كتاب " المعاهدات الدولية إلزامية تنفيذها في الفقه الإسلامي والقانون الدولي " ، تأليف صباح لطيف الكربولي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب المعاهدات الدولية إلزامية تنفيذها في الفقه الإسلامي والقانون الدولي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المعاهدات الدولية إلزامية تنفيذها في الفقه الإسلامي والقانون الدولي
2- تعريف المعاهدات
أ- المعاهدة في اللغة:
عهد: أصل يدل على الاحتفاظ بالشيء وأحداث العهد به إذ من شأنه أن يرعى ويتعهد وإليه ترجع فروع هذا الباب من ذلك: -
العهد: " وهو حفظ الشيء ومراعاته حالا بعد حال "[15] وهو أيضا العقد والموقف واليمين وجمعه عهود ومنه قوله تعالى: ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الإيمان بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً أن اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾[16] وقوله جل شأنه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[17] وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ أن اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾[18].
والعهد أيضا: الوصية والتقدم إلى المرء بالشيء أو الأمر، يقال عهد الرجل يعهد عهدا قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إليكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾[19].
ومنه اشتقاق العهد الذي يكتب للولاة، وهو أيضا: الوفاء والحفاظ على الحرمة ورعايتها، قال الله تعالى: ﴿وَمَا وَجَدْنَا لأكثرهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أكثرهُمْ لَفَاسِقِينَ﴾[20] أي من وفاء.
"والعهد أيضا: الأمان والذمة تقول: أنا أعهدك من هذا الأمر أي أؤمنك منه، ومن هنا قيل للحربي الذي يدخل دار الإسلام بالأمان ذو العهد وعاهد الذمي: أعطاه عهدا، فهو معاهد. وأهل العهد: هم المعاهدون أي أنهم يعاهدون على ما عليهم من جزية فإذا أسلموا ذهب عنهم اسم المعاهدة.
والتعهد التحفظ بالشيء وتجديد العهد به يقال: تعهدت فلانا وتعهدت ضيعتي وهو أفصح من قولك: تعاهدته؛ لأن التعاهد إنما يكون بين اثنين."[21]
والمعاهدة والإعتهاد والتعاهد بمعنى واحد هو: المعاقدة والمحالفة. يقال تعاهد القوم أي: تحالفوا، فالمعاهدة ميثاق بين اثنين أو جماعتين؛ لأنها على وزن ( مُفَاعَلَةٌ ) وهي تدل على المشاركة فلابد أن تكون بين طرفين"[22]
واستحدث مجمع اللغة العربية في القاهرة تعريفا للمعاهدة بأنها: " اتفاق بين دولتين لتنظيم علاقات بينهما. كما عرفت المعاهدة أنها اتفاق يكون بين اثنين أو جماعتين"[23].
ب - تعريف المعاهدة في الفقه الإسلامي:
يطلق فقهاء الحنفية على المعاهدة ألفاظا مثل المواضعة والمقاضاة ويسميها غيرهم الأمان والاستئمان وبعضهم يسميها المهاودة والموادعة التي يعرفها السمرقندي “بأنها الصلح على ترك القتال مدة بمال أو بغير مال”[24].
وعرف أيضا فقهاء الشافعية المهادنة بأنها: "عقد يتضمن مصالحة أهل الحرب على ترك القتال مدة بعوض أو بغير عوض". [25]
وعرفها الحنابلة بأنها: "عقد على ترك القتال مدة معلومة لازمة بعوض وغيره"[26]
وتناولها الإمام محمد بن الحسن الشيباني بألفاظ متعددة للتعبير عن المعاهدة "كالموادعة والعهد والهدنة والمصالحة والمتاركة والمسالمة"[27] وغالبا ما يختار لفظ الموادعة والمعاهدة دون المسالمة والمصالحة؛ لأنه لا مسالمة ولا مصالحة حقيقية بين المؤمنين والمشركين و إنما تكون بينهم معاهدة؛ كما قال الله تعالى: ﴿بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إلى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[28].
والمعاهدة عند الإمام محمد بن الحسن الشيباني هي: " موادعة المسلمين والمشركين سنين معلومة"[29].
والعهد في الفقه الإسلامي له معنى أوسع من كلمة عهد في القانون الوضعي إذ هو أساسا اتفاق إرادتين بصرف النظر عن الشكل أو الإجراء.
فالعهد: " هو اتفاق شخصين أو فريقين من الناس على التزام بينهما لمصلحتهما المشتركة. فان أكداه ووثقاه بما يقتضي زيادة العناية بحفظه والوفاء به سمي ميثاقا وإن أكداه باليمين خاصة سمي يمينا"[30].
