كتاب " المعاهدات الدولية إلزامية تنفيذها في الفقه الإسلامي والقانون الدولي " ، تأليف صباح لطيف الكربولي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب المعاهدات الدولية إلزامية تنفيذها في الفقه الإسلامي والقانون الدولي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المعاهدات الدولية إلزامية تنفيذها في الفقه الإسلامي والقانون الدولي
المطلب الثالث :طبيعة المعاهدات
1- طبيعة المعاهدات في الفقه الإسلامي
إن المصادر الرئيسة في الفقه الإسلامي والتي اتفق عليها فقهاء الشريعة تنحصر في القرآن والسنة والإجماع والقياس إضافة إلى مصادر أخرى مختلف في الاحتجاج بها كالمصالح المرسلة والاستصحاب والاستحسان لذلك فحين البحث عن تكييف المعاهدة في كونها عقدا أو تشريعا يجب إرجاع المعاهدة إلى إحدى هذه المصادر أي اندراجها تحت واحد من تلك المصادر التي استنبط منها الفقهاء أحكام الشريعة.
ويكيف بعض الفقهاء طبيعة المعاهدات على" أنها عقد كأي عقد ومنهم من ينكر ذلك كله ويرى فيها صورة التشريع الدولي ومنهم من ينهج نهجا وسطا فيرى أن من المعاهدات ما هو عقد ومنها ما هو تشريع"[56].
غير أن بعضهم يرى أن المعاهدة ليست مصدرا خلاقا أو منشئاًً للأحكام الشرعية؛ لأن المصدر الخلاق لتلك الأحكام هو الإرادة الإلهية التي تجلت في القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم .
ولكن المعاهدة يمكن أن تكون دليلا شرعيا تصاغ فيه تلك الأحكام وتتخذ به كيانا ذاتيا. ومن ذلك المعاهدات التي عقدها الرسول عليه الصلاة والسلام فهذه تأخذ حكم السنة التي تشتمل على القول والفعل والتقرير.
2- طبيعة المعاهدات في القانون الدولي
إن الإرادة المستقلة لأطراف المعاهدة هي الشرط المنشئ للعلاقة القانونية وهذه تضفي القوة الموضوعية سواء بوصفها قاعدة من قواعد القانون الوطني أو الدولي.
وتعدّ المعاهدات "النموذج المفضل للصيغة التعاقدية التي تمثل أسلوب ممارسة الدولة لسيادتها في الحياة الدولية وتعدّ المصدر الأساسي للقانون الدولي العام. وجاء على لسان رئيس جمهورية النمسا في جلسة افتتاح مؤتمر الأمم المتحدة في فيينا عام 1968 أنه لا يمكن التفكير في القانون الدولي بدون معاهدات إذ إن مبادئ النظام القانوني الدولي تقوم عليها"[57].
وحيث أن القانون هو عبارة عن إرادة عامة تعبر عن قاعدة قانونية في صورة مكتوبة وإذا انتقلنا بهذا التصور إلى الصعيد الدولي نجد أن المعاهدة هي تشريع دولي في الفقه الفني للتعبير لأنها تصدر عن الإرادة المشتركة لأطرافها وهي الإرادة التي تملك حق خلق قواعد القانون في الجماعة الدولية وتحدد الحقوق والواجبات للمخاطبين بأحكامها وهي من حيث الإلزام آمرة على من تخاطبهم والمعاهدة شريعة المتعاقدين فتقوم مقام القانون في تنظيم شؤون المتعاقدين في موضوع المعاهدة .كما أنها تقنيين للاجتهاد القانوني بعبارات محددة مفهومة المعنى ملزمة لعاقديها.
"ويجب أن تحل المعاهدات محل القوة المسلحة كما يجب الاعتراف بها بوصفها قوةً معنوية، كتعبير عن الديمقراطية والسلم، وذلك باعتبار أنها تضع قواعد عامة تقبل التطبيق لتقيم التعايش بين الشعوب وتعقد جسرا بين الروابط المادية والقيم الأخلاقية"[58]. لقد شهد المجتمع الدولي توسعا أفقيا من ناحية، ورأسيا من ناحية أخرى، تجلى الأول في اتساع دائرة الأعضاء المكونين للجامعة الدولية باستقلال الكثير منها ممن كان يوجد في علاقة خضوع أو تبعية لدولة أخرى. وقد ترتب على ذلك نتيجة مزدوجة هي زيادة عدد الشخصيات التي تملك إبرام المعاهدات من ناحية واتساع دائرة النظام الدولي لدخول مدنيات وحضارات جديدة مثلت في نطاق أوسع بعد أن كان هذا النطاق قاصرا على الحضارة الغربية.
كما شهد التوسع الرأسي في دخول الكثير من المسائل في مجال العلاقات الدولية لم تكن تدخل في نطاقها من قبل، والأمثلة الواضحة لها هي المسائل المتعلقة بالاقتصاد والصحة والثقافة والاجتماع والقانون وغيرها. وقد أوجدت هذه المسائل مشاكل دولية احتاجت إلى تنظيم يمتاز بالدقة لما لها من صيغة فنية وعلمية حساسة ولا يمكن أن يتم ذلك إلا عن طريق المعاهدات.