كتاب " جراح مغتربة " ، تأليف يحانث ماء العينين ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب جراح مغتربة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
2
لم ينم ليلتها.. جلس بشرفة منزله يراقب الأنوار.. وتلك متعة مضاعفة حيث هو. مدينة لا تنام كقلبه تماما. لا تهدأ كثورة مشاعره. هي واقع من الخيال كعلاقته بمنايا. يستمع مثلها وفي اللحظة ذاتها، ودونما تخطيط منهما لإحدى أغاني Lara Fabian مطربة يعشقانها معاً.. تذكر كل منهما أن لهما الذائقة ذاتها، وأنهما يتشابهان إلى حدّ كبير.. كل منهما يستمع إلى أغنية تترنم بكلمات تعبر عنه. عن حالته وعن تلك الفوضى التي خلقها به غياب الآخر.
كلمات أغنيته الهادئة تزلزل كيانه. عنوانها يختزل الحكاية.
Non.. Pas Sans Toi لا.. ليس بدونك.
صدق الكلمات يدمي قلبه.. تمنى في هذه اللحظة، لو استطاع أن يبعث إليها تلك الكلمات على أثير الليل، فتحس بألمه من خلالها، وتعلم أنه أبداً لن يقوى على الفراق، وأن لا قوة لديه لتدمير هذا الحب. ليتها تستوعب أنه لا يستطيع فراقها، وأنه لن يكمل مسيرة الحياة بدونها. يعيد الاستماع إلى الأغنية ذاتها مرة تلو أخرى .. يعود ويخبر نفسه.. هي لن تصفح عني أبداً ولن تغفر .. يجب أن أبحث عن طريق للنسيان.. عليّ أن أحترم اختياراتها.
يحاول أن يهش على أفكار تنهش قلبه.. ما السبيل لنسيانها وكل ذرة من كيانه تحتفظ بومضة من ذكراها؟
هو لا يريدها، بل يحتاجها.. ما نريده قد نستطيع التخلي عنه، لكن ما نحتاجه لا يمكن أن نستغني عنه.
إنه الآن يتوق إلى فراق لائق لبدايتهما. يحتاج إلى تتويج النهاية بكثير من الصراخ وكثير من البكاء.. يهفو إلى دوي انفجار ينعى مشاعره.. يحتاج إلى مرافقة حبه لها إلى مثواه الأخير. يريد قبراً مناسباً لحبه يزوره كل يوم، يروي تربته بدموعه ثم يضع فوقه زهوراً بيضاء لا تعطيه الحياة لكنها تضفيها عليه.
هي أيام وترحل.. إلى حيث لا يمكنه اللحاق بها.. فكرة ابتعاد من المحبوب دون أمل في اللقاء مرة أخرى، تغرس أشواك الحزن في حديقة القلب. أشواك تزرع بإحكام كي لا تنتزع.
منتصف الليل هو الوقت الملائم ليبعث رسالته. بضع كلمات كان يعلم أنها ستزلزل قلبها الأبيض، وتجعلها تعيد التفكير في مصيرهما معاً:
«كل عام وأنت مقيمة في قلبي».
منتصف الليل هو الوقت المثالي لتنسحب إلى غرفتها وتنفرد بنفسها. أفكارها الصاخبة تبعد النوم عن أجفانها.. تسترجع الذكريات التي باتت تقتات من كيانها.. تعود بها أغنية لارا فابيان إلى زمن مضى ولن يعود. العطر والموسيقى يرسخان الذكريات في أعماقنا إلى الأبد، ويبنيان حواجز متينة على دربنا إلى النسيان.
منذ عرفته وهي تعلم أنه الحب الأول والأخير في حياتها. وبعد الفراق باتت تحس أن أحلامها ستموت على عتبة الغياب، وستموت كل أطياف الأفراح وتقضي ظمأ على صحراء الروح.
سمعت الرنة الخافتة التي تبشر برسالة منه..لم تستوعب للحظة أنها صادرة من هاتفها.. ربما هي جزء من خيالاتها الجامحة. فتحت الرسالة القصيرة وتراقصت الكلمات على شاشة هاتفها المحمول: « كل عام وأنت مقيمة في قلبي».
إنه يهنئها بسنوات عمرها الثامنة والعشرين. قرأت في رسالته أنها لن تكون مقيمة سوى في قلبه.. سنوات ثلاث احتفلت فيها برفقته بأعياد ميلادها.. طالما أهداها أشياء غريبة لم تفهم معناها إلا أخيراً.
في عيد ميلادها الخامس والعشرين أهداها عقداً ثميناً يبلغ عدد حباته اثنتين وستين حبة تتوسطها جوهرة جميلة.. انزعجت يومذاك من هديته الثمينة. أرادته أن يفهم أن الحب في عرفها لا يباع ولا يشترى، وأن قيمة الأشياء برمزيتها لا بثمنها. لم تقتنع بدفاعه عن نفسه إلا حين لفت انتباهها أن حبات العقد بعدد عمريهما معاً. لا تذكر أنها عشقت رقماً كما فعلت ذاك اليوم.كانت تردده بحب فتبتسم بخجل. منذ ذاك اليوم والحظ يبتسم لها في كل مرة تختار ما يحمل ذاك الرقم الذي صار رقم حظها.
في عيد ميلادها السادس والعشرين أهداها قطة صغيرة رغم علمه بأنها لا تربطها بالقططة إلا علاقة نفور لا تفهم سببها. هي لا تحب القططة كما تخشى الاقتراب منها كثيراً.. رمقته بنظرة استغراب لتسأله:
- قطة؟؟