كتاب " خطفني الديك " ، تأليف أمل حويجة ، والذي صدر عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب خطفني الديك
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
لم أجد إجابة ًسريعة، لكنني قلت لها «وهل نحن الآن بجوار الشمس وهي تـُشرق»؟!..
فضحكتْ، لأن الشمسَ كانت تتوسط ُالسماءَ، وكانت الحرارة ُمرتفعة ً، لكنها استدركت وقالت:
«نعم، ففي الصباح الباكر أراها قريبة ًجداً من نافذتي وعندما تغرب أراها بعيدة».
معها حق, وأنا أرى الشروق قريباً دائماً, لم؟!..
ثم انهالت الأسئلة:
«ترى، عندما نصل إلى بلادهم، ونستيقظ في غـُرَفـِهم، هل ستكون الشمسُ بعيدةً عند شروقها؟!.. وقريبة ًعند غروبها؟!.. على عكس ما لدينا تماماً»!..
«وهل شمسهم مثلُ شمسنا حمراءُ قانية»؟!..
«وهل تشرق مرة ًواحدة كما يحدث عندنا، أم أنها تشرق أكثرَ من مرة في اليوم الواحد»؟!..
«وهل ينامون بعد الغروب أم بعد الشروق في بلادهم!.. وهل الغروب عندهم هو بيت الشمس أم الشروقُ بيتـُها»؟!..
كان من المفروض أن أجدَ إجاباتٍ لكل أسئلتها، ولكنني ضقت ذرعاً، وأجبتها بعصبية إلى حد الصراخ :
«الغروب والشروق يحدثان في كل مكانٍ على كوكب الأرض!.. وفي كل مكان أيضا هناك غرب وشرق!.. وهذه الشمس, نفسُها نجدها في كل بلدان العالم وعندما تـَغرُب عندَهم تـُشرقُ عندنا»!..
وقفتْ حائرة ًغيرَ فاهمةٍ، وارتجف ذقنها غضباً مني ,شعرتُ بالخجل والضعف أمامَ عينيها ووجنتيها المحمرتين ,ليس من عادتي أن أغضبَ هكذا ولكن عجزي عن تحديد هدية "شهد" ربما كان السبب!..
اتصلت صديقتي «رشا» وقالت لي «لـِمَ لا تأخذ ينُ معك صورَ خسوف نجمةِ الزهرة مع القمر التي صوَّرْتَها في الأمس»!.. وحذرتـْني من إقفال حقيبتي قبل أن ترى بنفسها ما وضعتُ, رشا ليست صديقتي فحسب بل إنها رفيقتي اليومية وتعرف كم أحب الفلك والنجوم البعيدة وكم أخترع حكايات عنهما,وتعرف أيضا كم أنا بشوق للقاء شهد, صديق الطفولة, سمعت مني كل تساؤلاتي, ترى كيف أصبح الآن ؟!.. هل نبتت له الشوارب, هل أصبح شابا, أم أنه لايزال كحجوم الصغار, وكنت مرتبكة من لحظة لقائِنا, لأنه سيلاحظ فورا كل التغيرات التي طرأت على جسدي, فالكل يقول لي «أصبحت صبية» سألتها:
«رشا، لماذا تـُسمى بلادُهم الغربَ ونحن الشرقَ»؟!..
كنت خجلى وأنا أسألها، لكنها صمتت، ثم أجابت بارتباك:
ـ لا أعرف، لم نأخذها في المدرسة بعد.
بمجرد إغلاقي الهاتف عاد يرنُّ من جديد كان ابن عمتي «ينال» قال لي:
ـ سأرسل معك حبوب القمح لنـُطعمي الحمامَ في ساحاتهم، فالحمامُ هناك يحبُّ أن يأكل من أكفِّ الناسِ مباشرة...
وقبل أن يقفل سألته:
ـ ينال, عندما زُرتـَهم العامَ الفائت، هل كان الغروبُ أقربَ إليك من الشروق؟!.. فكر قليلا وعندما لم يجد إجابة ضحك وودعني.
