أنت هنا

قراءة كتاب جراح مغتربة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جراح مغتربة

جراح مغتربة

كتاب " جراح مغتربة " ، تأليف يحانث ماء العينين ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3

ستحرص على توديع مدينة الأنوار كما يليق بمدينة في عظمتها. ستكون في أبهى حللها. ستدفنه في أعماق الذكرى.. ستحرص على ألا يطفو على سطح مشاعرها، فيعكر مزاجها كالعادة.. ستنساه كما وعدت نفسها ذات يوم.

لا تعرف أي طريق ستسلك إلى النسيان.. لكنها صممت على ترويض نفسها على نسيانه.. وهي متأكدة من وفائها بعهدها مهما كلفها الأمر.

غادرت بصحبة رفيقتها لتتركه كما اعتادت في زاوية متوارية في كل مكان تزوره. ردد في نفسه.. أربعة أيام.. أربعة أيام.

هو يعلم أنها تستعجل الرحيل من قلبه لا من بلاد شهدت حكايتهما.. كان على يقين أنها تهرب بعيداً عنه إلى مكان فرت منه إلى هنا ذات يوم.. هو من أوصلها إلى هذا اليأس.

كانت هذه الأفكار تعصر قلبه بشدة لتغرقه في دوامة من الحزن الأدكن.. لاشيء يدمي قلب الرجل مثل إحساسه أنه قد سبب الأذى لامرأة أحبها.لم يكن يعلم وهو يخدش شغاف قلبها أنها بهذه الرقة.. وأن أي خدوش يعتبرها بسيطة كفيلة بزرع حدائق ألم دامية في كيانها.ربما لا يعلم جسامة ذنبه إذ لم يقدر رقة إحساسها يوماً، تلك الرقة التي كانت تحرص على إخفائها وراء قناع من شموخ غير قابل للاختراق.

كان يراقبها أينما حلت. يختار الزاوية التي تمكنه من التلصص عليها دون أن تشعر بوجوده، كان طيفها المتبتل يزرع في قلبه قنابل أسى عميق تنفجر مع كل نبضة.

في كل مرة يودع سعادته معها بسيجاراته.. يرى أجمل لحظاتهما من خلال الدخان الذي ينثره في الهواء.. يتأمل حزنها.. يتنصت على أحاديثها.. يحتاج أن يعلم عنها كل شيء، كما اعتادت أن تخبره بكل شيء. تغادر فلا يستطيع اللحاق بها.

جلست الصديقات بصالون شقتهما الصغيرة يحتسين أكواب القهوة الفرنسية لا يقطع صمتهن سوى قطرات المطر توقع نغماتها على زجاج النوافذ. رفعت بصرها نحو صديقتيها فانتبهت إلى أن جوليا غارقة في نحيب صامت، ونظرت إلى نور التي تبادلها نظرات الاستغراب.

تمتمت جوليا كأنها تناجي طيفاً غير مرئي:

- لن نتحمل فراقك.

- ولا أنا أتخيل حياتي بدونكما.

أضافت نور في محاولة فاشلة لتبديد ضباب الحزن المخيم على الصالون:

- لو كنت أنا من ستغادر ما عشنا هذه الدراما.

انزعجتا من حساسية نور الزائدة التي يصعب التأقلم معها.

قالت جوليا مازحة:

- أرجوك لا تبدئي حديثك عن إحساسك بالغربة بيننا وأن منايا تفضلني لأنني أقرب منها سنّاً وأدرس معها، بينما تنسى أنه يجمعكما الرابط الديني واللغوي والجغرافي والتاريخي نفسه...

قاطعتها نور بانزعاج:

- لكنني لم أقل هذا يوماً.

- أردفت جوليا بإصرار:

- عيناك تخذلانك وتفصحان عن كل شيء يا عزيزتي.

قالت نور بلهجة ساخرة:

- كم تمنيت أن أكون بارعة في قراءة لغة العيون مثلك.

ردت جوليا بلهجة تنم عن الندم على استفزار صديقتها:

- أنظروا إلى من تملك روح الفكاهة.

وتضحك الفتيات في وجه الحزن الرابض كجمل هرم.

قالت جوليا بجرأة محاولة تغيير مجرى الحديث:

- هل نسيته ؟

بادرت نور إلى التعليق:

- لا يبدو أنها فعلت، ولا نية لها في النسيان.. إنها تتلذذ بلسعات السياط.

الصفحات