قراءة كتاب البلاغة وتحليل الخطاب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البلاغة وتحليل الخطاب

البلاغة وتحليل الخطاب

كتاب " البلاغة وتحليل الخطاب "، يتمحور موضوع الكتاب حول إشكالية النسق السيميائي للخطاب الاستعاري، وهو خطاب يفترض فيه أنه منفتح على القراءة والتأويل، لأنه يمثّل خاصية أساسية في اللغة الطبيعية في جوانبها: التمثيلي، الدلالي، والتداولي.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

1.2 ـ الاستعارة/الكتابة
إلى جانب هذا، نجد جيرار جينيت في مقال مترجم، عنوانه «البلاغة المقيدة»، يبتدئ بحوار مقتبس من مقابلات جورج شاربونييه مع جورج لويس بورجيت، يجعل من الاستعارة مقابلات للكتابة، هذا نصه:
«ج.ش.: قبل ثلاث أو أربع سنوات، كانت المجلات، المقالات والمحاولات مليئة بكلمة الاستعارة، وقد تغيّرت الموضة، فالكتابة تعوض الاستعارة.
ج.ل.ب.: لا أظن أن الأمر يربح كثيراً من هذا الاختلاف.
ج.ش.: بالطبع» (12).
ما يهم في هذا المقتبس هو احتفاء ج. شاربونييه بالاستعارة التي يقول إنها استبدلت بمصطلح كتابة، بمعنى أن الكتابة مفهوم بديل لمفهوم الاستعارة. وبالتالي فهذا يدل على الطابع الشمولي لمفهوم الاستعارة الذي عوض بمفهوم الكتابة، وهو مفهوم واسع جداً، يخترق الفكر والوجدان ليعبّر عنهما.
إن طرح مفهوم الكتابة كبديل للاستعارة يشبه إلى حد بعيد فكرة النظم في التراث البلاغي العربي، حيث كان يعني التأليف والكتابة ، وقد عني به علماء البلاغة العرب وعلى رأسهم عبد القاهر الجرجاني، الذي وضع أسس نظرية النظم التي عرفت اكتمالها على يديه، يقول في هذا الصدد إن: «الإعجاز في الاستعارة والكناية والتمثيل وسائر ضروب المجاز لا يرجع إليها كأفراد وإنما يرجع إلى النظم لأنه لا يتصور أن يدخل شيء منها في الكلم وهي أفراد لم يتوخ فيما بينهما حكم من أحكام النحو» (13) وفكرة النظم هذه ترتبط دوماً بعلم البلاغة، وبالتخييل خصوصاً: «فغاية علم البلاغة هي الوقوف على لطائف معاني التنزيل، ومعرفة وجه الإعجاز والنظم» (14).
وبالطبع فإن فكرة الإعجاز والنظم ترتبط أساساً بالقرآن الكريم، وتتعلق بخطاب إلهي معجز في نظمه، نحاول استثمار هذه الآليات اللغوية ومقاربتها ببعض النصوص الأدبية التي تتوخى النظام اللغوي، والاستعمال الكلامي نفسه في إنتاج نصوصها.

