كتاب " المسرح في العراق " ، تأليف أديب القلية جي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ،ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب المسرح في العراق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
يحيى فائق
في عام 1965 كنت اعمل في جريدة (اللواء) وهي جريدة أدبية فنية تصدر بثمان صفحات وبالحجم الكبير للصحف العراقية. وتوقفت الجريدة عن الصدور بعد العدد الثامن وذلك لإفلاسها بسبب عدم دعمها بالإعلانات من اية جهة.
كنت اشرف على تحرير صفحة الفنون في المجلة، وكانت أحدي مشاريعي الكتابية لهذه الصفحة هي أن استضيف الفنان الكبير يحيى فائق في أحد أعداد الجريدة لا سيما وانه كان قد خرج لتوه من السجن، وهو أحد المثقفين الذين ضمتهم سجون الفاشست الذين استولوا على السلطة في عام 1963 واغرقوا بلدنا بأنهار من الدماء. وكان الفنان الرائد والمؤسس مناهضا كبيرا للفاشية ومثّلها وافكارها السقيمة التي لا تنسجم أبدا مع قيم الوطنية الحقة، ولا مع المسير الفني التقدمي الذي ينضم إليه الفنان يحيى فائق.
كان لقائي مع الفنان فائق حميما، وقد زودني بمعلومات هائلة عن مسيرته الفنية وعن معاناته ومن ثم سجنه الأخير. ملئت عشرات الاوراق على مدى عشرين ساعة قضيتها معه وخرجت من عنده بحصيلة غنية وغالية، نظمتها ومنتجتها في ريبورتاج خاص بالفنان القدير، ونشرتها في أحد أعداد جريدة (اللواء)، وقد نال اللقاء إعجاب ودهشة عدد كبير من القراء الذين اتصلوا بالجريدة معربين عن إعجابهم. ونال كذلك إعجاب جمهرة واسعة من المثقفين الذين كانوا يحيطون بجريدتنا ويمدوها بالزاد الثقافي. وكان مصدر إعجاب الجميع المسيرة الفنية الطويلة والقاسية لهذا الفنان، وجرأته في طرح آرائه حيث كان شجاعا يعبر عن رايه دون خوف او وجل، ويقول الحقيقة غير مبال بما يترتب على قولها.
واليوم، وبعد مرور أكثر من أربعين عاما على ذلك اللقاء، سنحت الفرصة من جديد لأكتب عن أحد أركان الحركة الفنية في العراق، وواحد من أعمدتها الشامخة، والمؤسس لصرح يتقدم ويتطور بمرور الزمن، وذاك هو الفنان يحيى فائق.
إلاّ إني، وللأسف الشديد، حين شرعت بالكتابة عنه ليكون من بين ما كتبت عنهم المؤسسين الرواد في المسرح العراقي، لم اجد إلاّ القليل الذي دُوّن عن هذا الرمز، مما سبب لي الألم لأن فنانا بوزن يحيى فائق جدير بأن تجد أخباره على كل صفحات الفن ومواقع الانترنيت. وان ما نُشر عنه قليل جدا ولا يتناسب البتة مع موقعه الطليعي في مسيرة الثقافة العراقية، ولا مع عطائاته ومساعيه من أجل تاسيس مسرح تقدمي ومتقدم.
ومن المؤسف ايضا انني لم احمل معي ما كتبته عن (أبي علاء) في العراق، فقد كان سفري سريا وبما خف وزنه من المتاع. بعدها استولت الاجهزة الامنية البعثية على كل ما املكه من ارشيف غني جمعته خلال سني عملي في الصحافة والمسرح وبذلك ضاع جهد كبير. وكان الارشيف يتضمن الكثير من المعلومات عن الحركة المسرحية للفنان يحيى فائق.
يحيى فائق من مواليد بغداد عام1913، وهو نفس العام الذي وُلد فيه الفنان الرائد حقي الشبلي. وقد التقى الفنانان وشكلا مع الفنانين عبد الله العزاوي وفوزي محسن الامين وكريم مجيد جماعة تهوى المسرح والعمل فيه ومن أجله. وجمعتهم فيما بعد (الفرقة التمثيلة الوطنية) التي تاسست عام 1927 ورأسها حقي الشبلي.
