أنت هنا

قراءة كتاب المسرح في العراق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المسرح في العراق

المسرح في العراق

كتاب " المسرح في العراق " ، تأليف أديب القلية جي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ،ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

·عدم تحقق الاندماج الكلي بين الفرق الثلاث، حيث بقت كل واحدة منها تحتفظ بكيانها ورئاستها.

·عدم تجاوب جماهير أحدى المدن وهي (الموصل) رمع المسرحيات الثلاث التي قُدمت فيها وذلك لعدم تناسبها مع ذوقهم، وقد سبق للفنان يحيى فائق أن حذر الاتحاد مما حدث قبل حدوثه حيث كان على معرفة كبيرة بذوق وميول المشاهدين في الموصل.

وهكذا جاءت نهاية الاتحاد المسرحي الثلاثي في الموصل لتقضي على أحد أكبر الامال في حركة مسرحية واعدة ترقى بالمسرح العراقي وتمكنه من التربع على عرش المسرح العربي آنذاك.

وحافظت (الفرقة العربية للتمثيل) بعد تفكك الاتحاد، وانفردت بالساحة المسرحية بسبب توقف فرقة بابل للتمثيل بعد مغادرة رئيسها أرض الوطن إلى المانيا، وتوقف (فرقة انصار التمثيل) التي كان يراسها الفنان عبد الله العزاوي.

واستطاعت (الفرقة العربية للتمثيل) تحت قيادة الفنان يحيى فائق أن تواصل عطائها حتى عام 1957 حيث قدمت مسرحية (عنترة) التي الفها الياس أبو شبكة، وعُرضت على قاعة الملك فيصل الثاني.. ثم اعاد مخرجها الفنان يحيى فائق عرضها ثانية بعد قيام ثورة 14 تموز من عام 1958 التي اجازت لفائق فرقته الجديدة (فرقة المسرح الجمهوري).

قام الفنان يحيى فائق بأداء دور (عنترة) في تلك المسرحية في حين قامت سلمى عبد الأحد بأداء دور (عبلة). وكانت سلمى عبد الأحد تلقي اشعار ابي شبكة بلهجتها الموصلية ولم تكن تتطلع إلى البطل حبيبها اثناء التمثيل بل كانت مشغولة بالنظر إلى القاعة، حيث يجلس بعض معارفها، وتبادلهم الابتسامات مما حدا بالفنان يحيى فائق أن يبالغ في طريقة القاءه الشعري واداءه التمثيلي كي يغطي على الخلل في اداء الممثلة.

انتمى الفنان يحيى فائق إلى معهد الفنون الجميلة – فرع التمثيل – في السنة الاولى لتاسيسه في عام 1940، وتخرج منه في عام 1945. والتحق بعد تخرجه بشركة (ستديو بغداد للانتاج السينمائي) الذي كان في طور التاسيس حيث قامت الشركة ببناء بلاتو للتصوير الداخلي تبلغ مساحته 400 متر مربع على قطعة أرض واسعة قرب معسكر الرشيد في بغداد.. وبدات الشركة ايضا بتجهيز الستديو بكل مستلزمات العمل الفني والتقني وبأحدث الموديلات.

وعندما بدات الشركة بانتاج فلمها الاول (عليا وعصام)، كان ليحيى فائق دورا مهما في ذلك الفلم وهو دور (جسام) . وشاركه في التمثيل الفنانون ابراهيم جلال وعزيمة توفيق وجعفر السعدي وعبد الله العزاوي وسليمة مراد. وكان الفلم من اخراج المخرج الفرنسي اندريه شوتان، وصوره مصور فرنسي ايضا هو جاك لومار، وعُرض في إذار من عام 1949 في سينما روكسي ببغداد وحقق نجاحا كبيرا حيث كتبت عنه الصحف العراقية والعربية معتبرة اياه بداية موفقة لصناعة السينما في العراق. واعرب النقاد عن تفاؤلهم بمستقبل مهم للعراق في هذا المجال وخصوصا في المنطقة العربية التي كانت مصر تسود انتاجها السينمائي، ولكن مؤامرات خارجية أحبطت تلك التجربة واطفأت جذوتها، وقصة تلك المؤامرات معروفة للمتابعين لشؤون السينما والمسرح في العراق.

