أنت هنا

قراءة كتاب تداعي الإسلام السياسي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تداعي الإسلام السياسي

تداعي الإسلام السياسي

كتاب " تداعي الإسلام السياسي " ، تأليف سليمان تقي الدين ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6

عبثاً يقبلون الإصلاح

يتفاوض أطراف الطبقة السياسية الحاكمة على اقتسام السلطة في ما بينهم من خلال قانون انتخاب جديد. يتردد على ألسنتهم مطلب صحة التمثيل وعدالته والعيش المشترك. في كل ما يطرح من أفكار ومشاريع يريدون حصص طوائفهم غير منقوصة، لأنهم يريدون الاستمرار في مصادرة حقوق الناس باقتسامهم إقطاعات طائفية. أما حديثهم عن العيش المشترك، فهو هذا الاشتراك في هذه المساكنة وهذا التضامن ضد فكرة المواطنة.

على أي حال لا يخفى على أحد أنهم ضربوا بالدستور عرض الحائط وميثاق العيش المشترك القديم والجديد، ويتصرفون منذ زمن على أساس التوازنات السياسية ومواقع نفوذهم من دون أية مرجعية وطنية أو دستورية أو أخلاقية. فلا داعي يدعونا للمشاركة في هذه الوليمة التي يصر أقطابها على تعليق مشروع الدولة ومشروع الوطن. لعلهم لم يعودوا شواذاً في العالم العربي الذي وقع فريسة الجماعات التي تبحث عن السلطة بمعزل عن كيفية الوصول إليها أو التمسك بها، وعن الشروط التي تجعلها سلطة وطنية شرعية معبّرة عن طموحات شعبها وحاجاته الإنسانية.

لكن المشكلة الأساس هي في عجز هذه القوى عن توفير الأمن والاستقرار والحرية والكرامة. وكأن روح الاستبداد صارت ملازمة لثقافة العرب السياسية. استوردنا «الحداثة» وأخضعناها لمنظومة الإكراه لا الحرية. فلا زلنا نرفع صيغة الجماعة الدينية أو السياسية إلى مرتبة احتواء حقوق الأفراد ومصادرتها، مرة باسم «القومية» ومرة باسم «الدين» أو العرق أو الطبقة، ودائماً لمصلحة الإمام أو الزعيم أو القائد.

قيل: إن العرب يخضعون لبنية أبوية (بطريركية) أو قبلية أو لموروث ديني سالب للحرية الفردية. لكن على رغم حضور هذه المعطيات فهي ليست الماضي نفسه بل من نسيج الحاضر، أو هي تتربع تحت مظلة أنظمة سياسية حجزت العرب عن التطور والتقدم وشوّهت تكوينهم الاجتماعي. ومن أسوأ نماذج الدفاع عن الأوضاع العربية القائمة الادّعاء بمقاومتها أو سيطرتها على تظاهرات التطرف الديني والعنف السياسي والاجتماعي. وهي فعلاً أنظمة أنتجت هذه الظواهر بما راكمته من سياسة الكبت والقمع والتهميش والتهجين الثقافي.

فلا يعقل والحالة هذه أن تتعايش وسائل التواصل الاجتماعي الحديث بأرقى أشكالها التكنولوجية بوصفها سلعة استهلاكية مع قوانين ما زالت تراقب الحريات وتحاصرها. وبالفعل تحولت «الشخصية العربية» إلى حال من الازدواجية «كثوب راهبة على جسم داعرة» أو كعمامة فاخرة على رأس فارغ.

خرجنا من هزيمة 5 حزيران 1967 بحقيقة مفادها أن الضفدعة الإسرائيلية تنتهك الفيل العربي، لأن الجسم العربي لا يعمل بطاقته وقوته وحجمه الحقيقي. وما زلنا كماً مهملاً في موازين القوى الدولية لأننا لم نمارس الحياة كشعوب حرة بل تمّ اختزالنا في قادة وزعماء وأحزاب، وناب عنا القادة والزعماء والأحزاب. وأعجب ما نراه اليوم كيف تستمر ثقافة الهزيمة في زعماء يختصرون شعوباً ودولاً، وفي أحزاب تختصر لنفسها الأمة وتراث الأمة ودينها وثقافتها، فالعروبة رجل، والإسلام جماعة، والشعب حزب، والدولة على هوى زمرة من الأشخاص، والطائفة رأس للطائفة.

لو كانت هذه الحفلة من التكاذب المشترك محصورة النتائج على المستوى السياسي ربما هان الأمر، لكنها تطلق المزيد من التشنج الطائفي والحذر والخوف مما يقال عن الاعتداء المتبادل على حدود الجماعات وحقوقها. والحق أن شهوة أصحاب السلطة تمتد نحو الشركاء والجيران فيستهويها ويلذ لها أن تمد اليد على تمثيلهم السياسي وتأخذ منه ما تيسّر. فلا أحد يطلب الحرية لنفسه وللآخرين، بل يزعم أن العيش المشترك لا يستقيم إلا في ظل وصايته وسلطته.

بعد ثلاثة عقود من انتهاء الحرب الأهلية لم نقفل ملفاً واحداً من ملفاتها الدامية الموجعة. الفرز الطائفي والتهجير والإخفاء القسري وآثار التهديم والتوترات ما زالت تجرجر أذيالها. فلا الجامعات عادت مجالاً للتفاعل ولا مؤسسات العمل ولا المدن. هناك رايات حزبية وطائفية ترسم حدود النفوذ في الأحياء، ومربعات طائفية يتعزز وجودها خارج رغبة اللبنانيين في التواصل. ولا ندري أين هي المساحات الباقية للعيش المشترك بعد أن صارت القوى السياسية صافية الهوية والعقيدة والخطاب والدور. والمسألة الأكثر اهتماماً لدى هذه القوى أن تمنع ظهور تعددية داخل طوائفها أو تسمح بحد أدنى من التمايز السياسي وغير السياسي.

في نهاية الأمر سيجد المتفاوضون حلولاً لأنفسهم تحت صيغة قانون «استثنائياً ولمرة واحدة» أو حتى بتأخير الموعد الانتخابي، وبتطويع «المجلس الدستوري» لمقولة الحفاظ على السلم الأهلي والاستقرار، ولن يعصو عليهم شيء ما دامت الناس مسلوبة الإرادة بالتخويف الطائفي الذي صار شائعاً على مستوى العالم العربي كله. فلا أشد ولا أدهى من سلاح الشعارات الزائفة التي تقدم لفئات واسعة من الناس تحت عناوين دينية وطائفية لمنعها من اختيار وجودها الإنساني الحر. فلا نعرف عبر مئات السنين أن طائفة أكلت طائفة أخرى أو ألغت وجودها، جلّ ما في الأمر أن قادة الطوائف أنهكوا البلاد صراعات ونزاعات وعنفاً ودماراً لتوطيد سلطاتهم. وليس أسهل من أن يجد اللبنانيون نظاماً يحميهم جميعاً إذا قبلوا أنهم متساوون في الوطن والدولة من دون أن يكون لأي فئة امتيازات على سواها من الجماعات والأفراد. لكن عبثاً نرتجي من هذه الثقافة السياسية الإصلاح.

12/1/2013

الصفحات