كانت عائلة يحيى فائق من العوائل الغنية وارادت له أن يكون طبيبا لما يتمتع به الطبيب من وضع اجتماعي مرموق في المجتمع العراقي، لكنه خذلهم واتجه صوب المسرح الارفع والاسمى الذي كان منغمسا فيه منذ نعومة اظفاره وقد ولع بالخطابة والتمثيل في مرحلتي دراسته المتوسطة والثانوية.
عمل يحيى فائق مع الفرقة التمثيلة الوطنية ممثلا لردح قصير من الزمن ثم سرعان ما تركها وقام بتاسيس فرقة خاصة به ليحقق من خلالها طموحاته الفنية وخصوصا في الإخراج الذي كان يهواه ويتفانى من أجله. وكان يحس بأن لديه طاقة هائلة قادرة على خلق اعمال مسرحية مبهرة تفعل فعلها السحري بجمهرة المشاهدين.
انتمى يحيى فائق بادئ ذي بدء إلى ( فرقة المعهد العلمي) التي كان يديرها عبد المجيد البشري، وبعد أن تم اغلاق تلك الفرقة وتصفيتهامن قبل وزارة المعارف في عام 1932 ولاسباب مجهولة، أسس يحيى فائق، مع مجموعة من زملائه ابرزهم صفاء مصطفى وفائق حسن وفائق اسماعيل، فرقة مسرحية جديدة اطلق عليها اسم (الفرقة العربية للتمثيل). وفي نفس العام الذي اغلقت فيه (فرقة المعهد العلمي)، اي عام 1932، أُنتخب رئيسا للفرقة ومخرج اول فيها. كما أُنتخب كل من عزت عوني مديرا لادارتها و صفاء الدين الخيالي مديرا للمسرح وفتح الله محمود محاسبا. أما الاعضاء فهم ناصر حسين والدكتور مظهر المالح واسماعيل حقي. وبقيت الهيئة العامة مؤلفة من فائق حسن و نديم الاطرقجي و عناية الله الخيالي و هادي علي و يوسف سعيد و ناظم سلمان و رءوف حداد و فوزي حمدي وناجي فائق زكي السلامي وزكية القماره جي.
وعرضت الفرقة مسرحيات (الزباء) و (عنترة في الصحراء) و (واقعة الطونة) و (الطبيب على الرغم منه)، واستطاعت أن تحشد جمهورا واسعا لمتابعة اعمالها ويشجعها ويحثها على المزيد من الانتاجات المتقدمة والناجحة. وقد سبق ليحيى فائق أن أخرج لفرقة المعهد العلمي مسرحية (البطل) من تاليف عبد المجيد البشري في عام 1928.
وعندما قرر يحيى فائق السفر إلى سوريا لغرض الدراسة هناك قررت الهيئة الادارية للفرقة اسناد رئاستها إلى صفاء الدين الخيالي، ووافقت وزارة الداخلية آنذاك على المرشح الجديد. وبعد أن عاد يحيى فائق من سوريا عام 1936 التحق بفرقته على الفور بعد تنازل الفنان صفاء الدين الخيالي عن رئاسة الفرقة العربية للتمثيل. واستهل يحيى فائق العمل في فترة رئاسته الثانية بمسرحيات عديدة منها (الثورة العربية) و(الهادي) و (سميراميس)، وكانت جميع هذه المسرحيات من اخراجه وبطولته. وكان لنجاح مسرحياته وتعلق الجمهور بها حافزا مهما لمواصلة عملهفي الإخراج والتمثيل حتى عام 1946، وتمخضت تلك الفترة عن انتاج بعض المسرحيات الوطنية والتاريخية.
