كتاب " موانع المسؤولية الجنائية في الشريعة والقانون " ، تأليف د. حامد جاسم الفهداوي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، وما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب موانع المسؤولية الجنائية في الشريعة والقانون
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
موانع المسؤولية الجنائية في الشريعة والقانون
رابعاً : شريعة حمورابي .
هذه الشريعة تنسب إلى الملك البابلي حمورابي ، وهو سادس ملوك سلالة بابل الأولى ، حكم ما بين سنة ( 1792 – 1750 ق.م ) ، كتبت الشريعة بالخط المسماري ، وباللغة البابلية على مسلة كبيرة .
تحتوي المسلة على أكثر من ( 282 ) مادة ، وإن قسماً من هذه المواد لم يتم معرفتها للتخريب الحاصل في المسلة ، وهذه المسلة صنعت من حجر الدايوريت الأسود ، طولها ( 225 سم ) وقطرها ( 60 سم ) ، وهي اسطوانية الشكل ، وتعد هذه الشريعة بحق أكمل وأنظم قانون مدون مكتشف في العالم حتى الآن ويبدو أن مواد الشريعة قد جمعها الملك حمورابي من القوانين السائدة في ذلك العصر ، ومن الشرائع التي سبقته ، وهو جمع منقح لهذه المواد القانونية بحيث أضاف إليها ما اقتضته ظروف ومصلحة الدولة آنذاك ، وحذف منها ما لا يتلاءم مع عصره وظروفه ([17]) .
وتمتاز هذه الشريعة بوجود تفاصيل أكثر حول الجرائم والعقوبات المقررة لها وهي عقوبات قاسية إذا ما قورنت مع الشرائع التي سبقتها ، فقد قرر عقوبة الإعدام لجرائم عديدة منها : عقوبة القتل والسرقة والاغتصاب والسحر والشهادة الكاذبة والإدعاء الكاذب في الجرائم المعاقب عليها بالإعدام ، كما أقر مبدأ القصاص بالمثل في جرائم القتل والجروح ، كما أقر العقوبات المالية لبعض الجرائم ، ومبدأ التعويض في جرائم أخرى ، لكنه جاء بمبدأ غريب لا يتصف بالعدالة عندما حمَّل الغير مسؤولية فعل لم يرتكبه ، كما في حالة البنّاء الذي يبني داراً لرجل آخر فينهدم هذا الدار ويقتل ابن صاحب الدار ، فجعل العقوبة أن يقتل ابن البنّاء وليس البنّاء نفسه ، فهذه العقوبة وإن كانت تصيب الفاعل بضرر نفسي إلا أنها تلحق عقوبة قاسية بحق شخص بريء ([18]) .
هذا ونصت شريعة حمورابي في عدة مواد على حالات من موانع المسؤولية الجنائية ، ومنها :
1 – حالة الإكراه :
جاء في المادة ( 103 ) ما يلي : (( إذا كان سائراً في ( طريق ) رحلته التجارية وسلبه عدو ( أي قاطع طريق ) ما كان يحمله ، فعلى البياع المتجول أن يقسم بالاله ( بخصوص ما حدث له ) وعندئذ يخلى سبيله )) ([19]) .
كما جاء في المادة ( 130 ) من الشريعة المذكورة ما يلي : (( إذا باغت رجل زوجة رجل آخر لم تكن قد تعرفت بعد على رجل ، وهي لا تزال تعيش في بيت أبيها واضطجع في حجرها وقبض عليه ( أثناء ذلك ) فإن هذا الرجل يقتل ، ويخلى سبيل تلك المرأة )) ([20]) .
وجاء في المادة ( 227 ) منه ما يلي : (( إذا أجبر ( أو خدع ) رجل حلاقاً وغيّر حلاقة عبد ( بحيث ) لا يمكن تمييزه ( بعد ذلك ) فعليهم أن يقتلوا ذلك الرجل ويعلقوه أمام بابه ، وعلى الحلاق أن يقسم بأنه لم يحلق عن علم ثم يخلى سبيله )) ([21]) .
