أنت هنا

قراءة كتاب عبد الرحمن البزاز فكره السياسي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عبد الرحمن البزاز فكره السياسي

عبد الرحمن البزاز فكره السياسي

عرف تاريخ العراق السياسي المعاصر الكثير من الشخصيات الوطنية التي كان لها دوراً بارزاً في أحداثه، وقد نال بعضهم العناية والدراسة الكافية أما البعض الأخر فلم ينل هذه العناية وذلك لأسباب مقصودة أو غير مقصودة ومن بين تلك الشخصيات عبد الرحمن البزّاز.

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
الصفحة رقم: 7

وعند حدوث انقلاب 17-30 تموز 1968م كان (البزّاز) في لندن للعلاج وأرسل برقية تهنئة لأحمد حسن البكر لاستلامه السلطة وبعد أن أكمل البزّاز العلاج قرر العودة على الرغم من تحذير ابن خاله نجم الدين الواعظ بعدم العودة إلا أن البزّاز أصر على العودة لأن قضايا عديدة ومهمة قد وكل بها كمحامي واستلم نصف مبالغها فعاد من أجلها([97]) وفي 14 كانون الأول 1968م أعلن عن وجود شبكة من التجسس الصهيوني في البصرة([98]) تنقل معلومات سرية الى إسرائيل وإيران والأكراد والرئيس اللبناني السابق كميل شمعون و شركة فورد للسيارات، ويضم التنظيم أربعة عشر عضواً تسعة منهم من اليهود وأتهم تاجر الأدوات المطبخية اليهودي (ناجي زلخة) بأنه مدبر شبكة التجسس([99])، وبعدها تم تشكيل محكمة الثورة وهي محكمة خاصة لم يسمح فيها بوجود أي محام للدفاع عن المتهمين وكان رئيسها و أعضاؤها غير مؤهلين قانونياً لمثل هذا العمل أبداً وقال رئيس المحكمة علي وتوت في السادس من شباط عام 1969: (من أول تحوطات إجراء المحكمة اشتراط عدم تعيين أي محام عضو في المحكمة وان للمحكمة نوعاً ما مشاورها القانوني الذي ينجز الأعمال القانونية لها وتتم استشارة المشاور عندما يراد اتخاذ قرارات قانونية([100]».
وفعلاً تم إعدام المتهمين في ساحة التحرير علناً أمام الجمهور، وفي وسط الخطابات الحماسية وكثير من ضجيج الاحتفال، فهناك تجمع آلاف المشاهدين لحضور الحدث ومن الأرياف المجاورة هبط الفلاحون المؤيدون للحزب والثورة كي يروا ويستمتعوا ويشاركوا في رقصة الغرائز، فكانت أول محاكمة علنية في الخامس من كانون الثاني 1969م قد بثت على التلفزيون([101]).
أن لهذا الكم الكثير من التهم والإعدامات الذي بدأ منذ إعلان الدستور المؤقت 1964 دليلاً على شدة خوف النظام وضعفه وقلقه وعدم مناعته بسبب عدم قدرته على كسب التأييد له([102]).
أن الأساس لهذا السلوك كان يكمن في مكان آخر ذاك أن طبيعة السلطة وضعفها أكثر ما يفسر في أخر المطاف هذا الهوس بالمؤمرات المصنوعة والمتخيلة وهما ما يجعلان الحركات والسكنات والإيماءات دلالات مبالغاً فيها الى حد الوسوسة([103])، فالبعث لم يكن أعضاؤه يتجاوزن المئات القليلة حيث حكم العراق لم يملك من الثقة بالنفس ما يتيح له ممارسة الحكم بأعصاب مسترخية ثم أن افتقاره الى أي مبرر للوجود في السلطة ما عدا الإمساك بالسلطة نفسها يحيل علة وجود مادة تشكيك متواصل([104]).