استهوت السينما وصناعتها الفنان القدير يحيى فائق وصارت حلمه الذي لا ينفك يلازمه. وبدأ يعمل على تحقيق ذلك الحلم بانتاج افلام عراقية كان لها وقعها في الساحة الفنية. وكان اول عمل له في هذا الفن القريب إلى قلبه وفكره هو فلم سياحي بعنوان (العتبات المقدسة) الذي أخرجه بنفسه وصوره بالوان ديفا وباع منه من النسخ ما كان كافيا لتغطية تكاليفه. ومثّل في الفلم (خالد البارودي) وهو شقيق يحيى فائق والممثلة الايرانية (فروخ خانم). وبعد هذا الفلم قام يحيى فائق في عام 1955 باخراج فلم روائي بعنوان (وردة)، ومثّل فيه فوزي محسن الامين و خالد البارودي وقدري الرومي وهيفاء حسين، وصوره كريم مجيد. وفلم (وردة) كان تقليدا للافلام المصرية التي سادت تلك الحقبة من الزمن إلاّ أنه لاقى استحسانا لدى الجمهور العراقي.

وبسبب انشغال الفنان يحيى فائق بالسينما، ابتعد عن المسرح ولم ينتج اي عمل مسرحي سوى مسرحية (عنترة) التي أُعيد عرضها بعد ثورة 14 تموز من عام 1958 كما أسلفنا سابقا.

وفي مذكراته، كتب يحيى فائق يقول: (كنت في مطلع الاربعينيات من الشباب الوطني المحب لشعبه والساعي من أجل سعادته، وكنت آنذاك مولعا بالفن المسرحي الذي ملأ حياتي منذ الصغر، ولم اكن اعرف أن هناك رسالة للفنان ودورا اجتماعيا هائلا. وكنت انتمي إلى اسرة موسرة، ولم اتخوف من السلطة بل كنت استهزء بها وبقيود التخلف والعادات القديمة، وكنت بطبيعتي من الرافضين للاغلال الاجتماعية، وعلى ثقة من أن شعبنا سينطلق ذات يوم من سجنه ويلحق بركب التقدم والحضارة، لكني لا اعرف كيف وباية وسيلة).

ويواصل يحيى فائق (في ظهيرة صيفية بينما كنت ذاهب لرؤية نسيبي و(كان شيوعياً) في بيته، الذي لم يخلو من الضيوف في يوم من الايام، وبعد ان طرقت الباب، فتحها لي رجل وسيم، هادئ الملامح، قال لي، ان نسيبي سيعود بعد حوالي الساعةمن الان ، جنابك الاستاذ يحيى فائق؟..)

يستطرد الفنان الكبير يحيى فائق (وقعت كلماته المهذبة وقعا طيبا في نفسي، واجبت بخيلاء ـ نعم ـ وجلست على كرسي، وجلس قبالتي على دكة سُلم البيت الشرقي القديم بدشداشته النظيفة،اخذ يسالني عن المسرح، ويصف لي كيفية تفاعل وحماس الجمهور مع مسرحياتي الناقدة، التي منعت بعد ذلك، والتي شغلت المجتمع البغدادي رغم قصرها وقلتها، وابدى ملاحظات هامة جذبت انتباهي لأنه متابع ومطلع، ثم بدأت اوضح له واجيب على بعض تساؤلاته بجدية، ثم ابدى ملاحظات بدت لي انه قرا المسرحية، وكشف لي عن الدور الخطير للمسرح في ايصال الفكر الانساني للجماهير الامية، اضافة الى دوره التحريضي التي تهابه السلطات الظالمة، لذا تحاربه وتتهمه بالخروج عن العادات والتقاليد والاخلاق والدين، في الوقت الذي تدعم فيه المسرح الهابط الذي يلهي الناس عن مشاكلهم الحقيقية، ولاول مرة اسمع منه مقولة لينين ـ اعطني خبزا ومسرحا .. اعطيك شعبا واعيا ـ ثم اضاف : ان اردت ان تكون فنان الشعب، لا يجب عليك ان تكتفي بكشف المظالم والحقائق على المسرح فحسب، انما تسعى لتدل على طريق الحل).

