أنت هنا

قراءة كتاب المعاهدات الدولية إلزامية تنفيذها في الفقه الإسلامي والقانون الدولي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المعاهدات الدولية إلزامية تنفيذها في الفقه الإسلامي والقانون الدولي

المعاهدات الدولية إلزامية تنفيذها في الفقه الإسلامي والقانون الدولي

كتاب " المعاهدات الدولية إلزامية تنفيذها في الفقه الإسلامي والقانون الدولي " ، تأليف صباح لطيف الكربولي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

المطلب الأول :نبذة تاريخية عن المعاهدات

يرى بعض الكتاب أن تاريخ المعاهدات يرجع إلى أقدم العصور منذ أقدم المجتمعات البدائية التي كانت تقيم العلاقات وتوفد عنها الممثلين لإجراء المفاوضات في بعض المناسبات وعلى الرغم من أن الحروب بين الشعوب القديمة كانت تعدّ من الأمور الطبيعية إلا أنه كانت تتخلل تلك الحروب فترات معينة من التوقف والفتور يتقابل فيها ممثلوها للمساومة في شروط فض المنازعات أو إنهاء الحرب أو تكوين نوع من التحالف بين فريقين ضد فريق آخر أو لمجرد تباهي بعضها أمام البعض الآخر بقوتها وبأسها .

وعلى ضوء ذلك فإنه بالإمكان القول أن أقدم الشعوب كانت تمارس عملا شبيها بالمفاوضات الدبلوماسية يقوم بها ممثلون يمكن أن يكونوا إلى حد ما بالدبلوماسيون.

وحين أثبت الإنسان تقدما في الحياة وظهرت الحضارات القديمة العريقة في وادي الرافدين والنيل والهند والصين كان من جملة ما عنيت به هذه الحضارات اهتمامها بتنظيم علاقاتها الخارجية عن طريق تبادل السفراء ومما يؤيد ذلك سجلات ومخطوطات كل من بابل ومصر والهند والصين القديمة، وكانت المعاهدات والمحالفات من الأمور المألوفة وكانت تعقد لعدد من المناسبات التي من أهمها معاهدات إنهاء الحروب والصداقة عن طريق معاهدات الجوار وغيرها. وكان اختيار الأشخاص المفاوضين من الأفراد الذين لهم مكانة عالية بين قومهم ولهم القابلية والذكاء والأمانة والسمعة ما يؤهلهم لتقلد هذه المناصب.

وقد أسهمت الحضارة اليونانية في تطور النظرية الدبلوماسية في تناول أكثر من جانب واحد وعلى الأخص فكرة التفاوض وعقد المؤتمرات الإقليمية وقد أورثتنا القرون الغابرة كثيرا من مؤسساتها القانونية، كما احتفظت لغتنا الدارجة الفصيحة بمقدار محسوس في أثر اللغات السامية كالآشورية والبابلية. ولا غرابة فقد كان العراق مهدا لأقدم الشرائع وأرقاها ويكفي أن نتذكر شريعة جوديا(JUDIA) وقانون حمورابي المشرع العظيم، الذي أثبتت الدراسات العميقة التي قام بها بعض علماء الغرب أن شريعته كانت أعظم شريعة وضعية عرفتها القرون الأولى وأن قانونه كان الأنموذج الكامل للقانون المدني.

" أما في القرون الوسطى التي اصطلح عليها تمشيا مع الغرب تسميتها بالعصور المظلمة و حري بنا أن نسميها العصور المنيرة فقد كان العراق مركزاً لتلك النهضة العظيمة التي شملت شتى نواحي الحياة العقلية والروحية والفنية و أنتجت تراثًا خالدًا على الزمن أضاء سناه الكون كله"[47].

