أنت هنا

قراءة كتاب المسرح في العراق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المسرح في العراق

المسرح في العراق

كتاب " المسرح في العراق " ، تأليف أديب القلية جي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ،ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3

(لطيف و خوشابا) مترجمة عن مسرحية Fanfin at Colas لمؤلفهاAlexanders Louis Betrand Robineau ”الكسندر لويس بتراند روبينوا “، وكان هذا الكاتب يكتب باسم مستعار هو ” مدام دي بنوار - او بوفوار، 1746 – 1823“، وسبب لجوء المؤلف إلى اسم مستعار هو معاداته للكنيسة وافكارها في كتاباته، وهو ما يتناقض تماما مع أفكار وانتماء المترجم نعوم السحّار الملتصق بكنيسة الآباء الدومنيكان وبالمسيحية وافكارها.

ترجم نعوم فتح الله السحّار هذه المسرحية واعد شخصياتها إلى أناس من المنطقة تحب وتتصارع فيما بينها، وقد عدها باحثو ومثقفو ودارسو المسرح اول مسرحية عراقية حظيت بأهمية كبرى في تاريخ المسرح العراقي، كما أعدوها رائدة في مجال التاليف المسرحي العراقي على الرغم من أن هذه المسرحية مترجمة عن الفرنسية ومُعدة عراقيا، ولكن أحداثها تعني من خلال قصة حب بمشكلة التمييز الطبقي غير العادل، وتكشف تذمر الطبقة العاملة من ظروفها القاسية والتعيسة كما يفسرها الدكتور صالح جواد طعمة، وشروع هذه الطبقة في التمرد من أجل حريتها.

أفكار المسرحية هي التي جعلت لها اولوية في التمّاس المباشر مع السياسة لما تضمنته من تحريض على التمرد والتغيير من أجل حياة كريمة يتساوى فيها الناس في حقوقهم وواجباتهم على حد سواء، ولكن للدكتور علي الزبيدي راي يعارض راي الدكتور طعمة في هذا الخصوص.[1]

يؤكد الدكتور علي الزبيدي أن موضوع المسرحية يتركز على الناحية التربوية الخلقية، ويصطبغ بصبغة فردية قوية ذات أبعاد لا تتجاوز حدود العائلة الواحدة. ولم يهتم الكاتب بالتمييز الطبقي او بالفوارق الاجتماعية إلا بقدر ما تتعلق بالمشكلة الفردية التربوية، ويضيف الزبيدي: ”أنا لا اتفق مع الدكتور صالح الطعمة فيما ذهب إليه بهذا الصدد، وان المؤلف السحّار لم يقصد ما قصده الدكتور طعمة بل أراد أن يعرض نمإذج من مساوئ مسلك (لطيف) “. ووقع الدكتور طعمة في ما وقع فيه الكثير من معاصرينا عند قياسهم أفكارا قديمة لعصر مضى بمعايير الحاضر ومذاهبه الفكرية والاقتصادية والاجتماعية. ويعترف الدكتور علي الزبيدي: (صحيح أن هناك فوارق بين شخصيات المسرحية تمثّلت بالأب وابنه (لطيف) وفي مستخدميه كالبستاني والفلاح والوكيل، ولكن هذه الفوارق انساقت لتجسيم المشكلة الأساسية. وصحيح أن في المسرحية أغنياء وفقراء وظروف الغنى وظروف الفقر، ولكن كل هذا قد عُرض من زاوية تربوية أخلاقية).

يسمح لي الدكتور علي الزبيدي أن اختلف معه واتفق مع الدكتور صالح جواد الطعمة فيما ذهب إليه من أن مسرحية (لطيف وخوشابا) تعني، من خلال الحب والمنحى التربوي الأخلاقي، بالصراع بين الأب صاحب الاستثمارات الكبيرة وبقية العاملين لديه والمُستَغَلين من قبله، وهو صراع متنامي وصل إلى حد الصدام المؤجل. إن الصراع الطبقي واضح في سياق المسرحية ولكن ليس على مستو كبير، وقد يبلغ الصراع حد الانفجار إذا ما أُتيح له أن يستمر.

