كتاب " البلاغة وتحليل الخطاب "، يتمحور موضوع الكتاب حول إشكالية النسق السيميائي للخطاب الاستعاري، وهو خطاب يفترض فيه أنه منفتح على القراءة والتأويل، لأنه يمثّل خاصية أساسية في اللغة الطبيعية في جوانبها: التمثيلي، الدلالي، والتداولي.
قراءة كتاب البلاغة وتحليل الخطاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
البلاغة وتحليل الخطاب
1.1 ـ الاستعارة في البحث البلاغي
البحث في الخطاب الاستعاري هو جزء من البحث في الخطاب البلاغي، إن لم يكن بحثاً في كل الخطاب البلاغي، نظراً للمكانة التي تحتلها الاستعارة بين باقي الصور البلاغية الأخرى (Les tropes) : «عودة البلاغة كأولوية لكل مهتم يظهر شغفاً حقيقياً باللغة، والاستعارة ملكة الصورة بإمكانها أن تصبح ذائعة الصيت في الندواتوالصالونات الأدبية» (6).
«إن تنصيب الاستعارة على رأس الصور البلاغية ليس اعتباطياً، ولكن له ما يبرره تاريخياً وعلمياً، فتاريخياً نلاحظ أن أرسطو في البلاغة الغربية، يعطي الأهمية نفسها للاستعارة، فهو القائل: «إن أعظم شيء هو القدرة على صياغة الاستعارة (...) إن صياغة استعارات جديدة يعني القدرة على رؤية التشابهات» (7).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مفهوم الاستعارة عند أرسطو مفهوم عام، ويشتمل على صور بلاغية عديدة، لأنه يربطها بمفهوم التخييل أو/و المحاكاة : «التي هي طبيعية فطرية في الإنسان، ولها يرجع الفضل في إخراج الخطاب من عالم المألوف إلى عالم غير المألوف. وهذا التخييل جوهري في الأقاويل الشعرية، ومهم في الأقاويل الخطابية» (8).
هذا الرأي يخدم البحث في جزء منه، ولا يخدمه في جزء آخر. فأما الجزء الذي يخدمنا فهو في إقراره بالعلاقة بين الاستعارة والتخييل، وجعلها على رأس الصور البيانية الأخرى، لأن الغاية من الحديث عن الخطاب الاستعاري لا تعني النظر في الاستعارة كصورة بيانية مفردة، بعيداً عن سياقها وموقعها داخل نص منظومة، ترتبط فيه بما قبلها وما بعدها في الكلام، سواء كان الخطاب تقريرياً تحقيقياً، أو إيحائياً تخييلياً، فالغرض إذن ليس الاستعارة في ذاتها، لأن مبحث الاستعارة قديم سواء في علوم البلاغة، أو في الأسلوبية والتفكيكية والتداولية والتأويلية.. وغيرها من المناهج التحليلية، التي تعد في جملتها انبعاثاً للبلاغة الجديدة، التي تنظر في النص والخطاب، قصد تحليلهما ومحاولة الإجابة عن إشكالية المعنى أو الدلالة، التي عدت مأزق الدراسات اللغوية ودراسات علم الدلالة والسيميائية، لأن المعنى غير قابل للقياس أو التحديد.
أما الجزء الذي لا يخدم البحث ـ من كلام أرسطو ـ فهو ربطه التخييل بالأقاويل الشعرية حيث يعد ـ جوهرياً، ويكون مكثفاً لأنه يبني جمالية الشعر، ويظهر بدرجة أقل في الخطابة حيث يؤدي دوراً في الإقناع.
الملاحظ أن أرسطو قد حصر الاستعارة في جنسين أدبيين هما الشعر والخطابة، لذلك وجدناه يتحدث عنها في كتابيه «فن الشعر» (بويطيقا) و«فن الخطابة» (ريطوريقا) دون أن يوليها اهتماماً في مؤلفاته الأخرى.
الرأي الذي يقصر الاستعارة على جنسين أدبيين رفضته وفندته أغلب النظريات الحديثة التي درست الاستعارة: «ويلاحظ أن البلاغيين الجدد قد أولوا عناية فائقة للاستعارة باعتبارها الشكل البلاغي الأم الذي تتفرع عنه وتُقاس عليه بقية الأشكال، حتى أطلق بعضهم على الاتجاه البنيوي في التحليل البلاغي في الخطاب اسم البلاغة المقتصرة لتركيزها واقتصارها على الاستعارة باعتبارها بؤرة المجاز» (9). والاستعارة لن تقتصر على جنس أدبي دون آخر، بل هي ـ أكثر من هذا ـ حاضرة في كل الخطابات: «بل وفي الحياة اليومية التي تغلفها الاستعارة، مما يجعلنا لا نقصرها على الخطاب الأدبي دون غيره. إنما نجعلها تمتد إلى الخطاب الرمزي (السيميائي) عموماً، حيث الفكر استعارة، والحلم استعارة، واللعب استعارة... إلخ الإنسان موجود في الاستعارة وبالاستعارة يوجد الإنسان» (10)، وهذا ما ذهب إليه دومار سيس الذي يرى «بأن الشيء المشترك بين جميع اللغات هو التصوير الذي يعد سمة طبيعية وعادية جداً في لغة الناس، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الكلام أو وضع خطاب خال من الصور (...) والاستعارة هي آلية لغوية جد طبيعية، نستعملها دونما وعي منا، بطريقة آلية مع جهد بسيط، وهي تسمح لنا بفهم أنفسنا وفهم العالم الذي نعيش فيه، وهذا بسيط جداً مقارنة بقوالب التفكير الأخرى (11).