وقد وضعت الشريعة الإسلامية أحكاما لتنظيم المعاهدات قائمة على أساس الإنسانية وإحقاق الحق. وعدّت الوفاء بها يرتب عليها أجراً عظيماً لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أوْفَى ِبماَ عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيْهِ أجْراً عَظِيْماً﴾[48]، وقد عقد النبي محمد e معاهدات عدة مع أهل المدينة المقيمين فيها ومن أولى هذه المعاهدات المعقودة مع أهل المدينة قبل سنتين من الهجرة النبوية للمدينة عندما جاء وفد من يثرب إلى مكة وقابلوا النبي محمد e سراً فعقدت معاهدة تحالف واستقر الرأي على الهجرة إلى يثرب وقد طلب من أهل يثرب أن يكملوا الأمر وسيلحق بهم في وقت قريب"[49]. وبعد أن هاجر النبي محمد e إلى يثرب فإن أول عمل قام به هو توحيد الأوس والخزرج وربطهم بمعاهدة قوية ووحدة اجتماعية فأطلق عليهم جميعا الأنصار، لأنهم نصروه وبذلك فقد طوى صفحات قديمة من الصراع المسلح الذي كان قائما بين الأوس والخزرج وتمكن من ربطهم برابطة الدين الذي وحدهم وقضى على الفتن التي كانت تعصف بمجتمع يثرب وتمزقه. وكان وجود اليهود وراء هذا التشرذم والحروب الدامية التي كانت مستديمة بين الأوس والخزرج من أجل أن يتمكن اليهود من السيطرة على الطرفين ويضعفون قوتهم." وكانت وحدة الأوس والخزرج أول معاهدة يضعها الرسول عليه الصلاة والسلام بعد دخوله إلى يثرب، ونحن نطلق على هذا العمل اسم المعاهدة على الرغم من أن المعاهدة لا تعقد إلا بين شخصين قانونيين دوليين، وذلك أن القبائل أشخاص قانونية مستقلة وهي من الناحية القانونية السياسية والعملية تمثل دولا مستقلة فالتعاقد بين القبائل العربية إنما يمثل التعاقد بين دول مستقلة. كما عند النبي عليه الصلاة والسلام معاهدات عدة مثل معاهدة بني ضمرة وينبع ومعاهدة مع أهل جرباء وأذرج ومعاهدة مع نصارى نجران وتعهد لبني غفار ومعاهدة مع قريش"[50] "معاهدة صلح الحديبية سنة 628م. وقصة هذه المعاهدة التي عقدت في السنة السادسة للهجرة هي أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان قد أزمع أن يحج إلى مكة في هذه السنة، وخرج مع أصحابه معتمرين لا يريدون قتالا، ولكنه توقف في الطريق حيث جاءته الأخبار بأن قريشا تستعد لمحاربته، فأرسل إليهم بعض رسله وتبادلت قريش معه الرسل. وبايعه المسلمون بتلك البيعة المعروفة بالرضوان، وتمت مفاوضات بين الرسول عليه الصلاة والسلام وسهيل بن عمرو عن قريش، وتم الاتفاق على أن يرجع الرسول صلى الله عليه وسلم هذا العام ويعود في العام القادم مع أصحابه، على أن يضعوا سلاحهم في قرابهم. وكان من أهم النصوص التي احتواها هذا العهد أن من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدها دخل فيه، وأن الطرفين قد تهادنا وكفا عن الحرب عشر سنين. وكان هناك شرط مجحف بالمسلمين قبله الرسول مع ذلك، هو أن من خرج من مكة من قريش مسلما بغير إذن وليه وقصد محمدا بالمدينة رده إليهم، وأن من جاء من المسلمين مكة مرتدا عن دينه لم يردوه إلى النبي عليه الصلاة والسلام وغضب جميع المسلمين من هذا الشرط وخاصة بعد أن ترتب عليه موقف شاذ، فأثناء توقيع العهد جاء أحد المسلمين – وهو جندل بن سهيل بن عمرو –وكان قد أسلم فقيّده أهله بالحديد وعذّبوه فلما علم بوجود المسلمين قريبا من مكة هرب من سجنه ودخل على النبي يرسف في قيوده و أغلاله واستغاث بالمسلمين أن يلحقوه بهم، وهنا أخذ به والده سهيل بن عمرو وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم رده إليه إعمالا لهذا الشرط، ولم يملك الرسول إلاّ إنفاذ ما تعاقد عليه، وزادت المشكلة سوءًا بزيادة عدد هؤلاء.وقد كان من الممكن أن يعدّ ذلك تغيرا في الظروف يجيز نقض العهد، إلاّ أن حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على احترام الكلمة جعله يتمسك بها"[51].