أكدت المسرحية منذ ذلك الزمن على تسييس المسرح العراقي وهو السبب الذي جعل الباحثين يعدونها رائدة في التاليف العراقي بسبب طرحها السياسي وافكارها المقبولة.

مثّلت مسرحية نعوم السحّار (لطيف وخوشابا) على خشبة مسرح المدرسة الإكليركية في مدينة الموصل في حوالي العام 1890. ويؤكد الدكتور الزبيدي أن عددا كبيرا من المدعوين قد حضروا المسرحية. وروى الأستاذ كوركيس عواد عضو المجمع العلمي العراقي نقلا عن السيد (جبرائيل بيداويد) أن التمثيل كان ناجحا، وان المسرحية حازت على إعجاب الجمهور، حتى أن المطران (عبد يشوع الخياط) أحد المشرفين على المدرسة قام، لشدة إعجابه بالعرض، بإخراج حافظة نقوده وتوزيع ما فيها من نقود على الممثلين اعترافا بفضلهم وتقديرا لجهودهم.

أما من يكون جبرائيل بيداويد وما هو موقعه الثقافي، فيمكن القول انه أحد المهمين في المدرسة الإكليركية، وربما يكون مديرها او أحد المدرسين المتميزين فيها.

يذهب الدكتور علي الزبيدي إلى (أن مسرحية (لطيف وخوشابا) كانت حدثا فنيا وادبيا خطيرا في تاريخ المسرحية العربية في العراق، ولا يقلل من أهمية هذا الحدث كونها مقتبسة عن أصل فرنسي، ومعربة او معرقة إذا أردت الدقة في التعبير).[2]

لم تنجح كل محاولات ومساع نعوم السحّار ومعه المدرسة الإكليركيةفي عرض هذه المسرحية خارج نطاق الكنيسة كي يتسنى لأعداد كبيرة من أبناء الموصل المتشوقين إلى مثّل هذا العمل الابداعي الخلاق، مشاهدتها. وعلى ما اعتقد، أن افتقار مدارس الموصل لقاعات العرض المسرحي هو ما حال دون عرض المسرحية خارج الكنيسة. وجدير بالذكر أن حالة من فرض الحضر على إنشاء قاعات تمثيل قد استغرق فترة طويلة.

ترجم نعوم فتح الله السحّار مسرحية ثانية عن الفرنسية هي (الأمير الأسير)، واعدها لتقدم على مسرح المدرسة، وتم تقديمها بالفعل وبتمثيل طلبة ومعلمي المدرسة في عام 1895. وكسابقتها، حالف النجاح المسرحية، إلا أن المصادر لا تذكر شيئا عن مؤلف المسرحية او عنوانها بالفرنسية وهذه واحدة من إشكالات التوثيق التي أتعبت الباحثين والمتابعين. كما وان هناك العشرات من المسرحيات التي قُدمت في الفترة ما بين 1750 – 1882 على مسرح المدرسة ولكن دون أن يستطيع اي باحث أن يوثق تلك المسرحيات او حتى ما يُشير إليها. وهكذا ضاعت كل المسرحيات التي سبقت ثلاثية حنا حبشي (كوميديا آدم وحواء، كوميديا يوسف الحسن، وكوميديا طوبيا)، وضياع هذا الكم من الأعمال المسرحية هو ما يبعث على الأسى حقا.

توفي نعوم السحّار في مدينة الموصل في عام 1900 دون أن يستطيع تحقيق حلمه الكبير في نشر الفن الجميل والراقي “المسرح” في أرجاء الموصل ولكل أبنائها على اختلاف مشاربهم، ولكنه استطاع أن يحصل على إعجاب الأدباء والمفكرين واجلال عمله الاول (لطيف وخوشابا). وقد أعتبر السحّار رائدا ومؤسسا لمسرح متقدم، ومناضلا يدافع عن الطبقة التي تبني الحياة ولا تحصل مقابل ذلك إلا على قوت يومها فقط.

كل الاحترام والتبجيل لمؤسس مسرحنا الواعد، الذي عبد الطريق لما وصل إليه المسرح في عراقنا من رقي وسمو وعنفوان. لقد كان بحق مدعاة فخر واعتزاز ليس للعراقيين وحسب بل وللعرب والأجانب.

الصفحات