أنت هنا

قراءة كتاب تداعي الإسلام السياسي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تداعي الإسلام السياسي

تداعي الإسلام السياسي

كتاب " تداعي الإسلام السياسي " ، تأليف سليمان تقي الدين ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

مغامرة البحث عن حلول سياسية

تجاوزت الأزمة اللبنانية ما كنا نسميه «إدارة التنوع اللبناني». فشلت «الديموقراطية التوافقية» كذلك في إيجاد صيغة للاستقرار. لسنا أمام نزاعات حول طبيعة المشاركة السياسية في السلطة فقط. لا ترضي الفرقاء المتنازعين أية تسوية تحت سقف الدولة والكيان.

يتناوب الفرقاء على رفض الحوار الجدي، والحوار الجدي لم يطرح منذ سنوات طويلة. المطروح تفاوض على بعض الملفات السياسية المعروفة النتائج بحسب موازين القوى. فما يمكن أن يُتفق عليه نظرياً لا يطبق. حسابات القوى السياسية عابرة لحدود لبنان ومرتبطة بالصراع الإقليمي. تسيطر على الجماعات الطائفية كلها فكرة أن المشرق العربي سيشهد خارطة سياسية جديدة، جغرافية جديدة أو توازناً جديداً بين مكوّناته. السنة والشيعة في مقدمة الصفوف والمسيحيون والدروز كذلك. ظهّرت الأزمة السورية أكثر بكثير من العراق قلق الجماعات وهوياتها، خاصة لأن التكوين السوري مشابه في الكثير من عناصره للتكوين اللبناني. نحن أمام مسألة سورية، مسألة إقليم بلاد الشام بالمعنى الجيو سياسي.

من أجل ذلك انهارت الحدود بين البلدين عملياً وعُلِّقت مسلّمة «لبنان الوطن النهائي» وعدنا إلى أزمة كيانية برغم الادعاءات المختلفة. الطوائف تبحث عن موقعها الإجمالي في إقليم بلاد الشام وليس داخل الكيان اللبناني. يتعزز هذا المشهد ببعض الوقائع الإضافية ولو كانت تفصيلية. الوجود الفلسطيني الذي يتجدد دوره في المعادلة اللبنانية سياسياً وطائفياً وأمنياً، والوجود السوري المتمثل بموجات النازحين أو بمشكلات الأمن على الحدود. اجتمعت في لبنان هذه المرة جاليات لكل مكوّنات الشرق الأوسط.

إلى ذلك كله، هناك ثقافة سياسية جديدة تهيمن على المسرح، يتصدّر فيها الإسلام السياسي السني الانفتاح الشامل على «اليهود» ومن خلفه على إسرائيل، ويتجمّع الإسلام السياسي الشيعي من حول القطب الإقليمي الإيراني، وتقف الأقليات الأخرى لا سيما المسيحيون في موقع البحث عن ضمانات الوجود والحرية. لم يعد المسيحيون مهمّشين سياسياً فقط، بل هم يتعرّضون لتحديات التعايش مع تيارات الإسلام السياسي الإلغائي لثقافة الآخر وحريته. في هذه المرحلة الانتقالية من المخاض العربي لتغيير منظومته السياسية السابقة، تتزايد تأثيرات النفوذ الخارجي وتضغط على الاتجاهات السياسية الداخلية. في الصورة الآن مصالح الدول الكبرى، وثقافة الخليج العربي الوافدة مع دوره المالي والسياسي، والمشروع الإيراني الذي يتمدّد حيث يجد فجوات مذهبية وسياسية.

أدى انهيار الدول في المشرق العربي إلى بروز المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات. لم تكن المعطيات الاجتماعية والسياسية مهيأة لإيجاد صيغ سياسية قادرة على توفير الاستقرار والديموقراطية الفعلية. الديموقراطية ليست صندوقة اقتراع ولا تستقيم من دون ثقافة سياسية أساسها حقوق المواطنة لا صراع الجماعات الطائفية المغلقة. هذه دلالة التجربة اللبنانية الطويلة من الانتخابات على أساس التمثيل الطائفي. ما زلنا في العالم العربي نخلط بين الديموقراطية في شكلها البسيط والحاجة إلى حل مشكلة التنوّع الديني والطائفي والإثني. لذا جاء التغيير في لبنان والعراق ومصر وسوريا للأنظمة السياسية شكلاً من أشكال انهيار الدول. في ظل الثقافة القومية السابقة جرى التعامل مع التنوع الاجتماعي بإلغائه أو تجاهله، وفي ظل ثقافة الإسلام السياسي يتمثل الإلغاء في إنكار الحاجة إلى تنظيم هذه التعارضات ويذهب اتجاهٌ إلى ثقافة التكفير بشكل أو بآخر. تتضاعف مشكلات التغيير، وتتزايد الحاجة إلى بلورة خيارات من أجل احتواء هذه النزاعات. المسألة الأساسية هي أن نضع المشكلات في مدار البحث عن حلول سلمية بالحوار والتفاوض حتى لا نذهب بعيداً في استخدام العنف، والعنف فضلاً عن طابعه التدميري لديه طاقات ذاتية هائلة لاستدراج العنف. وبقطع النظر عن نجاح التجربة العراقية في إقامة نظام اتحادي فدرالي أساسه القطبان السني والشيعي، لأن أزمته مرتبطة بالنزاع الإقليمي هناك وبفساد المكوّنات السياسية وصعوبات التحوّل الديموقراطي المتعددة، فهو أحد أشكال الحلول التي ينبغي تطويرها لأنها فرضت نفسها بديلاً من الصيغ المركزية السياسية الفاشلة. وليس هناك من مخرج للأزمة السورية يحافظ على وحدة الكيان إلا شكل من اللامركزية السياسية أو الفدرالية التي تستوعب هذه التجليات الطائفية التي لا يمكن تجاهلها. وبالفعل تدور مشاريع التسويات المتداولة قريبة كانت أم بعيدة حول «طائف سوري» أو بالأحرى حول «لبننة» إيجابية تزحف على المنطقة كلها. في حين أن أصحاب التجربة أي اللبنانيين قد حوّلوها إلى مشكلة بدلاً من أن تكون حلاً. إذا صح ذلك وهو تعذر قيام دول بسيطة التكوين في المدى المنظور جراء اختراقها بتيارات عاصفة من خارجها وهي تيارات الإسلام السياسي السني والشيعي إلى تيارات أخرى قومية وليبرالية وتنويعات دينية ومذهبية وإثنية، فليس أمام لبنان إلا أن يتصدى لمهمة ملحة في مراجعة صيغته السياسية وتطويرها والاستجابة لضغوط المجتمع الطائفي وليس فقط النظام الطائفي. والنظام الطائفي يحتاج إلى حديث معمق يخرجه من دائرة الإدانات الأخلاقية أو الالتباسات والتشوهات التي صارت ملازمة له بسبب عقم الطبقة السياسية وانحطاطها. كل ذلك ينطلق بداية من ضرورة الاعتراف بالمشكلة وتشخيصها بشكل موضوعي ثم الإقرار بالحاجة إلى معالجتها، والإقدام بشجاعة على بلورة حلول لها واقعية بعيداً عن كل المسبقات والمحرّمات. إن الأنظمة السياسية وُجدت من أجل الإنسان وليس العكس. ولقد أثبت التاريخ أن كل الصيغ والكيانات السياسية نسبية في استيعابها لحاجات الإنسان، ولا بديل عن محاولة إيجاد أنظمة سياسية ملائمة لواقع الحياة.

8/1/2013

الصفحات