كتاب " البلاغة وتحليل الخطاب "، يتمحور موضوع الكتاب حول إشكالية النسق السيميائي للخطاب الاستعاري، وهو خطاب يفترض فيه أنه منفتح على القراءة والتأويل، لأنه يمثّل خاصية أساسية في اللغة الطبيعية في جوانبها: التمثيلي، الدلالي، والتداولي.
قراءة كتاب البلاغة وتحليل الخطاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
البلاغة وتحليل الخطاب
الفصل الأول
الخطاب الاستعاري بين البلاغة والسيمياء
1 ـ البلاغة وتحليل الخطاب
تستمد مناهج تحليل الخطاب مبادئها الأولية من اللسانيات الوصفية التي أرسى دعائمها الأولى عالم اللسانيات دي سوسور (F. De Saussure) ، التي تفرعت بعدذلك إلى عدة فروع، منها اللسانيات التلفظية، التي كانت منطلقاً مهمّاً لبحوث التداولية من جهة، ومن جهة أخرى للسيميائيات السردية (1)، وبحوث علم الدلالة، وهي جميعاً أبحاث تروم الإمساك بالمعنى والدلالة التي تبدو متملصة غير قابلة للقياس، بتأثير من فلسفة اللغة التي طرحت مسألة المعنى ومِن بعده التأويل، خصوصاً بعدما أصبح التحليل يتم على مدونة أكبر، يصعب الإلمام بتلافيفها، هي الخطاب الأدبي بصفة عامة بمختلف أجناسه.
يرمي تحليل الخطاب إلى إعطاء النص قراءة مضبوطة يتفق عليها عدد كبير من القراء، وهذا بالإمساك مبدئياً بمقاصد الكاتب الإبلاغية أولاً، ثم بالمقاصد الأخرى التي تخرج من يد الكاتب إلى يد القارئ، الذي يقوم بعملية التفكيك والتركيب، أو بتعبير سيميائي، يقوم القارئ بعملية الهدبنة (Dè-construction) (2): للكشف عن بنية النص بإنتاج بنية أخرى قابلة للاختراق والتجاوز في أية لحظة، وهذا من خلال البناء على القراءة الأولى للوصول إلى قراءة ثانية، ثم ثالثة ثم قراءات لامتناهية، وفق سيرورة قراءات علامية متولدة بعضها من بعض، وتتأسس حيث تنتهي القراءة السابقة.
وهذا حال المعارف الإنسانية كلها، فهي تتأسس وفق حلقات تطورية تتسع كلما أوغلنا في المستقبل، دون أن نلمح نهاية ما لهذه المعارف التي تبقى نسقاً مفتوحاً على نفسه، وعلى أنساق أخرى.
ولعل السبب الأساسي الذي دفعنا إلى البحث في الخطاب الاستعاري هو أنه يستوفي هذه الخصائص، وأهم خاصية تميّز الخطاب الاستعاري هي أنه يتجاوز المعنى إلى معنى المعنى .
الغاية إذن من تحليل الخطاب هي الوقوف على دلالات النص الأكثر عمقاً، وإعطاء النص القراءة الدلالية الأدق، غير أننا متأكدون مبدئياً من أن تلك القراءة لن تكون نهائية، لأنها قراءة تجرنا إلى قراءات أخرى تتحكم فيها ظروف الخطاب الأولى، كما تتحكم فيها ظروف القراءة، وعليه فسيغدو تحليل الخطاب آلية تتجاوز مقاصد المؤلف، لتقتحم النص في عمقه لتكشف دلالته التي ربما أسقطها المؤلف، ولم تخطر بباله، فهو لم يقلها، ولكن النص قالها ، لهذا فقط سوف نشاطر ر.بارث (RolandBarth) رأيه حينما يعلن موت المؤلف ، لكنه بالمقابل يعلن ميلاد النص والقارئ : «ينبغي أن تكون ولادة القارئ على حساب موت الكاتب» (3) وقد طرح آلان برون (Alain Brun) سؤالاً حول موضوع موت المؤلف، يتساءل فيه عن المستفيد من قطع الصلة بين النص والمؤلف؟ ليجيب قائلاً: «بأن قطع الصلة بينهمايحقق أدبية النص، المستمدة من انفتاحه على تأويلات عدة تتحكم في مستقبل النص وحياته المتوقفة على قدرته على تقبل إعادة التأويل...» (4).
وبالتالي فسيمنح بارث دوراً مهماً للقارئ الذي يصبح هو كاتب النص، لأنه يعيد تركيب وتأويل المعاني الواردة فيه وهذا ما يكسب النص تعدده، فيتجاوز مقاصد المؤلف، الذي يوقع شهادة وفاته لحظة ميلاد النص، ليفسح في المجال للقارئ ليمارس لعبة الهدبنة .
والتوجه إلى القارئ هو ميزة النقد ما بعد البنيوي ، الذي يتجه إلى القارئ بدل البنية ، وبدل المؤلف أو المرجع ، مثلما نجد في المناهج النقدية الأخرى، التي تنظر إلى العملية النقدية من زوايا مختلفة، ولتوضيح وتقريب الفكرة نستعين برسم توضيحي، صاغه سلدن انطلاقاً من ترسيمة الوظائف عند جاكبسون:
وظيفة مرجعية
وظيفة انفعالية - - - - - - - - - - - - - - - - - - - وظيفة شعرية - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - وظيفة إيحائية
وظيفة لغوية شارحة
ولتمثيل النظريات الأدبية عبر التاريخ يصفها سلدن على النحو الآتي:
الماركسية
الرومانسية - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - الشكلانية - - - - - - - - - - المتجهة إلى القارئ (5)
البنيوية
الملاحظ أن الاتجاه إلى القارئ هو المرحلة الأخيرة في تاريخ النقد، ولهذا فستمنحنا ترسيمة الوظائف التي قدمها ر. جاكبسون تصوراً كلياً للنص ينظر إلى جميع عناصره المتفاعلة.
ويمكننا تعزيز الترسيمتين بثالثة توضيحية:
المجتمع (النقد الاجتماعي)
الكاتب (النقد النفسي) - - - - - - - - - - - - النص (بنية سردية) - - - - - - - - - - - - - التلقي
النص (بنية لغوية)