لقد كانت معاهدة صلح الحُدَيْبية أول خطة استراتيجية يرسمها عليه الصلاة والسلام حينما وجد أن الكفار بأشكالهم المختلفة سواء أكانوا من أهل الكتاب أم من المشركين قد تكالبوا عليه وتآمروا للقضاء على كيانه السياسي في المدينة المنورة، وجد النبي عليه الصلاة والسلام نفسه محاصرا من ثلاث جهات كان اليهود من الشمال وكانت قبائل بني أسد و غطفان وبعض العرب من الشرق وكانت قريش من الجنوب.

لكل ما تقدم قرر عليه الصلاة والسلام أن يجمد الجبهة الجنوبية باتفاق السلام وأن يثبت الجبهة الشرقية بالسرايا، ويبعثها كلما بلغ الخبر عن تجمع قبلي والتفرغ لتدمير الجبهة الشمالية وقواعدها في خَيْبَر، وفدك وتَيْمَاء ووادي القرى. لقد كان اليهود مصدر التحريض، فالقضاء عليهم كفيل بإضعاف باقي الجبهات بل وإسقاطها فانطلق عليه الصلاة والسلام لعمرته إلى مكة، لأن في العمرة لقاءًً مع قريش وحواراً مع قومه قد يفضي إلى قتال أو يفضي إلى سلام يتم الاتفاق عليه.

وسار الخلفاء الراشدين كذلك في عقد المعاهدات مع مختلف الأمم والشعوب منها معاهدة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أهل ايلياء (بيت المقدس) .

"كما عقد ملوك بني أمية وملوك بني العباس معاهدات عديدة مع مختلف الدول وخاصة مع الروم"[52]

أما في العصر الحديث للقانون الدولي "الذي بدأ بإبرام معاهدة (وستفاليا) سنة 1648م التي يرى معظم الفقهاء أنها وضعت القواعد التقليدية للقانون الدولي العام صحيح أن الدول كانت تدخل قبل ذلك مع بعضها في علاقات, ولكنها قليلة ومتقطعة وقاصرة في العصور الأولى على الحرب ومحاولات السيطرة ,ومن أهم ما حققته معاهدة (وستفاليا) أنها قضت على نفوذ البابا ورئاسته الدول الاوروبية, وأقرت مبدأ المساواة بين الدول المسيحية وأنشأت فكرة التوازن الدولي كوسيلة لحفظ السلام العالمي .

وبمرور الوقت كثرت المعاهدات وتنوعت موضوعاتها, وفي خلال القرن الذي تلا مؤتمر فيينا سنة 1815م أبرمت المعاهدات بكثرة عظيمة, ذلك أن معظم دول العالم أرادت أن يكون لها أساس تعاهدي لعلاقاتها مع الدول الأخرى ,مما جعل البعض يطلق على هذه الفترة (عصر النمو القانوني ) بالنظر إلى أثر المعاهدات في تطور القانون الدولي ونموه, وقد قدر أنه في سنة 1914م كانت حوالي ثمانية آلاف معاهدة سارية بين مختلف دول العالم ,ولقد سجل دي مارتنس أكثر من ثمانمائة معاهدة أبرمت مابين 1874-1883, وسجلت في العصبة أربعة آلاف وأربعمائة وخمس وتسعون معاهدة واتفاقية حتى نهاية ديسمبر سنة 1938م .ولقد اشتمل سجل هيئة الأمم المتحدة بعد عشر سنوات من قيامها في (الفترة من 14 ديسمبر 1946م حتى آخر أكتوبر سنة 1956م) على خمسة آلاف وأربعمائة وثلاث وثلاثين معاهدة دولية , وهذا السجل لا يحتوي على جميع المعاهدات التي أبرمتها الدول فيما بينها وحتى منتصف 1963م سجلت بسكرتارية هيئة الأمم ثلاثة آلاف وأربعمائة وعشرون معاهدة ملأت أربعمائة وسبعين مجلدا والعدد يتزايد ويتضاعف بمرور الوقت كما تتزايد وتتضاعف أهمية المعاهدات ,وتتنوع موضوعاتها والمجالات التي ترتادها"[53].

الصفحات