كتاب " خطفني الديك " ، تأليف أمل حويجة ، والذي صدر عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب خطفني الديك
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وبسرية تامة وضعتها مع خستها في حقيبتي، علقت الحقيبة على ظهري وقررت الخروج قبل موعدي المعتاد. أوقفتني أمي:
ـ لمَ تخرجين باكراً اليوم؟!..
ـ أريد أن أتمشى على مهل لا رغبة لدي بالركض كعادتي يا أمي.
استغربتْ لكنها أُعجبت بهذا القرار المفاجئ. ودَّعتـُها مـُحاولةً تجاهلَ تقبيلها كي لا تشعر بالحرارة التي بدأت تلهب رأسي؟!.. نزلت درج المنزل على مهل، بينما السلحفاة تحاول تمسيد ظهري بلطف لكنها كانت تدغدغني, طلبتُ منها الهدوء، فالضحك يزيد ألمي , استندت إلى جذع شجرة الفلفل, مقابل دارنا وقلت للسلحفاة:
ـ هل تعرفين يا لولو؟!.. لأول مرة أجرب مقاومة المرض!.. الكبار يفعلون هذا كثيراً, وأنا اليوم بأمس الحاجة لأفعل مثلهم!.. تحركت السلحفاة بلطف, قلت لها :
ـ لولو, شكراً, شكراً لأنك رافقتني!..
وصلت الحافلة، صعدت، كانت أمي تراقبني من النافذة، لوَّحتُ لها, أخذت مقعدي وأغمضت عيني، نبضات رأسي كادت تقفز من جبهتي، سكنت واستسلمت لتنفسي الهادئ، إنني أجرب ما تطلبه أمي مني في حالات المرض والغضب:
«الهدوء. .. الهدوء التام»...
تحركت لولو في الحقيبة حركة ًقوية فعرفت أننا وصلنا، همست لها:
ـ لولو، لن أستسلم للمرض!...
دخلت قاعتي, تبادلنا التحية أنا والأنسة أميرة, إنها دائمة الابتسام, وابتسامتها تمدني بكثير من الشجاعة وضعت المحفظة بجواري، أسندت رأسي على طاولتي، الحرارة ترتفع أكثر، وصديقاتي شعرن بأني لست على مايرام, وربما بعض منافساتي اعتقدن أنني لست مهيأة جيدا للامتحان, حدثت نفسي:
ـ أنا قوية، رأسي توجعني لكنني سأكتب في الامتحان وسأبذل أقصى جهد عندي، أنا لست مريضة.. أنا بصحة جيدة!..
أغمضت عيني وبدأت أراجع معلوماتي, همست في أذني معلمتي إن كنتُ أعاني من شيء، رفعت رأسي، ابتسمت لابتسامتها لأطمئنها، لكنني لم أكن قادرة ًعلى الكلام و ربما هي الأخرى اعتقدت أنني خائفة ٌمن الامتحان.
استلمت ورقتي.. وسكنتْ «لولو» تماماً. قرأت السؤال الأول وكدت أقفز فوق الطاولة، سؤال سهل وأعرف إجابته, كتبت الإجابة بدقة، انتقلت إلى السؤال الثاني فالثالث فالرابع فالخامس, يا لها من أسئلة رائعة، نظرت إلى الآنسة أميرة نظرة تعرفها تماماً، تفهم منها أنني أعرف الإجابة فتبادلني النظرة بابتسامتها الرائعة, كتبت كلَّ إجاباتي على مهل وبهدوء, قلبي يرقص فرحاً وقلمي يكتب بخط جميل وواثق، لا بل إنه يضحك أيضاً.
راجعت كلَّ الإجابات، تأكدت أنني لم أفوِّت إجابة ًدون تدقيق، نهضت بحماس فزحفـَتْ حقيبتي خلفي، ضحكت رغماً عني وتعثرت، نظر الجميع إليَّ، دُهشت معلمتي، كتمت ضحكتي وخطفت محفظتي, سلمت ورقتي وقفزت إلى باحة المدرسة أصيح:
ـ سآخذ العلامة كلها.
ومع القفزة الثانية، ضربـَت ِالحرارة جبهتي، وأوقفني ضغط شديد في رأسي, آه... كنت قد نسيته, إنه الصداع الشرير, أسندتني السلحفاة من ظهري، ثم وصلت الأنسة أميرة إلي، وضعت كفها على جبهتي وشهقت:
ـ إنك ساخنة جدا, لم حضرت وأنت بهذه الحالة, أنت مريضة، اذهبي فوراً إلى المنزل واعتني بنفسك, وأنا سأتصل بأمك.
لم أكن قادرة على الرد, لكنني كنت راضية, ونشوة الانتصار على سخونتي كانت كبيرة, رافقتني حتى وصلت الحافلة, واتصلت بأمي وأخبرتها بمرضي وعودتي.
تساءلت: ترى كيف غاب عني الألم وقتَ الامتحان؟!.. ابتسمت شاكرة سلحفاتي، ونفسي، والصداعَ الذي نسيـَني في تلك الساعة!..
وفي المنزل كانت أمي تحيطني بعنايتها, و «لولو» المطمئنة، انشغلت بخيط الحقيبة المعقود حول خستها، وأنا, بين الصحو والإغفاءة كنت البطلة التي خرجت منتصرة من معركة قاسية, والأنسة أميرة تخطب في طالبات المدرسة جميعا وتعلن بابتسامتها الرائعة أنني, الأولى, وغفوت بعد هذا كله... بعمق.
ـ 2007 ـ