لقـد ابتـدأ النظام بما كان سيصبح سياسة روتينية مألوفة للجميع الا وهي شن حملات إرهابيـة، فقمع البعث في هـذه المرحلة وبدون تمييز اليمين واليسار ثم اعتقال الشيوعيون والقوميون والبعثيين المؤيدين لسوريـا وزراء وضباط سابقين وكبار موظفين([*]) وأسيئت معاملتهم في السجن لحد أن مات قسم منهـم فـي السجـن او بعد خروجهم بوقت قصير بينما تم إعدام الآخرين علناً بسبب اشتراكهـم المزعـوم فـي محاولات لقلب النظام او لجرائم افترض انهم ارتكبوها في الماضي([105]) ومن بيـن هـذه الشخصيات عبد الرحمن البزّاز الذي القى القبض عليه في تشرين الأول عام 1969م ولفقت اليه تهمة العمالة لإسرائيل وتعرض في المعتقل الى أشد أنواع التعذيب النفسي والجسدي([106]).
وفي الحقيقة كان الاتهام بالعمالة الصهيونية من الصنف السهل والمربح فاكتشاف مؤامرة تجسس بعد هزيمة 1967م كفيل بأن يعطي انقلاب 1968 معنى قومياً لأنه يفتقر الى هذه الحماسة اللفظية للقضايا العربية واخصها القضية الفلسطينية التي كانت تلح على تقديم براهين عملية([107]).
كما ان الحملات المتكررة ضد "الجواسيس" المزعومين لم تدع ادنى مجال للشك بأن الجميع قد اصبح تحت الرقابة الدقيقة، ولا يسمح بوجود أي شخص يمثل أدنى خطورة على حزب البعث، فمنحت تلك الحملات البعث حرية واسعة في اختيار وتحديد أعدائه من بين أفراد الشعب([108]).
لقد انتهت حياة (البزّاز) باعتباره ابرز مثقف قومي في سجن السلطة البعثية بعد أن حكمت عليه بالسجن لمدة خمسة عشر([109]) عاماً كما حكمت بالسجن على خليل كنه (وزير المعارف سابقاً في العهد الملكي)، وعبد العزيز العقيلي، باعتبارهم أعضاء منظمة سرية مع البزّاز هدفها إسقاط الحكم البعثي وتأسيس حكومة جديدة برئاسة البزّاز وعضوية العقيلي وكنة وممثلين للعرب والأكراد([110])، ولم يحكم عليهم بالإعدام لأن النظام اعتبر أعمالهم سياسية وليست إجرامية([111]).
ولقد حاول الرئيس الفلسطيني الراحل (ياسر عرفات) و الزعيم اللبناني (كمال جنبلاط) والرئيس الليبي (معمر القذافي) في التوسط للأفراج عن البزّاز وعلى الرغم من وعود الرئيس أحمد حسن البكر للقذافي لكن دون جدوى وكذلك توسطت بعض الشخصيات العراقية منهم وزير التربية أحمد عبد الستار الجواري، ود. عزت مصطفى وزير الصحة([112]) وبعد صراع طويل من المرض والتعذيب في السجن وما لاقاه من قلع الأظافر وصدمات كهربائية أدت الى تخثر الدم في الدماغ وبالتالي أصيب بالشلل فأفرج عنه بعد سنة وسافر الى لندن للعلاج وتحمل القذافي تكاليف العلاج الأخيرة إلا أنها دون جدوى فأعيد الى بغداد حتى توفى في 28 حزيران 1973([113]) وبهذا تعتبر تصفية المفكر القومي البزّاز من قبل سلطة البعث قد جاءت ضمن برنامج واسع لإنهاء ما يمكن أن يشكل أساساً لتعاون قومي وديني أو عربي إسلامي فاعتقدت السلطة أن أفكار البزّاز تساهم في إيجاد نوع من تحالف بين هذه الأطراف وقد يكون البزّاز مرشحاً للعب دور قيادي بحكم نظريته التوفيقية القائلة (بعدم تعارض الإسلام مع القومية العربية) والى ضرورة ان يتسلح القوميون العرب بروح الإسلام ومثله([114]).
ومن جانب أخر تنسجم تصفية (البزّاز) مع رغبة ميشيل عفلق في رؤية التيار القومي العربي بلا إسلام، وفي الحقيقة إن عودة البعث الى الاتجاه العلماني جاءت نتيجة الصراع الذي دار بين البعث والمفكر القومي العلماني ساطع الحصري بعد نشر كتابه (الإقليمية جذورها وبذورها عام 1963) حيث ندد بحزب البعث واعتبرهم إقليميين معادين للوحدة العربية لكن موقف البعث تغير في السنوات الأخيرة بعد أن قرروا العودة الى الحصري وأفكاره العلمانية([115]).

الصفحات