1.3 ـ سيمياء الاستعارة
يرجع السبب في تسليطنا الضوء على هذه الكوة المظلمة في النصوص الأدبية، شعراً ونثراً، إلى دحض أو إثبات فكرة انتهاء أو انغلاق النصوص لحظة ميلادها، وخضوعها لبرمجة أولية مبنية على أساس تناظر ثنائي، ينتهي في عمقه ليثبت ثنائية كونية هي ثنائية الحياة والموت.
تعد ثنائية الحياة والموت، المستوى الأكثر عمقاً في تحليل الخطاب عند غريماس، حتى إن كل خطاباتنا بكل تمفصلاتها الجزئية تؤول إلى هذه الكلية الكونية التي تبتدئ بالحياة وتنتهي بالموت. غير أن هذا الطرح يبدو غير بريء، لأنه يعبّر عن فكرة إيديولوجية ما، لا تؤمن بما بعد الموت، ربما هي وليدة إرهاصات الفكر الماركسي الذي ساد حقبة من الزمن، وهذا ما لا يمكننا دحضه أو إثباته في هذا المقام، ولا أود ذلك.
فالمهم هنا هو تجليات هذه الإيديولوجية في نموذج غريماس التحليلي ، لأبحث فيه عن منفذ ما يجعل من نموذجه نموذجاً منفتحاً، لا منغلقاً منتهياً، أي إني قصدت من وراء هذا تحريك الآلة التأويلية للنصوص، بإخضاع النموذج لإيديولجيتنا الخاصة ، قصد خلق تحليل يصطبغ بإيديولوجيم (15) خاص بنا نحن.
فعقيدتنا الإسلامية تنبني هي الأخرى على ثنائيات تضادية كالحلال والحرام، الوعد والوعيد، الثواب والعقاب، الجنة والنار، الموت والحياة... لكن هناك الماقبل والمابعد ، أي ما قبل الحياة وما بعد الموت ، ما يجعل النص القرآني منفتحاً على ما لا نهاية، لأنه يخوض في غيبيات ما بعد الموت . يمكن تلخيص أحكام القرآن الكريم في فكرة مفادها أن من آمن وعمل صالحاً في الدنيا (الحياة) فجزاؤه (الجنة بعد الموت)، ومن أشرك وعمل منكراً فعقابه النار؛ لكن الله تعالى فصل القرآن الكريم تفصيلاً محكماً، أعجز من خلاله جهابذة الكلام من العرب عن أن يأتوا بمثله أو بأحسن منه، كما أعجز جمهور المفسرين عن الإمساك بمعاني آياته، رغم أنه جاء غاية في البيان.
ونتساءل في هذا المقام هل يمكننا النظر إلى نصوصنا الأدبية وفق هذه النظرة؟ وعندما أقول نصوصنا، أعني بها نصوص الحضارة العربية الإسلامية، فهي في نظرنا نصوص متناسلة من النص القرآني، باعتبار أن الحضارة العربية الإسلامية هي حضارة النص ، بحسب تعبير نصر حامد أبو زيد. وبالتالي فالنصوص المنتجة هي نصوص واقعة تحت طائلة النص القرآني، تتأثر به وتغترف منه بطريقة تناصية ، و التناص قد يكون مباشراً، وهذا بالاغتراف مباشرة من آياته، وقد يكون غير مباشر، أي نتيجة استعمال لغة القرآن الكريم أي اللغة العربية.
فالنظر إلى النصوص كفاصل بين الولادة والموت ، أي وفق الثنايات التناظرية، المتحكمة في كل البنى، وتعد مستواها العميق ـ حسب غريماس ـ لن تلزم نصوص الحضارة الإسلامية، للاعتبارات التي ذكرناها، وكذلك البون الشاسع بين الحضارة الغربية المادية، والحضارة الإسلامية الروحية .
الغاية من طرح الفكرة السابقة هي الوصول إلى إشكالية تفسير النص القرآني والنصوص الأخرى. فالملاحظ أن النص القرآني تعددت تفاسيره ابتداء من العصور الأولى لنزوله كتفسير ابن عباس الذي عاصر نزول النص، وانتهاء إلى تفسير المحدثين كابن باديس في العصر الحديث، وطبعاً هناك دائماً اختلاف في التفاسير، وإلا فما جدوى تعددها؟. وقد ذكر الدكتور نصر حامد أبو زيد في كتابه: «إشكاليات القراءة وآليات التأويل» نوعين من التفاسير، الأول هو: «التفسير بالمأثور، والثاني التفسير بالرأي أو التأويل. النوع الأول يهدف إلى الوصول إلى معنى النص عن طريق تجميع الأدلة التاريخية واللغوية التي تساعد على فهم النص فهماً موضوعياً (..) أما التفسير بالرأي أو التأويل فقد نظر إليه على أساس أنه تفسير غير موضوعي» (16).
وقد عرف التأويل عند الفلاسفة والمتصوفة، وبعض الفِرق الدينية السياسية كالمعتزلة والشيعة ، ونسجّل هنا رأياً عن التأويل عند المتصوفة مفاده أن آية واحدة من القرآن الكريم قد تُفسَّر بأكثر من ستين ألف تفسير (17). وهذا ما يمنح النص القرآني مرونة ودلالة دينامية تتجدد في كل مرة بحسب سياق القراءة، دونما إلغاء للدلالة السابقة عليها بل بالبناء عليها، ولعل هذا ما يطبع النص الإلهي بطابع الصلاحية لكل زمان ومكان.

الصفحات