أنت هنا

قراءة كتاب جراح مغتربة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جراح مغتربة

جراح مغتربة

كتاب " جراح مغتربة " ، تأليف يحانث ماء العينين ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2

1

جلست في المقهى كما اعتادت ترتشف خيبتها ممزوجة بمرارة قهوتها السوداء، وتُبادلُ الناس ابتساماتهم بحزن معدٍ.

لم يسعفها الحرف في التعبير عن إحساساتها الحارقة. كل الحروف والكلمات المضيئة هجرتها. كانت فقيرة من الحب غنية بلغته.. وأمست بعد غنىً فقيرة منهما معاً.

العناد سمة من سمات الرجال.. هكذا أخبرتها والدتها محذرة إياها ذات يوم حين رأتها تكابر لتعيش.. كانت تسأل نفسها: أصحيح أن الصعاب حكر على الرجال لا يخوض غمارها ولا يعلمها حقاً سواهم؟.. أجابتها الأيام عن سؤالها حين جعلتها تفعل ما لم يفعله رجل يوماً.. كانت تعلم أنها أنثى مختلفة عن النساء جميعاً.. هي مميزة بشهادة الجميع.. هي أنثى استثنائية. والأنثى الاستثنائية في مجتمعها ليست تلك التي لا تفعل ما لم تسبقها إليه أنثى، بل هي تلك التي تجرؤ على اقتحام عالم الرجال فتتحلى بصفاتهم وتعاملهم نداً بند.

كانت تراقب الوقت يمضي ببطء.. يبدو أنه أخذ شيئاً من عنادها فأبى هو الآخر أن يمر سريعاً.. حاولت أن تشغل نفسها بمراقبة من حولها علها تغري سويعات الزمن بالانقضاء. خطتها الناجحة انقضَّت على الوقت كانقضاضها على نبضات قلبها الأليمة.

يتراءى لها في كل الوجوه، تراه باسماً وغاضباً ومتوتراً وضاحكاً ومازحاً. يخيل إليها أن الساعة أعلنت وصوله منهية فصولاً من الانتظار ظنتها لن تنتهي.. نهرت نفسها وحذرتها من النبش في ذكراه.. إنها لن تستسلم لها هذه المرة أبداً.

أقبلت جوليا بجلبتها المعتادة معلنة عن حضورها الفاتن.

أجابت النادل:

- . jus d′orange

ثم تابعت مخاطبة صديقتها حين انصرف:

- قهوة سوداء مرة أخرى؟

- ماذا أفعل يا عزيزتي.. إنه الإدمان.

كانت جوليا تعلم أن صديقتها أدمنت القهوة كما أدمنت استرجاع ذكراه وهي غارقة في بحر غيابه.. أحياناً نحارب مرارة آلامنا بأخرى أقسى منها وأشد مرارة. ندمن الألم فيصعب علينا العيش بدونه. ألم غريب ذاك الذي نقاسيه بعد الغياب.. ذلك الذي يخلقه الفراق، وتحرص الذكرى على تجديده لتغرس فينا حالة إدمان لأشياء أو لأشخاص وأحياناً لأماكن.. تعذبنا الذكرى لكننا نحرص على تغذيتها بدواخلنا.. ولن تموت إلا إذا أعلنّا موتنا معها.

سألتها جوليا بنبرة حزن:

- متى ستسافرين؟

- بعد أربعة أيام..

أربعة أيام ويحل الفراق.. سترحل بعيداً عن صديقات كن أقرب إليها من أهلها، بل كنَّ لها أهلا في غربتها. ستغادر مكاناً لا تنتمي إليه، لكنه أصبح جزءاً منها، إلى مكان تتوهم انتماءها إليه، ولا تشعر فيه سوى بالاغتراب.. مواطنة هي في غربتها. غريبة في وطنها.

قالت جوليا كأنها تواسي نفسها:

- لن ينقطع الاتصال بيننا مهما طال الزمن.

- أكيد.

الصفحات