ويكمل يحيى فائق ذكرياته في هذا اللقاء الذي فتح عينيه ـ كما يقول ـ على اشياء لم يكن يعرفها في جوهر ودور المسرح، اصبحت فيما بعد دليله في العمل في الفرقة (كان حديثي مع هذا الرجل الغريب قصيرا، وكانت هي المرة الاولى والاخيرة التي التقيته بشكل مباشر، وعرفت انه (فهد) بعد ان استشهد عام 1949، لكنه في هذا اللقاء القصير اجاب على جوهر تساؤلاتي و حيرتي، دون ان اطرحها عليه، خرجت وانا غارق و منشغل في ما اثاره من مواضيع، ان اكون فنان الشعب انا يحيى فائق ببدلتي السموكن البيضاء والوردة الحمراء، اكون فنان الحفاة؟..)

عندما تفجرت ثورة 14 تموز 1958 صباح الاثنين، كان يحيى من اول المؤيدين لها والموالين اليها، والمدافعين عن قيمها ومبادئها، ومن الاوائل الذين دعموها، وانتظم في لجان الدفاع عن الجمهورية، ثم اصبح مشرفاً على النشاط المسرحي في نقابات العمال التي نهضت في العهد الجمهوري، وصارت لها قوة نفوذ تدافع من خلاله على الالاف من العمال الذين تهضم حقوقهم في كثير من الاحايين، استطاعت هذه النشاطات ان يكون لها موقفاً متميزاً و مؤثراً بسبب الاشراف الفني الدقيق والمسؤول، وبسبب اندفاع يحيى فائق لتحقيق نجاحات وانتصارات مسرحية في هذه المواقع الجديدة.

وفي عام 1960 أخرج يحيى فائق مسرحية تناصر الثورة، وتحيي القائمين عليها وما حققوه من مكاسب الشعب رغم قصر الزمن، المسرحية التي أخرجها كانت من تاليفه واخراجه هي ( الفجر الثائر)قدم العمل من قبل ( فرقة المسرح الجمهوري)التي تخطو خطواتها الواثقة والقادرة على تخطي المصاعب والعقبات، واستمرت الفرقة ومخرجها الاول يحيى فائق بتقديم مسرحية جديدة هي ( القبلة القاتلة) عام 1961 قدمت المسرحية على مسرح قاعة الشعب ـ فيصل الثاني سابقاً ـ استطاعت هذه المسرحية ان تجمع حولها جمهور يكبر يوماً بعد آخر، ويؤيد الفرقة ومخرجها وطاقم عملها الفني.

اقدمت مصلحة السينما والمسرح التي تاسست حديثاً ويديرها الفنان يوسف العاني، على قيام مهرجان مسرحي اول في بغداد تشارك فيه جميع الفرق المسرحية العاملة بما فيها الفرق العاملة في المحافظات، وكان من احلام المصلحة تاسيس مهرجان مسرحي دائم يقام سنوياً او كل سنتين، وتفتح الابواب واسعة لعروض عربية من الدول الراغبة بالمشاركة، لكن هذه الاحلام اصطدمت بواقع مرير منذ البداية ومع فرق عراقية حيث رفضت الكثير من الفرق المسرحية المشاركة في هذا المهرجان، منها لأسباب ذاتية إذ ان هذه الفرق غير قادرة على مثّل هكذا مجازفات بسبب امكانياتها الفنية المتواضعة، او بسبب موقف بعض الفرق والمسؤولين فيها من المؤسسة او من مديرها العام يوسف العاني، وكانت اكثر هذه المواقف سياسية لا فنية. المهم لم تشارك في هذا المهرجان الهام المقام عام 1961 – 1962 الذي كان يؤسس لمهرجان مستمر ويتطور بمرور الوقت غير ثلاثة فرق مسرحية فقط، هي فرقة المسرح الحديث، وشاركت بمسرحية ( الخال فانيا) تاليف الكاتب الروسي انطوان تشيخوف واخراج عبد الواحد طه، والمسرحية الثانية هي (سقط المتاع) تاليف اوجين بريو، واخراج يحيى فائق، وتقديم فرقة المسرح الجمهوري، اما الفرقة الثالثة فهي فرقة المسرح الشعبي التي قدمت للإجازة مسرحية ( بيت الدمية) تاليف هنريك ابسن واخراج جعفر السعدي.