وتسمى الموادعة والمعاهدة والمسالمة والمهادنة وهي لغة: المصالحة، وشرعا: مصالحة أهل الحرب على ترك القتال مدة معينة بعوض أو بغيره سواء منهم من يقر على دينه أم من لم يقر، والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾[31] ومعاهدته e في عام الحُدَيْبية.
ج– تعريف المعاهدة في القانون الدولي :
عرفتها المادة الثانية من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات المعقودة سنة 1969 "بأنها اتفاق دولي يعقد كتابة بين دولتين أو أكثر وتخضع للقانون الدولي سواء أتم تدوينه في وثيقة واحدة أم في أكثر من وثيقة وأياً كانت التسمية التي تطلق عليه" [32].
ويلاحظ على هذا التعريف أنه لم يتطرق إلى الآثار القانونية التي يمكن أن يحدثها هذا الاتفاق وتأثير ذلك على الدول الثالثة كما أنه لم يعتبر المعاهدات مصدراً أصليا من مصادر القانون الدولي العام ونرى ضرورة أن يتضمن التعريف ما ذكرنا آنفا ليكون التعريف شاملا ووافيا، كما انه لم يميز بين المعاهدة والاتفاقية .
وتعرفها اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات بين الدول والمنظمات الدولية أو فيما بين المنظمات الدولية في مادتها الثانية أنها "اتفاق دولي خاضع للقانون الدولي معقود كتابة بين دولة أو أكثر ومنظمة دولية أو أكثر، أو فيما بين منظمات دولية سواء ورد هذا الاتفاق في وثيقة واحدة أو في اثنتين أو أكثر من الوثائق المترابطة وأيا كانت تسميتها الخاصة"[33].
ويعرفها جان جاك روسو بأنها عبارة عن "اتفاق بين أشخاص القانون الدولي المخصص لإحداث نتائج قانونية معينة" [34]. كما يعرفها أوبنهام" بأنها اتفاقات تبرم بأسلوب تعاقدي ملزم رصين لقضايا قانونية مشروعة بين حكومات الدول"[35].
وعرفها قانون المعاهدات العراقي المرقم 111 لسنة 1979 أنها توافق إرادات مثبت بصورة تحريرية بين شخصين أو أكثر من الأشخاص القانونية الدولية لغرض إحداث آثار قانونية تخضع لأحكام القانون الدولي بصرف النظر عن تسمية الوثيقة أو عدد الوثائق التي تدون فيها أحكام الاتفاق أو الاتفاقية أو البرتوكول أو الميثاق.
ويلاحظ أن هذا التعريف تجاهل في البداية تسمية الوثيقة ثم عاد إلى ذكرها مفصلا – الاتفاق والاتفاقية والبروتوكول أو الميثاق - ولم يميز أو يضع فاصلا بين المعاهدة والاتفاقات الأخرى كما ورد في الميثاق الذي نظم عمل منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وبين الاتفاقات التجارية والفنية والمعاهدات السياسية التي تنظم الحدود ومسائل سياسية أخرى.
والأصل في القانون الدولي أن المعاهدات تكون سياسية، أما إذا كانت غير سياسية، فتسمى اتفاقا أو اتفاقية غير أنه اليوم تشمل السياسية وغيرها ولكن يجب أن يحسم هذا الأمر ويكون هناك تفريق بين الأمرين، بينما انحصرت المعاهدات بين الدول في الأمور السياسية فقط، وقد تكون الاتفاقية بين دولة ومنظمة ولكنها لا ترقى إلى أن تكون معاهدة.
التعريف الراجح
أما التعريف الذي نقترحه للمعاهدة : هي اتفاق بين دولتين أو أكثر يعقد كتابة ويخضع للقانون الدولي لتنظيم علاقة سياسية غاية في الأهمية وتكون ملزمة لاطرافها ولها شروط شكلية وموضوعية وتعد مصدرا من مصادر القانون الدولي .
ومبررات تعريفنا هذا انه ميز بين المعاهدة والاتفاقية واعتبر المعاهدة تعالج موضوع غاية في الأهمية بالنسبة للدول والتي تتناول القضايا السياسية الهامة مثل قضايا الحدود والتحالفات السياسية الهامة وقد تطرقت أكثر آراء الفقهاء إلى هذا المفهوم غير أنها لم تتناوله بشكل محدد ، كما بينا أن المعاهدة يجب أن تخضع لمبادئ القانون الدولي وتتضمن شروط موضوعية وشروط شكلية درجت عليها المعاهدات الدولية
كما تعد المعاهدات مصدرا للقانون الدولي باعتبارها تقنن الاجتهاد وتضعه في عبارات محددة لها معنى يقصده أطراف المعاهدة ومن ثم يصبح عرفا دوليا تأخذ به الدول.