كتاب " المكان في الشعر الأندلسي (من الفتح حتى سقوط الخلافة 92هـ -422هـ) " ، تأليف محمد عبيد السبهاني ، والذي صدر عن
أنت هنا
قراءة كتاب المكان في الشعر الأندلسي (من الفتح حتى سقوط الخلافة 92هـ -422هـ)
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المكان في الشعر الأندلسي (من الفتح حتى سقوط الخلافة 92هـ -422هـ)
توطئة
المكان من العناصر المهمة التي تؤثر في حياة البشر، وجاء الاهتمام بالمكان مع بدء النهوض الاجتماعي والفكري للإنسان، ولا أظن هذا الاهتمام جاء عفو الخاطر دون دلالات انتمائية ونفسية ووجدانية وجمالية وشعورا بالانتماء إلى الأرض ([65]).
إن المكان يثير إحساسا بالماضي والحاضر، فأكثر الشعراء القول فيه سواء أكان بحقيقته أم برموزه ودلالاته، فهو وسيلة وليس غاية كما أن حقيقته في الشعر نفسية وليست موضوعية فهو عنصر فني مكتنز بالقيم والأفكار ([66]). وذكر الشعراء له – أي للمكان – جاء نتيجة ارتباط المكان بهموم الشعراء وإثارة أشواقهم فضلا عن ذلك الحنين إلى تلك الأماكن.
يعد الإنسان والمكان كالروح والجسد ((حيث المكان مؤهل للكشف عن لا وعي الشخصية وحيواتها النفسية والاجتماعية، لأنه ببساطة لا معنى ولا دلالة للمكان بعيدا عن الإنسان الذي يقوم بتنظيمه وإجراء عمليات التقطيع والمفصلة في بنيته وفقا لآليات ثقافية محددة)) ([67]).
والمكان وسيلة تعبير عن معاناة الشعراء فأصبح المكان مقترنا بالغرض الشعري بل وأداة فاعلة فيها، لذلك دخل المكان بدلالاته الانتمائية والنفسية وبكثافة عالية في الغرض الشعري فهو ((وسيلة للإفصاح عن مشاعر الحزن والحنين والغربة والخوف والقلق)) ([68]).
وشعراء الأندلس من الشعراء الذين استخدموا المكان أداة للتعبير عن معاناتهم فجاء مقترنا بالغزل، فلا تذكر الديار إلا وتذكر الحبيبة فهي علاقة ارتباط بين الشاعر والمرأة علاقة تذكر للديار والأحبة، والأمر نفسه يقال بالنسبة للمديح إذ عكس الشاعر المكان بدلالاته ورموزه على ممدوحه وأخذ الشعراء المكان بجماليته، ليكون ساحة تستوعب صفات الممدوح ((والعادة أن يذكر الشاعر ما قطع من المفاوز وما أنضى من الركائب وما تجشم من هول الليل وسهره وطول النهار وهجيره 000 ثم يخرج إلى مدح المقصود)) ([69]).
ويدخل المكان بكثافة عالية في الوصف ونقصد به ((وصف الجمال الطبيعي للمكان)) ([70]) هذا الوصف لهذه الأمكنة يمكن القول بأنه يخلق إمكانية نفسية وفكرية للعلاقة بين الأنساب والمكان وثمة علاقة أخرى بين المكان والشعر، ففهم المكان من فهم الشعراء، أما الإمساك بالمكان فهو الغرض الأساس الذي يسعى إليه الشخص ([71]).
فقد بقي المكان يؤدي دورا فاعلا في الغرض الشعري فضلا عن كونه وسيلة فنية معبرة عن الكثير من المشاعر الداخلية وسواء أكان الغرض مديحا أم رثاء أم هجاء أم فخرا، فإن المكان يظل فيه شاهدا حسيا على متغيرات تلك الحياة الإنسانية وما يحتدم من صراعات الواقع ([72])، لذلك ارتأيت في هذا الفصل الحديث عن المكان وأثره في الغرض الشعري بدء بالغزل ونهاية بأغراض أخرى.