فكـَّرت أن أشتريَ لشهد «بوصلة» فالبوصلة تحددُ لنا دائماً أين نحن من الجهات، وهكذا سيعرف أين أنا بالنسبة إليه بمجرد تحديد جهة الشرق, ضحكت للفكرة وخشيت منها أن تكشف اضطرابا في داخلي لا أعرف معناه لكنه جميل ومدهش!..
ـ الشرق!... رااااائع وجدتـُها... أغاني وموسيقا... سأهديه بعض ما أحب من الموسيقى الشرقية!.. لا شك أنه سيفرح بسماعها .
ساعةً واحدةً كانت كافية لتمتلئ حقيبتي بأصواتٍ وألحانٍ شرقيةٍ رائعةٍ, ولا أعرف لـِمَ كان قلبي مضطرباً كلَّ هذا الاضطرابِ، وكأنني لأول مرة أكتشف أنني من الشرق وأنني أحببت هذا.
قبل السفر ,سمعتُ من الأصدقاء والمودعين, أسماء لم أسمع بها من قبل عن تلك البلاد التي سنقضي فيها إجازتـَنا!..
استعصى النومُ وتأجَّلَ حتى حملـَتـْنا الطائرة ُليلاً، غفا الجميع على صوت هديرها وبقيتْ أجفاني تتراقص لتخيلاتٍ سمعت معها نبضَ قلبي ,ها أنذا مع شهد وعائلتي نقطن في جبل اسمه «الأولمب» يرافقنا فيلسوفٌ اسمه سقراط, نتدفأ على الجمر مع أشعار هوميروس وتهز أرجوحتـَنا «فينوس» إلهة الحب والجمال ويردد لنا شعب الإغريق أروعَ أساطيرهم على مسارحهم الحجريةِ الضخمة، وتحمـِلـُنا «أثينا» على أجنحةِ طيورها، وأختي تحكي حكاية الشمس التي تغيب هناك في الصباح الباكر!..
أطل الشروق في الفضاء الذي يحملنا وذابت العتمة في سحابات نيلية تشرق رويدا رويدا حتى غمرت بألوان سحرية,اختلط الأحمر بالبنفسجي بالأصفر ,لوحة ,لم أتخيل أنني سأراها يوما, وسحابات بيضاء صغيرة احمرت كوجنات الصغار, أيعقل أن يكون الشروق لديهم بهذا السحر!..
همستْ أختي:
ـ إنها تشرقُ, لا تغيب, وصباحُهم مثلُ صباحـِنا!.. ووجدت نفسي أضمـُّها وأضحك,هبطـَتْ طائرتـُنا في أثينا عاصمةِ الإغريق وفي استقبالنا, كانت وردة ٌحمراءُ «جورية» كورود بلادنا تنتظر, قفزتْ عيني من اليد التي تحملـُها إلى وجهِ صاحبها, شاب هادئ الملامح, إنها عيناه الودودة نفسها, لم تتغير, عـَرَفتـُه... إنه «شهد»!..
غمرني فرح كبير ومن نافذة السيارة التي كانت تـُقـِلـُّنا, كانت عينا أختي تراقب الشمسَ ووجدت نفسي أحدث «شهد» وكأنني تركته البارحة, قلت أشياء كثيرة وقدمت له صور الخسوف التي صورتها بنفسي، فنجمةِ الزهرة خـُسفتْ منذ أيام خلفَ القمر، وظهرتْ من الجانب الآخر ملتصقة ًبه، لتشكلَ مع هلالـِه خاتماً «بفص» ذهبي ناعم, وهنا شعرت بإصغاء الجميع لحكايتي, لا أعرف لم خجلت وسكت, لتبدأ أختي حكايتها عن أن الشروق في بلادنا هو بيت الشمس.
ـ 2007 ـ