كتاب " جراح مغتربة " ، تأليف يحانث ماء العينين ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب جراح مغتربة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بهديته تلك أراد فرض سلطته عليها. أحس لذة عارمة وهو يراها تعشق لأجله ما لا تحب. ترعى ما لم تجرؤ على الاقتراب منه يوماً. تعطف على ما كانت تنفر منه.. أسعده تنازلها لأجله. وهي التي لم يرها تتنازل عن شيء إطلاقاً.
تفوق على نفسه بهديته في عيد ميلادها السابع والعشرين. لم تكتف بالاستغراب يومذاك، بل رفضت هديته رفضاً قاطعاً. لقد أهداها تذكرة سفر إلى بلد تعشقه.. اليونان.. لم تستوعب حينذاك جرأة هديته. لم تفهم استغرابه أمام رفضها. كيف توقع أن تفرط فتاة مثلها في مبادئها الثابتة وتسافر مع غريب؟
آلمه كثيراً أن تصفه بالغريب وهو الذي اعتقد دوماً أنه الأقرب إليها من نفسها. بررت وصفها له بالغريب بكونها قد رأته بأعين المجتمع لا بعينيها، فهو مهما اقترب منها يبقَ في نظرهم مجرد غريب.
أجابها مازحاً:
- فلنتزوج
- هل جننت!
لقد انتظرت عرضه طويلاً، لكن لم تتوقع أن يأتي في سياق حديث عابر.. أحست بخيبة أمل نجحت كثيراً في إخفائها. وبعد خصام لم يدم طويلاً اقتنع بكلامها بعد أن وعدته بالاحتفاظ بتذكرته تلك وقضاء يومهما في المطار استعداداً لرحلة لن تتم. هو لا يملك من الأفكار المجنونة سوى تلك التي أصيب بعدواها منها. لم يكن يحاول الشفاء من نوبات جنونه لأنه يعلم أنها تهواها. تغير لأجلها لدرجة أنه لم يعد يعرف نفسه. تغيره ذاك لايلمسه أحد غيرها. هو في حضرتها شخص آخر، وما أن يغادرها حتى يعود إلى صرامته.
اليوم هو يهديها جملة «كل عام وأنت مقيمة في قلبي».
إنه يهديها اعتذاراً. هديته هذه أثمن ما قد يهدي رجل لامرأة. أن يعتذر رجل مثله، اعتراف منه بأنوثتها. بحب يفصح عن نفسه، وبتمجيد لشخصها. ما يدمي قلبها أنها لا تستطيع قبوله. فجرمه في نظرها أكبر من كل عبارات الاعتذار.
رسالته فتحت الباب على مصراعيه لجموع المهنئين. الكل كان ينتظر منتصف الليل بالتوقيت الباريسي لتهنئتها.. جوليا ونور اكتفتا بأمنيات من القلب نزولاً عند رغبتها في عدم الاحتفال.
أغمضت عينيها وهي تردد «كل سنة وأنت مقيمة في قلبي».
الحب عادة يحرم العشاق لذة النوم التي ينقطعون فيها عن العالم لساعات ويبتعدون عن التفكير من أجل أن ينسوا كل شيء. ورغم أنها بسذاجة عاشقة حمَّلت قلبها ما لا يطيق، فقد كانت دوماً تعرف كيف تتحايل على الأرق وتحظى بنوم عميق يريحها إلى حين.
استيقظت على رنة ضيوف الهاتف الغرباء.. كما كانت منذ صباها لا تحب المفاجآت.. لذا عمدت إلى إلغاء عنصر المفاجأة من حياتها. بداءًا برنات الهاتف. خصصت لكل صديق رنة تميزه، ولكل الأرقام الغريبة رنيناً خاصاً.
- ألــــوووو.
جاءها صوت فاطمة يترنم بمرح:
Joyeux anniversaire .. Joyeux anniversaire
سألتها مستغربة:
- فطوووم؟
لم تستوعب كيف أن رقماً فرنسياً يحمل لها صوت أعز صديقاتها.
كانت تحتاجها دوماً إلى جانبها. وها هو القدر يتكرم عليها بالتفاتة.
حدثتها بفرحة عارمة. فطوم أنت هنا؟ لماذا لم تخبريني من قبل؟
- تعمدت أن أفاجئك متلبسة بالاستغراق في نوم لذيذ.
إنها تعرف صديقتها. تعلم أنها تتهرب مما لا تريد الإفصاح عنه فتلجأ إلى المزاح.
أعادت سؤالها بعناد:
- لماذا أنت هنا؟