البحرية من مثل ميلوزين ليتمايزن أيضاً من جنياتنا كما تتمايز أميرة من غسّالة. فالحورية مورجانا(29) سوف ترتاع لو قابلت ساحرة ألمانية تمتطي عصا مكنسة إلى جبل البروكين وهي عارية مدهونة بالمرهم. وهذا الجبل ليس آفالون، الجزيرة المشرفة، وإنما هو ملتقى كل ما هو أجرد وقبيح. فعلى قمة الجبل يجلس إبليس في هيئة تيس أسود. فكل ساحرة تقترب منه وتحمل في يدها شمعة تقبّله في الخلف حيث ينتهي الظهر! وبعدئذٍ ترقص هذه المجموعة من الأخوات الفاسدات الخليعات من حوله وتغني: "دونديريموس، يادونديريموس!" ويثغو التيس ويضجّ القوم فرحاً برقص جهنمي متوحش. وإنه لنذير سوء للساحرة حين تفقد نعلها في أثناء الرقص. وهذا يعني أنها ستحرق في العام نفسه. على أن كل الخوف المتوقع يخمد الموسيقا السبتية الصاخبة التي هي صورة خالصة عن موسيقا بيرليوز(30). وحين تستيقظ الساحرة المسكينة من سكرتها في الصباح فإنها تجد نفسها في الرماد قرب الموقد عارية منهكة القوى.
ويجد المرء أفضل المعلومات عن الساحرات في كتاب "علم الجن والشياطين"(31) للعلامة المحترم الدكتور نيكولاي ريميجي الحاكم الجنائي لسمو دوق اللورين. فهذا الرجل اللوذعي انتهز في الحقيقة أفضل الفرص ليتعرف على تصرفات الساحرات وأعمالهن، إذ أنه كان مطّلعاً على قضاياهن وشهد هو نفسه حرق ثمانمائة امرأة في اللورين بعد أن أدرجن في عداد الساحرات. وكثيراً ما انحصر تقديم الإثبات في أنَّ المرء يربط أيديهن وأرجلهن ويرميهن في الماء.
فإذا غصن في الماء وغرقن كنَّ بريئات. أما إذا طفن على سطح الماء كنّ مذنبات وكان مصيرهن الحرق. هكذا كان منطق ذلك العصر.
ومن السمات البارزة التي كنّا نراها في طبع الجن الألمان هي أنها جُرّدت من كل ما هو مثالي وأنَّ ما في داخلها هو مزيج من الخبث والحقارة والسفالة كلها ومن البشاعة والشناعة كلها. وعلى قدر ما تقترب منا على نحو حميم يكون تأثيرها مفزعاً ورهيباً. فلا شيء يبعث على الرعب والهلع أكثر من أشباحنا الضاجة وعفاريتنا الصغيرة وأقزامنا. وفي هذا الصدد يضمّن بريتوريوس كتابه "انتروبوديموس"(32) موضعاً أورده هنا معتمداً دوبينيك: "لم ير القدامى في الأشباح الضاجة شيئاً إلا أنها يجب أن تكون بشراً صالحين مثلها مثل أطفال صغار يرتدون سترة صغيرة ملونة أو ثوباً صغيراً. ويضيف الجميع بأنّ على بعضهم أن يحمل سكيناً في الظهر وأنَّ للبعض شكلاً آخر أو شكلاً شنيعاً مفرغاً. ومن ثم فإنهم يقتلون بهذه الأداة أو بغيرها قبل الأوان. إذ أن الذين يؤمنون بالخرافات يظنون أن الناس الذين قتلوا في المنزل قبل الأوان يمكن أن يكونوا أرواحاً. ويثرثرون بقصص كثيرة وهي أن العفاريت حين يقدمون للخادمات والطباخات في البيت فترة من الزمن خدمات جليلة ويكسبون محبتهن ومودتهن عندما تشعر بعض المستهترات الفاسقات لقاء ذلك بمثل هذا الميل والعاطفة نحو العفاريت ويتمنين من أعماقهن أن يشاهدن مثل هؤلاء الخدم الصغار ويتقن إليهم على حين لن ترضى الأشباح الضاجة ولن تقبل بمثل ذلك أبداً متذرعة بأن المرء لا يستطيع أن يراها من دون أن يرتعد خوفاً من جراء ذلك. ولكن مع هذا إذا لم تستطع الفتيات الشهوانيات أن يمسكن عن ذلك فتسمي العفاريت لهؤلاء مكاناً ما في المنزل حيث تريد المثول بلحمها ودمها. على أن المرء يجب أن يصطحب معه في الوقت نفسه سطلاً من الماء البارد. إذ أنه حدث ذات مرة أن عفريتاً كان ملقى على الأرض في داخل وسادة وكان عارياً وفي ظهره سكين كبير مغروز. وعلى هذا ذعرت بعض الخادمات ذعراً أيّ ذعر بحيث إنه أغمى عليهن. وعلى هذا سرعان ما انتفض هذا العفريت وتناول الماء وصبّه على المرأة المستهترة المغشي عليها كي تعود إلى وعيها. ولذلك كانت الخادمات يفقدن لذتهن ورغبتهن ويتمنين ألا يرين أبداً "يواكيم العزيز. والحق إن العفاريت كلهم يجبْ أن يكون لهم أيضاً أسماء خاصة، على أنها تدعى في السر "كيم".
كما أنه ينبغي عليهم أن ينجزوا العمل المنزلي كله للعبيد والخدم الذين يخضع لهم هؤلاء العفاريت: كأن تحسّ الخيول وتقدم لها العلف وتنظف الاصطبل وكل شيء، وتحافظ على نظافة المطبخ وغير ذلك من أعمال ينبغي القيام بها في المنزل كالانتباه الشدبد وزيادة الأنعام وتربيتها ومن أجل ذلك يجب أن يلاطف الخدم العفاريت بأن لا يؤذوهم لا في كثير ولا في قليل، لا بالسخرية والاستهزاء ولا بالتواني في تقديم الطعام. وإذا ما استعانت إحدى الطباخات سرياً بأحد هؤلاء العفاريت في منزلها فعليها، إذاً، أن تضع يومياً في وقت ومكان محددين زبديته الجاهزة مملوءة بالطعام الجيد ثم تمضي في حال سبيلها. وفي وسعها أن تتكاسل بعد ذلك بصورة دائمة وأن تأوي إلى النوم مبكراً. ومع هذا ستجد عملها في الصباح الباكر مدبراً ومرتباً.

الصفحات