وقد فشلت مسرحية يحيى فائق سقط المتاع ولم يشاهدها الا عدد ضئيل من الجمهور، ولم تستمر فتوقفت مع شديد الاسف هذا الفشل له اسبابه الموضوعية اول هذه الاسباب اشتراك يحيى فائق في اخراج المسرحية وتمثيل الدور الرئيسي فيها والذي زاد المشكلة واججها اكثر ان يحيى فائق لم يحفظ دوره جيدا مما دفعه الى ان يخرج عن النص، ثم يتوجه نحو الجمهور الذي يتضمن اعداد كثيرة من المسؤولين وينتقد السلطة ويطالبها بالعمل من أجل حل مشاكل الناس وبسرعة، وبدون تاجيل، مما اثار حفيظة المسؤولين واعتبروا ذلك تشويه وطعن بالثورة وقادتها، ثاني الاسباب ان موضوع المسرحية الذي يعالج مرض الزهري، موضوعاً ليست له اهمية في تلك الحقبة الزمنية التي عرضت فيها المسرحية، ولا يعاني العراق من هذا المرض، السبب الثالث ان المسرحية بالفصحى وشخوصها اجنبية، كانت ثقيلة على جمهورنا الذي كان ينتظر من الفرق المشاركة ان تقدم مسرحيات قريبة من همومهم و تعالج مشاكلهم وتقف مع مطاليبهم.

كان فشل هذه المسرحية سبباً من اسباب انتكاس الفنان الكبير يحيى فائق وسبباً ابعده عن المسرح الى وفاته .

في مطلع السبعينات اعيد الفنان يحيى فائق الى التلفزيون مخرجاً فيه، واستمر يعمل فيه، لكنه متالم كثيراً من ابتعاده عن المسرح الذي احبه وافنى شبابه من أجله و من أجل تعزيز تقدمه وتطويره ليكون قريبا من المسرح في العالم، لأنه كان يؤمن بقوة ان للفنان العراقي القدرة ليكون عالمياُ يوما ما.

كان كثير الشك ان أحدا لن يقف معه او يكتب عنه وعما قدمه من اعمال فنية في المسرح والسينما والتلفزيون خلال السنين الطويلة التي عمل فيها في هذه الحقول الفنية الجميلة، كانت تعتريه الكثير من الهواجس، ان الوسط الفني والنقاد سرعان ما ينسون يحيى فائق وكل ما قدمه، هذه الهواجس كان يتحدث فيها علناً وبشكل يومي ووصل الى ان يشتري دفترا من نوع الاستاذ ( وبدا يطلب من كل فنان يلتقي به في مبنى تلفزيون بغداد، ان يكتب عنه بالقدر الممكن، والجميل ان الجميع استجابوا لهذا الطلب الغالي، وكتبوا الكثير عن يحيى فائق، عن فنه الراقي وعن اعماله التي كان يصب فيها عصارة فكره وذوقه وفنه كانت هذه الكتابة مصدر ارتخاء لهذا الفنان ومصدر رضا وهذا الشي الجيد الذي قام به يحيى فائق بأن تنبؤه كان صحيحاً وفي مكانه إذ لم يكتب عنه أحد بعد مماته ولم يذكره أحد ليس الفنانين فحسب وانما الجهات المسؤولة عن الفنون والمبدعينمثّل وزارة الثقافة ـ نقابة الفنانين ـ الذين لم يكلفوا انفسهم بالسير وراء جنازته عندما غادرنا الحاج يحيى فائق عام 1982، وحتى العديد العديد من الفنانين حتى اولئك الذين كانوا على تماس معه وقريبين منه.

اعرف هذا الدفتر المليء بالشهادات الحقة عن هذا الرجل، وكنت قلق على مصير الدفتر، لكنني سألت الدكتور علاء يحيى فائق المقيم بولاية ميشغان بالولايات المتحدة الاميركية، فأجابني بأنه موجود لديه وانه عنده مشروع يعمل عليه الان لنشر كل ما يتعلق بتاريخ والده الفني في كتاب، وينشر ايضاً كل ما قيل عنه و ما كتب عن فنه وحياته وجهاديته من قبل جمهرة الفنانين وقد شجعت علاء يحيى فائق على تنفيذ هذا المشروع المهم وقلت له انني على استعداد كامل لمساعدته إذا احتاج ذلك.

لقد عاش الفنان الرائد حياته طولها وعرضها، لكنه خرج من الدنيا لا يملك شيئاً غير انتاجاته الفنية واولاده الذين لم يخذلوه ابدا. وهذا لعمري خير ارث.

الصفحات