أنت هنا

قراءة كتاب لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف - الجزء الثالث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف - الجزء الثالث

لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف - الجزء الثالث

هذا الكتاب "لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف - الجزء الثالث"، مثل هذه الإرهاصات وغيرها، دفعتني للغوص بعمق في التاريخ، علّي أجد لها إجابات، أو مؤشرات قد نعتبر منها.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

الجمهورية الأولى - خيار الانفصال

كما ورد في الجزء السابق (الثاني)، فقد تبوأ الرئيس بشارة الخوري مهام منصبه في 21/9/1943، واختار الرئيس رياض الصلح لتأليف الوزارة الأولى، التي ضمت إلى جانب الرئيس، خمسة وزراء يمثلون الطوائف الرئيسية. وعليه يكون الكيان اللبناني قد دخل في مرحلة الجمهورية الأولى، ولكن تحت الاحتلال الفرنسي!
ولإعادة التذكير، فإن بنية الكيان اللبناني شيدت منذ البداية على صيغة طوائفية، كانت مارونية - درزية خلال الاحتلال العثماني، لتتحول مع الاحتلال الفرنسي إلى تجمع تهيمن عليه الزعامة الطائفية المارونية المرعية فرنسياً، لتأخذ بالتحول تدريجاً إلى تفرد سياسي ماروني - فرنسي لمرحلة معينة، قوبلت برد قاس من فريق قبل على مضض الالتحاق بالكيان اللبناني، ولكن على قاعدة شراكة مصلحية، وعليه خرجت إلى العلن ثنائية جديدة، هذه المرة كان طرفها الآخر، إلى جانب المارونية السياسية، السنية السياسية، وكان على بقية المكونات الطوائفية السياسية أن تلتحق بهذه التركيبة لنيل حصتها في النظام الجديد((1)).
ولضرورة المساكنة، كان لا بدّ من «كلمة شرف» تنتظم خلالها العلاقة بين الطرفين الجديدين في السلطة، فكان «الميثاق الوطني» الذي سيحكم لبنان طوال مراحل القلق القادمة على البلد!
يقول كمال الصليبي: «إن بشارة الخوري وعى أهمية الوجود الإسلامي في لبنان وما يفرضه هذا الوجود من ضرورة التسوية. وبالرغم من أن الخوري لم يكن قومياً عربياً، فإنه لم ير من الحكمة أن يندد بالقومية العربية. بل حاول جهده للوصول معها إلى اتفاق. وكان في وجهة نظره هذه يعكس تفكير ميشال شيحا وغيره من كبار رجال الأعمال المسيحيين في بيروت الذين رأوا في البلاد العربية المجال الطبيعي لنشاطهم الاقتصادي، فأصروا على ضرورة توثيق الصلات معها، مع الإبقاء على تحفظهم تجاه فكرة الوحدة العربية»((2)). ومما لاشك فيه أن موقف هذا التيار التوفيقي، الذي كان امتداداً للتيار الديمقراطي بين المسيحيين الذي دعا إلى القومية اللبنانية ومحاربة ضم لبنان إلى سورية، كان أكثر واقعية وتقدماً»((3)).
وعليه نرى أن صيغة الميثاق لم تكن وليدة أحداث خارقة حدثت عام 1943 منعزلة عما سبقها من أحداث وتطورات، إنما كانت نتيجة تفاعل عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وطائفية منذ ولادة لبنان الكبير عام 1920 بقرار فرنسي، ولأسباب فرنسية، ليس أقلها أن يشكل لبنان منفذاً لمصالح فرنسا إلى الأسواق العربية، «بعد أن تبين أن كيان المتصرفية لا يتلاءم مع طموح تلك المصالح. وترافقت تلك المشيئة الفرنسية مع طموحات البرجوازية اللبنانية المسيحية التي استقرت في بيروت بعد أحداث 1860 لتشكل الوسيط التجاري لحساب المصالح الأوروبية. هذه البرجوازية المحلية وجدت بدورها في المناطق الملحقة بلبنان الصغير (المتصرفية) مجالها الحيوي ومنافذ للداخل العربي. ومن هنا كان وعيها لخطورة مشروع لبنان الصغير بعد أن كادت تختنق ضمن شرنقته»((4)).
وإذا كان الجبل قد اندمج اقتصادياً في السوق الرأسمالية العالمية منذ عهد المتصرفية، فقد تميزت المناطق الملحقة به باشتغال قسم من أهاليها بالتجارة إلى الداخل العربي. في حين كان القسم الآخر يمتهن الحرف أو يعمل في الزراعة. إلا أن تغلغل النظام الرأسمالي الغربي أدى إلى تدمير الحرف وقوّض الزراعة، وأصبحت بيروت المركز الأساسي للمبادلات التجارية بين أوروبا والأسواق العربية.
وبالمقابل شهدت المناطق الملحقة بالمتصرفية ممانعة عنيدة للانخراط في مشروع لبنان الكبير، في البداية، حيث «اتخذ المسلمون موقفاً سلبياً من الدولة التي تأسـست عام 1920 وقضت على أحلامهم بالوحدة مع سورية، كما أدى إلى حرمانهم من مناصب الدولة وتضاؤل حصتهم فيما بعد نفوذاً ووظائفاً واعتمادات، فضلاً عن اتجاه سلطة الانتداب إلى تعيين العناصر المناصرة لها والمؤيدة لسياستها ومصالحها في لبنان»((5)). ومن أجل ربط الأطراف بالعاصمة كان لا بد لسلطات الانتداب أن تستميل زعماءها من خلال الوظائف، ما ساعد على تركيز الكيان اللبناني، إضافة إلى «اجتذاب البرجوازية الإسلامية، والبيروتية السنية تحديداً، على الدخول في دور الوساطة بين السوق الرأسمالية العالمية وبين السوق العربية. وهكذا تعرفت البرجوازية الإسلامية على مصالحها من خلال الكيان الجديد وتخلت عن وحدويتها. في حين كانت البرجوازية السورية هي الأخرى تتهافت على الحكم وتتصرف على ضوء مصالحها ضمن الكيان السوري. من هنا توقفت الكتلة الوطنية السورية منذ عام 1936 (عام المعاهدة مع فرنسا) عن مطالبتها بضم مدن الساحل والأقضية الأربعة، مما أوجد تعاوناً وثيقاً بينها وبين الزعامات اللبنانية كبشارة الخوري المدعوم من البرجوازية اللبنانية التي كانت تجد مصلحتها في التخلص من الاحتكارات الفرنسية»((6)).‏
وفي هذا المجال لا بد من التذكير بانقلاب موقف آل كرامي من معاداة الانفصال عن سورية، إلى تأييد إقامة لبنان، بل الترشح لرئاسته الأولى، تماماً كما فعل آل الجسر، تلك «العائلة الطرابلسية الكبيرة المشهورة بعلمائها وبولائها الشديد للبطريركية المارونية التي كانت تعتبرها من أقرب المقربين إليها. لهذا لم يعترض أحد على أن يترشح الشيخ محمد الجسر لرئاسة أعلى هيئة في الدولة اللبنانية قبل حصولها على الاستقلال، أي في فترة الانتداب الفرنسي»((7))!

الصفحات