أنت هنا

قراءة كتاب عبد الرحمن البزاز فكره السياسي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عبد الرحمن البزاز فكره السياسي

عبد الرحمن البزاز فكره السياسي

عرف تاريخ العراق السياسي المعاصر الكثير من الشخصيات الوطنية التي كان لها دوراً بارزاً في أحداثه، وقد نال بعضهم العناية والدراسة الكافية أما البعض الأخر فلم ينل هذه العناية وذلك لأسباب مقصودة أو غير مقصودة ومن بين تلك الشخصيات عبد الرحمن البزّاز.

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
الصفحة رقم: 1

تقديم

أجبرتنا الحقيقة ذاتها أن نردد دائماً القول القائل بأن التاريخ لا يدوّنْ نفسه، وأن الذين يسجلونه هم أنفسهم الذين يفرضون عليه – غالباً- ما يشأؤون. فلم توجد الحقيقة كي تبقى حبيسة. فلربما تختفي وراء ظلها ردحاً من الزمان، ولكنها بالنتيجة، ستظهر رغم ما يصيبها من تجاهل ونكران. وها نحن الآن أمام حقيقة تاريخية تكشف الوجه الحقيقي الذي أهمله التاريخ، لنلقي الضوء عليها ونضعها ناصعة أمام الناظرين إلى الحقيقة، والساعين إلى كشفها ومعرفتها.

والحديث هنا عن المفكر الكبير، والعربي الأصيل، والمواطن المخلص، والمسلم الملتزم، والقاضي الرصين، والسياسي المتين، والكفوء الموهوب عبد الرحمن البزّاز. هذه الشخصية التي ساهمت، وبشكل فاعل، في صياغة الفكر القومي العربي، والتي أنجزت خلال إحدى عشر شهراً من تولي مسؤولية قيادة العراق، ما لم ينجزه الأخرين في عقود، بل لم يقتربوا، ولو قليلاً، من تلك الإنجازات التاريخية. هذه العقلية المتحضرة والشخصية المتكاملة التي طواها النسيان لفترة من الزمان، حاولت النفوس الضعيفة النيل منها. لكن الحقيقة ظهرت، بعد أن اختفت وراء ظلها ردحاً طويلاً من الزمن، وبدأ الشعب يسعى للبحث عن الحقيقة منطلقاً من الوفاء الذي يحمله لهذا الإنسان العظيم، المخلص لوطنه وشعبه أشد الإخلاص وبأصدق النوايا، الطامح لبناء وطنه على أحسن حال، والناشد لشعبه الرفعة والتقدم، والساعي إلى رضاء ربه على أتم وجهه. منطلقاً من المقولة القائلة؛ بأن الشعب الذي لا يعرف الوفاء، شعب لا يعرف التقدم.

ولكي يكون الحديث شيقاً وقاصداً ومؤثراً، فقد آثرت في هذه الكلمات القليلة التي أقدّم بها لجهد وفيّ وكبير سعت إليه طالبة علم في مقتبل حياتها الأكاديمية، للحصول على الشهادة العليا، فكانت حقاً حاملة لرسالة العلم والوفاء في آن معاً، مقترناً ذلك باسمها وفاء محمد رزّاق. وأن تبدأ في اختيارها لمسيرتها العلمية المستقبلية بالبحث في هذه الشخصية القومية المنبع، الوطنية المسعى، والدولية السمعة. وكانت حقاً موفقة في شرحها لجزءٍ من مواصفات ذلك الرجل، وهو الجانب الفكري السياسي للبزّاز. وما أعمقها فكراً وأخلصها نيّة وأكثرها وضوحاً. ولكي لا تتكرر الأقوال والأفكار، فقد آثرنا أن نذكر بعض المقتطفات فيه من مختلف الأجناس والأطياف والانتماءات والألسنة، ومن أقوالهم النجيبة، لتكون مقدمة حيادية، سَلِسةً، قاصدة، ومكملة لما جاء في هذا الكتاب الذي نتقدم إلى كاتبته بالامتنان والعرفان وفاءً لوفاءها وأدائها وحرصها على كشف الحقيقة التي حاول الحاقدون طمسها، والمرجفون إخفاءها، وتدافع الفاشلون لتزويرها نذكر جزءاً يسيراً مما قيل فيه، اعترافاً واحتراماً وإعجاباً وندماً:

