أنت هنا

قراءة كتاب تداعي الإسلام السياسي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تداعي الإسلام السياسي

تداعي الإسلام السياسي

كتاب " تداعي الإسلام السياسي " ، تأليف سليمان تقي الدين ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

من أزمة النظام إلى أزمة العيش المشترك

لم يتفق اللبنانيون يوماً حول مفهوم الطائفية حتى يتفقوا على كيفية إلغائها، وبالأصل على ضرورة إلغائها. كان اليمين اللبناني، المسيحي والمسلم، يعتبر الطائفية شكلاً من أشكال تنظيم العلاقة بين ثقافتين سياسيتين، وشراكة في السلطة تمنع هيمنة فريق على آخر بسبب نشأة الكيان اللبناني على دمج جبل المتصرفية مع ولاية بيروت والأقضية الأربعة. خلا المادة 95 من دستور 1926 التي تنص على عدالة المشاركة في الحكومة والوظائف العامة مع حفظ النظام العام والمصلحة العامة، ليس في الدستور أي قيد طائفي. الدستور لم ينشئ الطائفية ولم يكن في مقدوره تجاهلها. الطرف المسلم في معادلة دستور 1926 هو الذي طالب بالمادة 95 وليس الطرف المسيحي، ثم انعكست الآية بعد الاستقلال، بسبب التوازن الديموغرافي والاجتماعي والسياسي المستجد. تحوّلت الطائفية من شراكة إلى تضاد، ومن هيمنة إلى هيمنة مضادة. فلا المسيحيون أنتجوا دولة وطنية مدنية، ولا المسلمون ساعدوا على إنتاجها.

حين انفجرت الحرب الأهلية عام 1975 كان طرفاها الرئيسيان، المسيحية السياسية والإسلام السياسي، ولم تكن القوى العلمانية أو المدنية القومية أو اليسارية طرفاً أساسياً فيها. وحين طرحت «الحركة الوطنية» برنامجها للتغيير الديموقراطي وفي أساسه «إلغاء الطائفية السياسية» كانت تحمل مطالب الإسلام السياسي على شيء من الحداثة ومن التحسينات للنظام التي ظهرت في البرنامج، كالزواج المدني الاختياري والتمثيل النسبي والمجلس الدستوري.

وبعد حرب السنتين أصبح برنامج «الحركة الوطنية» يدعو إلى إقامة «التوازن الوطني» أي التسوية السياسية الطائفية مع تحسين موقع الشريك المسلم في المعادلة. في تلك اللحظة انتهى مشروع إلغاء الطائفية السياسية لمصلحة البحث عن «طائفية عادلة».

لم يسقط الشعار من التداول بل سقطت القوى التي حملت الشعار وأدت تطورات الحرب إلى إلغاء ما بقي من تأثير للأحزاب المدنية أو العلمانية. في هذا المسار تجذرت الطائفية في النظام والمجتمع حتى بلغنا المرحلة الراهنة من وجود أحزاب دينية وحركات دينية تهيمن على طوائفها وتجعل من الحديث عن إلغاء طائفية النظام كذبة مكشوفة. وفي كل يوم يمر في هذه الظروف الإقليمية التي تتصف بصعود الإسلام السياسي يتعمّق خيار القوى السياسية في الاتجاه الطائفي وليس العكس.

وحين خرج الشباب اللبناني بتأثير مناخ «الربيع العربي» يطالب «بإسقاط النظام الطائفي ورموزه» كان يصرخ في واد، لأن «شرعية النظام الطائفي» كانت تتقوّى من هذا المناخ، ولأن المشكلة لم تعد في النظام السياسي فقط، بل في الواقع الشعبي المنجرف خلف التيارات الدينية، ولأن الطائفية صارت بعد عقود من تجربة الحرب ونظام ما بعد «الطائف» ظاهرة شمولية وشاملة مختلف نواحي الحياة الاجتماعية.

لا يفاجئنا الشباب اللبناني وهو يصرخ ضد الطائفية ويريد إسقاطها بتظاهرة، بل يفاجئنا جيل الحرب وتفاجئنا النخبة الثقافية وهي تريد معالجة الطائفية بالتبشير العلماني أو التحريض على مساوئها، أو باقتراح إجراءات تفصيلية صغيرة وكأنها بذلك تخترق الجدار السميك الذي بناه المجتمع بكل مكوّناته. فلا الزواج المدني ولا الزواج المختلط ولا إزالة القيد الطائفي عن وثائق الأحوال الشخصية ولا منح المرأة حق إعطاء جنسيتها لأولادها ولا انتخاب المغتربين ولا حق الانتخاب في سن الثامنة عشرة ولا النسبية في نظام الانتخاب ولا الكثير مثل هذه الوصفات تعالج المسألة الطائفية ولا تؤمن العيش المشترك ولا الاستقرار ولا طبعاً الديموقراطية. هذه إجراءات مهمة وضرورية لكنها ليست جواباً كافياً.

اكتشفنا مراراً وتكراراً في لبنان أن المجتمع أقوى من الدولة. لذلك نرى أن تغيير الدستور وتغيير القانون وتغيير السلطة أو الحكومة أو البرلمان لا يغيّر المجتمع. سرعان ما نجد أنفسنا أمام الحاجة إلى تسويات سياسية لحفظ الاستقرار وأمن الناس وبشروط أسوأ. أضعنا الكثير من الوقت في محاولة إسقاط رغباتنا على الواقع واستخدام إيديولوجياتنا فوق الواقع. الإيديولوجيات منظومات فكرية جاهزة وهي غير أحلام التغيير. التغيير ضرورة للخروج من مأزق حياتنا العادية كبشر وأهم متطلباتها السلم الأهلي والاستقرار.

المشكلة اليوم أن أطراف السلطة لا يتحاورون وأطراف التغيير كذلك. يتمترس أطراف المجتمع المدني عند آرائهم ومطالبهم وكأن فعل التغيير مرهون لهذه الآراء والمطالب وليس إلى ميزان القوى الاجتماعي والسياسي. ما نحتاجه أن تتواضع النخب الثقافية وأن تتحاور في مشروع الإنقاذ والتغيير. ما نحتاجه حركة سياسية شعبية ذات جذور في مصالح الناس ذات برنامج تفكيكي للعصبيات الطائفية. ما نحتاجه هو فرض جدول أعمال مختلف على اللبنانيين لا ينطلق من طروحات الأطراف السلطوية. ما نحتاجه حزب الدولة وحزب الدستور. ما نحتاجه هو الاعتراف المتبادل بين مصالح الجماعات الطائفية والمجتمع المدني. فهل تنتج النخب الثقافية هذا المشروع، هذه الرؤية، هذا البرنامج العملي، أم تظل تردد شعارات الماضي دون طائل؟

26/1/2013

الصفحات