كتاب " البلاغة وتحليل الخطاب "، يتمحور موضوع الكتاب حول إشكالية النسق السيميائي للخطاب الاستعاري، وهو خطاب يفترض فيه أنه منفتح على القراءة والتأويل، لأنه يمثّل خاصية أساسية في اللغة الطبيعية في جوانبها: التمثيلي، الدلالي، والتداولي.
قراءة كتاب البلاغة وتحليل الخطاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
البلاغة وتحليل الخطاب
تظهر الاستعارات في أي نص لصيقة بالخطابات الوصفية، حيث يندمج الوصف مع السرد، بما يضمن حركية النص ونموّه، سواء من حيث الحبكة أو الانفصالات الشخصية والزمكانية، لهذا أفردنا مبحثاً خاصاً بثنائية السرد والوصف في الدراسات السيميائية، وقد لاحظنا أن السيميائيات السردية، ممثلة في مدرسة باريس، أولت اهتماماً خاصّاً بالسرد دون الوصف، فمن خلال تتبع نموذج غريماس التحليلي نجده مهتماً بالسرد، وهذا راجع ربما إلى طبيعة النص الذي حلّله: قصة قصيرة تتلاءم معها الدراسة السردية بحكم أنها تنبني على مجموعة أفعال، في مقابل النصوص الشعرية التي تتلاءم فيها الدراسة الوصفية، بحكم أنها تقوم على مجموعة أوصاف، والمسافة بين السرد والوصف ليست متباعدة، بحكم أنهما متلازمان في النصوص، كما لم تعد هناك حدود بين الأجناس الأدبية، خصوصاً ما يتعلق بالجانب اللغوي، الذي يعد مشتركاً بين جميع الأشكال الأدبية، وهو ما سنثبته في دراستنا التطبيقية في الفصل الأخير من البحث.
يتناول الفصل الثاني من البحث وظيفة الخطاب الاستعاري، وهو يقوم على ثلاثة مباحث أساسية؛ المبحث الأول يتناول وظيفة الاستعارة، من حيث هي خطاب أيقوني، يعتمد أيقونية اللغة لينقل ما في الأذهان، قصد التواصل بطريقة تصويرية ترسم مشاهد واقعية، بشكل لا يختلف كثيراً عن أي خطاب بصري، الفرق بينهما أن الأول يخاطب الأذهان مباشرة، في حين أن الثاني يخاطبها بوساطة الأعين، وقد اعتمدنا في هذا على تنظيرات ش.س. بورس، التي لاحظنا أنها استثمرت فقط في دراسة الخطابات البصرية، دون أن تستثمر في الخطابات الأدبية، وقد مثلنا لهذا التوجه بدراسة محمد الماكري التي ضمنها كتابه «الشكل والخطاب»، حيث مزج بين لغة الشعر كخطاب بصري، يعتمد الخط العربي في أشكال متعددة، مكنته من تأويل المتن وقراءته وفقاً لشكل هذه الخطوط، وهي دراسة تمزج بين تنظيرات بورس وجاك دريدا.
ونظراً لأننا ندرس الاستعارة النصية المركبة، فقد اتجهنا في المبحث التالي إلى التطرق إلى بعض مبادئ الدراسة، التي رصدناها في تنظيرات الدكتور طه عبد الرحمن، حول الموضوع وهي ثلاثة موضوعات: الأول هو ترجيح المعنى على اللفظ، والثاني هو ترجيح النظم، والثالث هو ترجيح المطابقة على المشابهة.
وقد لاحظنا أنه قد اختلف مع أرسطو في مسائل عديدة وخصوصاً في هذه المسائل الثلاث المذكورة، متجاوزاً بعض الأفكار الأرسطية التي عدت من المسلمات لشيوعها.
أما المبحث التالي فقد كان في قضية التصوير والتخييل عند العرب، مستنداً هذا إلى الدراسة التي قدمها الناقد جابر عصفور للمسألة في كتابه «التصوير الفني عند العرب» على سبيل المقارنة بين التصوير ومفهوم الأيقون باعتبارهما متقاربين.