· لم تكن السلطة هدفاً بالنسبة له ولا المال؛ وهنا يقول البزّاز، «إن علة ذلك باختصار، الشعور بالتبعة، والحرص الشديد على الحق والحرية، ومرجع هذه التبعة اعتقادي بأن الجيل الذي إنا واحد من بنيّه مطالب لتقويم الاعوجاج، أنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنه من فروض الكفاية التي إذا تركها الكل وجب العذاب على الجميع. وكنت أحسن أن جيلي- على العموم- قد شغلته متطلبات الحياة المادية، وألهته ضرورات الحياة ومتاعبها عن كل ما سوى ذلك؟. فركن في غالبيته العظمى إلى العافية وآثر الهدوء، واكتفى على أفضل الأحوال بالقول المأثور – اللهم هذا منكر لا أرضى به، ولا أقدر عليه-.. وهذا الموقف السلبي لا يمكن أن تتحقق معه البيئة الصالحة التي تمهد لروح ثورية، صرت أزداد كل يوم يقيناً بأنه لا سبيل للإصلاح الجذري غير سبيلها، ولا بد إذن من تغذية هذه الروح الثورية بالتضحية، ولا بد من الاستعداد لقبولها.

· كان شديد الحرص على الحق والحرية. فبالنسبة له، فإن الحق الذي هو رائد القاضي الأول- وهو القاضي-، والحرية هي مطلب المعلم الأساسي- وهو الأستاذ والمعلم- فقد لازمته روح القاضي والمعلم طوال حياته أثناء الدرس وميدان القضاء. يقول البزّاز؛ فحين تتعرض الحرية لخطر أساسي أشعر أنني مطالب بأن أقوم بقسطي بغض النظر عن النتائج المتوقعة، ولقد كنت في حماسي للحق وحرصي على الحرية أردد قول الشاعر العربي أبو ماضي:

إني لأغضب للكريم ينوشه
من دونه وألوم من لم يغضب

· أنه رجل قانون من الطراز الرفيع والنوعية النادرة، ومفكر وصاحب رؤى ثاقبة. ولم يَرقْ هذا السلوك أو يقبل لبعض الحاسدين، لكي يأخذ صداه في الساحة السياسية العراقية والعربية التي سيطر عليها العسكر وتوجهاته الفئوية الضيقة. واليقين الذي لا شائبة حوله هو أنه لو اختار السلوك والمنحى الذي ألفته الساحة السياسية العراقية ورموزها لكان قد أمسك بزمام السلطة وهو الخبير بها والعارف لمسالكها والمدرك لكيفية قيادتها. بيد أنه وجد أن السياسة لا يمكن إلا أن تكون في خدمة الناس.

· كان مؤمناً إيماناً قاطعاً بالديمقراطية والحياة النيابية والممارسة البرلمانية الدستورية، ومبدأ الفصل بين السلطات. وهذا واضح وجلي في الفكر والنظرية السياسية والقانونية التي بناها وسار عليها. ولكن زحف العسكر على السلطة وتحزبهم الأعمى لها، منع البزّاز من الاستمرار على رأس السلطة المدنية المتحضرة. وأن زحف الريف على المدينة وتفويض سلطانها وانحسار دورها، وتمسك العسكر بها، أفرز ميكانيكية بالغة السوء جعلت العنف السمة الغالبة في الحياة السياسية وحرمت العقل المدني المتنور من المساهمة في بناء المجتمع الحضاري المتقدم.

· المقال الذي نشرته جريدة التايمز اللندنية في اليوم الذي تولى فيه الشهيد المرحوم البزّاز مسؤولية رئاسة الوزراء، أشار بوضوح إلى أن العراق قد كوفئ بعد سنوات عجاف وطويلة برجل يعلم ما هي الدولة ويعلم مسؤولية الحكومة تجاه الشعب، ويعلم مسؤولية الدولة تجاه إقليمها القريب والبعيد والعالم كله. وأشير بإعجابي ودهشتي بالتقدير الذي يكنه خصوم البزّاز لشخصه وكأنهم يضعون أصابعهم على عناصر القوة التي يتمتع بها هذا الرجل العظيم.

· قال أحدهم، وددت أن أذكر بعض الأمور عن المرحوم البزّاز. نحن نعتبر البزّاز من أعظم رجالات القرن العشرين في العراق. وهذا رأيي. فهو رجل ولا كل الرجال، فتى ولا كمالك، عالم ولا يدعي العلم، ومثالي في مبادئه ولا يدعي ذلك، ويقوم بأعمال ولا يدعي بها.

· أبدع في طرح مفهوم العدالة وبشكل لا يقل بهاءً عما إعتدنا مطالعته في حلقات الفكر السياسي قديمه وحديثه. إن مجتمع العدالة الذي طمح البزّاز إلى تحقيقه لم يكن ينسجم مع واقع التسلط والفئوية والشللية والقبلية وإحلالها محل سلطة القانون وعدالته التي حاول أن يجد لها محلاً وسط هذا الركام من الأفكار والقيم والتقاليد البالية.

الصفحات