2 – حالة الضرورة :
أما حالة الضرورة كونها مانعاً من موانع المسؤولية الجنائية أيضاً ، فجاء ذكرها في المواد الآتية :
ففي المادة ( 134 ) من شريعة حمورابي جاء : (( إذا أسر رجل ولم يكن في بيته الطعام ( الكافي ) ودخلت زوجته بيت رجل ثان فإن هذه المرأة لا ذنب لها )) ([22]) .
فهذه المادة ترفع المسؤولية الجنائية عن المرأة ؛ لأنها مضطرة لما فعلته لعدم وجود طعام في بيتها ، مما يعرضها ذلك للهلاك ، أما إذا كان لديها طعام كاف فلا يحق لها الخروج من بيتها وعليها المحافظة على عفتها ؛ لأنها إن خرجت من بيتها ولم تحافظ على عفتها فإن عقوبتها أن تلقى في الماء ، وهذا ما جاءت به المادة ( 133 – أ،ب ) من هذا القانون ([23]) .
3 – حالة صغر السن :
لم تذكر هذه الشريعة إعفاء صغير السن من عقوبة الجريمة التي يقترفها ، بل جعلته يتحمل المسؤولية الجنائية عن الفعل الذي يقترفه ، كما حملته مسؤولية الجريمة التي يرتكبها والده.
فجاء في المادة ( 116 ) ما يلي : (( إذا مات الكفيل في بيت محتجزه من الضرب أو سوء المعاملة فعلى صاحب الكفيل أن يثبت ذلك على تاجره ، فإن كان ( الكفيل ) ابن رجل فيجب أن يقتلوا ابنه )) ([24]) .
وجاء في المادة ( 192 ) ما يلي : (( إذا قال ابن تابع القصر ، أو ابن حريم القصر ( المتبني ) لأبيه الذي رباه أو أمه التي ربته : أنت لست والدي ، أو أنت لست والدتي ، عليهم أن يقطعوا لسانه )) ([25]) .
كما جاء في المادة ( 193 ) ما يلي : (( إذا وجد ( اكتشف ) ابن تابع القصر أو ابن حريم القصر (المتبني) بيت أبيه ( الأصلي ) وكره الوالد الذي رباه ( تبناه ) والأم التي ربته ( تبنته ) وذهب إلى بيت أبيه ( الأصلي ) فعليهم أن يقلعوا عينه )) ([26]) .
وجاء في المادة ( 195 ) ما يلي : (( إذا ضرب ابن أباه فعليهم أن يقطعوا يده )) ([27]) .
خامساً : المواد القانونية في العهد الآشوري الوسيط .
عُثِرَ على مجموعة كبيرة من الرقم المسمارية ضمت عدداً من الألواح التي دونت عليها مواد قانونية ، وقد بينت الدراسات أن هذه الألواح يعود تاريخها إلى الحقبة الواقعة بين سنة ( 1450 – 1250 ق.م ) تقريباً ، أي إلى حقبة العهد الآشوري الوسيط ([28]) .
ذكرت حالة الإكراه في عدة مواد من مواد هذه المجموعة القانونية وهي المواد : ( 12 ، 16 ، 23 ) ([29]) .
وسأورد ما جاء في المادة ( 12 ) من هذه المجموعة على سبيل المثال :
م 12 : (( إذا مرت زوجة رجل في شارع ( عمومي ) ومسكها رجل وقال لها : ( دعيني مضاجعتك ) ، فإذا رفضت ودافعت عن نفسها بغيرة وحماس غير أن الرجل أخذها بالقوة وضاجعها ، فإن شاهده يضاجع المرأة أو أن شاهداً أيد مشاهدته ( لهذا الرجل وهو ) يضاجع المرأة فعليهم أن يقتلوا هذا الرجل ، أما بالنسبة للمرأة فلا عقاب عليها )) ([30]) .