في محاضرة القاها في بغداد تحت عنوان (تاريخ مسرحنا كفاح... إلغاؤه جهل وتضليل)، أشاد الفنان يوسف العاني بمسرحية (بيدبا) التي أخرجها الفنان القدير يحيى فائق وكانت من تاليف رئيف الخوري. ومما قاله العاني: (أن (بيدبا) قدمت في السنوات الخوالي في حفل جماهيري كبير وفي ساحة صيفية مفتوحة وكان لقاءاً ما زال الكثيرون يذكرون آثاره).
قُدمت المسرحية في اواسط عام 1945 على مسرح شيدته الفرقة في جانب الكرخ.
وفي عام 1946 أخرج الفنان يحيى فائق مسرحية (هذا مجرمكم) للكاتب صفاء مصطفى، ومثّل الدور الرئيس فيها، وقد سبق وان قدم المسرحية نفسها في مدينة العمارة في عام 1938.
ظل يحيى فائق نشطا متالقا، ولم يتوقف عن العطاء حتى في أسوا الظروف التي مر بها البلد كالانقلابات العسكرية واشهرها انقلاب بكر صدقي في عام 1936، والموت الغامض للملك غازي في عام 1939، ومن ثم اندلاع الحرب العالمية الثانية التي الحقت الموت والدمار بكل سكان الارض واعاقت النمو والتطور في ارجاء المعمورة. ورغم هذا لم يتوقف يحيى فائق عن سعيه لتشكيل مجمعا فنيا كبيرا يحقق من خلاله طموحاته التي لا تعرف الحدود. وكانت عملية توحيد الفرق المسرحية العراقية واحد من احلامه. ولتحقيق ذلك الحلم اتصل يحيى فائق بالفرقتين المسرحيتين الكبيرتين آنذاك وهما (فرقة انصار التمثيل) التي كان يرأسها الفنان الكبير عبد الله العزاوي، و (فرقة بابل للتمثيل) التي كان يراسها الفنان محمود شوكت. وكانت مساعي يحيى فائق باتجاه الاتحاد الثلاثي بين فرقته والفرقتين الذكورتين محط ارتياح للفنانين والعاملين في الفرق الثلاث. ولم تات تلك المساعي من فراغ بل كانت تناغما مع موجة فنية اتحادية كبيرة سادت اوربا، وبشكل خاص فرنسا، حيث تشكلت العديد من الاتحادات بين الفرق المسرحية مما ادى إلى ظهور كيانات مسرحية عملاقة انتجت اعمالا عالية المستوى وذات افكار نيرة، ويعود سبب ذلك إلى الامكانيات البشرية والمادية التي تتمتع بها الكيانات المسرحية المتحدة.
وقد عرض الاتحاد الثلاثي الذي أسسه الفنان يحيى فائق عددا من المسرحيات في ارجاء مختلفة من العراق، وتنقل من مدينة إلى اخرى دون أن يخشى الخسارة او الضيق المادي. ومن هذه المسرحيات (عنترة للايجار) و (الوطن والبيت) لمؤلفهما صفاء مصطفى، ومسرحية الدب لأنطون تشيخوف. وفي المسرحية الاخيرة مثّلت السيدة نظيرة، زوجة الفنان يحيى فائق، الدور الرئيس (بوبوفا). ومثّل الفنان عبد الله العزاوي الشخصية الرجالية الاولى في المسرحية (سميرنوف). أما الفنان يحيى فائق فقد مثّل دور العجوز لوكا. ولم تكن السيدة نظيرة تتقن اللغة العربية قراءة وكتابة فلُقنت الدور واتقنته. ونجحت هذه العروض نجاحا باهرا شجع الاتحاد على اعادة عرض هذه المسرحيات في عدد من الالوية العراقية وكبريات المدن.
غير أن عقد هذا الاتحاد انفرط بسرعة دون أن يحقق كامل اهدافه وطموحاته، ومن أهم الاسباب التي عجلت بنهاية الاتحاد هي:
·انشغال الفنانين عبد الله العزاوي و يحيى فائق بوظيفتهما في ادارة الإذاعة العراقية منذ تاسيسها في عام 1936، والتي كانت تبث آنذاك لساعة واحدة في اليوم.
·توجه الفنان محمود شوكت لدراسة تاريخ المسرح في المانيا.