كما تناولنا فيه قضية المجاز والتأويل عند المعتزلة وعند أبي حامد الغزالي من خلال كتاب «النص والتأويل» لنصر حامد أبو زيد، وكذا نظرة المفسرين من ذوي الاتجاه النقلي إلى مسألة المجاز والتأويل في النص القرآني، ورفضهم للاتجاهين الاعتزالي والصوفي في التأويل، لشيوع المقابلة بين المجاز والحقيقة، وباعتبار أن المجاز يدخل في مجال الكذب والتناقض مع الحقيقة، وهذا بعيد عن صفات الله تعالى. وعليه فقد حاولنا إثبات تعلق المجاز بالحقيقة، وعدم مناقضته لها في أي حال، كما ارتأيت استبدال مصطلح «المجاز» بمصطلح «الخطاب الاستعاري» انطلاقاً من اعتقادي بأن المجاز هو الذي يقع تحت الاستعارة وليس العكس، كما هو شائع إلى جانب مقابلته بالحقيقة وبالتالي استبدلته بالخطاب الاستعاري.
أما المبحث الأخير فهو تطبيقي، طبقت عليه المبادئ النظرية التي سبق تناولها كما أردت من خلاله الولوج إلى الفصل التطبيقي الأخير، إلى جانب إثبات مسألة دخول الكناية إطار الخطاب الاستعاري وكذا تبيين مسألة فصل رومان جاكبسون بين الخطاب الاستعاري والخطاب الكنائي، فقد حللت بيتاً للخنساء هو عبارة عن صورة مركبة تجمع عدّة كنايات، وهذا بالاعتماد على منهج بورس، بتناول ممثل العلامة وموضوعها ومؤولها، إثباتاً لأيقونية الخطاب وتعلقه بالواقع والحقيقة، وقد مكنتني آليات التأويل من إثبات تعلق هذه الصورة الشعرية بالأيقونة من جهة التمثيل، وبالمؤشر من جهة الموضوع، وبالرمز من جهة المؤول.
أما الفصل الأخير من البحث فهو تطبيقي في مجمله وقد طبِّق على قصة قصيرة للسعيد بوطاجين، عنوانها «وللضفادع حكمة»، من مجموعته القصصية «اللعنة عليكم جميعاً»، وقد تعمدت الاشتغال على هذه القصة لاعتبارات عديدة، منها إثبات استعارية الخطابات النثرية والشعرية معاً، فالاستعارة ليست حكراً على الشعر بل هي موجودة في جميع ملفوظاتنا.
كما أردت الاستمرار والاستفادة من تنظيرات غريماس من خلال الاشتغال على نموذج قصصي.
وقد قسّمت الفصل إلى مباحث تناولت في المبحث الأول دراسة سيمياء العنوان الاستعاري، وهذا على أساس افتراض أن العنوان يشكل استعارة نصية تتناسل منه مجموع استعارات النص.
أما المبحث التالي فقد تناولت فيه الشخصيات الاستعارية مستفيداً في تطبيقاتي من منهج ف. هامون (P. Hamon) حول الشخصيات الروائيّة، والنظر إلى مقاصد المؤلف ومقاصد البنية النصيّة، ومقاصد القارئ، والنظر في العلاقة بين هذه المقاصد وأيهم يفرض سلطته، والاشتغال على المقاصد ضرورة يفرضها تأويل النص ـ الاستعارة. وقد ركزت في التطبيق على عناصر المكوّن الخطابي (الشخصية، وعلاقتها بالزمن والمكان) باعتبارها عناصر وصفية تبرز استعارية النصوص، ومكمن إبداعها واختلافها.
وأنهينا البحث بجملة النتائج التي توصلنا إليها، وهي نتائج غير نهائية بل هي مفضية إلى تساؤلات أخرى، تفرضها طبيعة الإشكالية وجملة الافتراضات التي طرحناها حول هذا الموضوع، خصوصاً وأننا قد أثرنا مسائل متجاوزة أحياناً لصعوبة دراستها، وشككنا في مسائل عدت من المسلمات.