أنت هنا

قراءة كتاب البحرية الإسلامية في الشعر الأندلسي من الفتح حتى سقوط غرناطة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البحرية الإسلامية في الشعر الأندلسي من الفتح حتى سقوط غرناطة

البحرية الإسلامية في الشعر الأندلسي من الفتح حتى سقوط غرناطة

كتاب " البحرية الإسلامية في الشعر الأندلسي من الفتح حتى سقوط غرناطة " ، تأليف

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6

لهذا ندرت الكتابة في التأريخ في حكم أمراء بني أمية بالأندلس، وكان لهذا كله الأثر الكبير في غياب أو ضياع الكثير من هذا النوع من الشعر، فضلاً عن كثرة شهداء المسلمين في معركة (بلاط الشهداء) و(الغزو النورماندي).

وقبل متابعة رحلة الأحداث التاريخية للبحرية الأندلسية لابدَّ لنا من أن نتساءل، ما بواعث هذه الحملات الجهادية فيما وراء البحار وأهدافها بعيداً عن مركز الخلافة الإسلامية، والإجابة عن هذا التساؤل نجدها في أحاديث الرسول الكريم محمد : إن (أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوْجَبُوا)(13)، وهذا ما يؤكد أن أجر الجهاد في البحر عظيم جداً، وحديث آخر للرسول الكريم : (إنَّ الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإنَّ أمتي سَيَبْلُغ مُلكها ما زُوِيَ لي منها)(14) .

إنَّ لأحاديث الرسول الكريم الشريفة الأثر الكبير في التحفيز على الحملات الجهادية الأندلسية التي قادها أوائل المسلمين، فتحوا الأندلس حباً في الجهاد والاستشهاد في سبيل نشر مبادئ الدين الحنيف، فضلاً عن صدقهم. وفاتحوها هم ثاني الجماعتين اللتين أشاد بهما رسول الله ، وهي من معجزاته في فضل الجهاد في البحر، وما بشر به الخليفة الثالث عثمان بن عفان (15)، ويرى شكيب ارسلان في أحاديث الرسول الكريم : (فإنه ما مضت سنوات قلائل حتى ضرب الإسلام بجرانه من العراق وفارس والشام ومصر وأفريقية... ثم من افريقية أغار العرب على أسبانيا ... إلى أن بلغوا فرنسه وصارت جميع قارة أوربا تحت خطر استيلائهم )(16)، إلا أن بعض المستشرقين يرون في الأهداف والبواعث التي دفعت العرب في فتوحاتهم في الأندلس وتوغلهم حتى جنوب فرنسا، ما هي إلا بواعث مادية للحصول على الغنائم وحباً في التوسع، يذكر ذلك د. عبد الواحد ذنون، وكان ردُّهُ على هذه التهمة مناسباً إذ يقول: (تهمة خطيرة قُصِد بها تشويه التاريخ العربي الإسلامي، فلم يكن الهدف مادياً، بل كانت هناك غاية نبيلة أهم من ذلك بكثير وأبعد أثراً ألا وهي نقل مبادئ الحضارة العربية الإسلامية المستمدة من قيم السماء السمحة إلى البلاد المفتوحة... أما الغنائم والمكاسب المادية فهي تحصيل حاصل ونتيجة طبيعية من نتائج الحروب)(17)، وتأكيداً للبواعث النبيلة ما نقل عن الأمير (عقبة بن الحجاج السلولي) أنه كان رجلاً يتقد حمية على الإسلام، ويرى في الجهاد قرة عينه، وأنه اختار إمارة الأندلس حباً بالجهاد والرباط (18) .

أما ما ذهب إليه الأستاذ غرسيه غومس ؛ من أن الإسلام (أعطى الأندلس الشعر القديم، شعر القصائد الذي نشأ في الصحراء)(19)، في إجابته على تساؤله: ماذا أعطى الأندلس الإسلام ؟ وماذا أخذ الأندلس من الإسلام ؟ (20) .

أرى أن الأستاذ (غرسيه غومس) وما (له من فضل عظيم في تعريف جمهور الأسبان بمآثر العرب وآدابهم وهو لا يكف عن دراسة هذا التراث ونشر آثاره أو ترجمتها وتحليلها بملكة الأديب الناقد العالم الدقيق)(21)، كان عليه ألا يغفل ما قدمه الإسلام للأمة الأندلسية وللغرب من قيم وتعاليم عاشها مسلمو الأندلس ثمانية قرون، ولو كان استبدل كلمة (الإسلام) بالفاتحين لكان مناسباً ذلك أن الإسلام لم يكن بحاجة إلى الإزجال والموشحات التي ذكر الأستاذ (غومس) من أن الأندلس قدمتها للإسلام .

نبدأ الرحلة التاريخية مع القائد طارق بن زياد والقائد موسى بن نصير بعد انتصار الأول على لذريق في (معركة وادي لكه) أو (وادي بكه)22* في (8 رمضان سنة 92هـ)، (تموز 711م) وعبور الثاني إلى أسبانيا في (رمضان 93هـ، 712م) ومسيرته الظافرة وصولاً إلى طليطة والتقائه بطارق بن زياد (23)، حيث وضع الأثنان (خطة لافتتاح ما بقي من أسبانيا ثم زحفا نحو الشمال الشرقي واخترقا ولاية ارجوان (الثغر الأعلى) وفتحا سرقسطة وطرّكونة وبرشلونة وغيرها من المدائن والمعاقل))(24)، وهذا ما أشار إليه المؤرخ الأمريكي (سكوت) في أمر فتح الأندلس كما أورده عبد الله عنان : (في أقل من أربعة عشر شهراً قضى على مملكة القوط قضاءاً تاماً، وفي عامين فقط وطدت سلطة المسلمين فيما بين البحر الأبيض المتوسط وجبال البرنية ولا يقدم لنا التاريخ مثلاً آخر اجتمعت فيه السرعة والكمال والرسوخ بمثل ما اجتمعت في هذا الفتح)(25) .

وتسجيلاً تاريخياً لما انفردت به الأندلس من مسيرة ساعدت على ازدهار الروح الجهادية البحرية فيها امتزاج النزعات الدينية بحب الجهاد، وأية تلك الروح الجديدة تمثلت بإنشاء قواعد بحرية عديدة صارت فيما بعد مراكز أمامية للأسطول العربي في البحر الأبيض المتوسط الذي (لم تسبح للنصرانية فيه ألواح))(26) .

ونتابع الرحلة التاريخية التي بدأناها مع طارق بن زياد، وموسى بن نصير، بمسيرة أمير الأندلس عبد الرحمن الغافقي (سنة 114هـ) إلى شمال الأندلس مخترقاً ولاية أرجوان، ودخوله فرنسا بعد معركة عنيفة نشبت على ضفاف نهر الرون، ثم عبوره نهر الجارون ووصوله مسافة ميل عن باريس ثم ارتداده غرباً إلى ضفاف اللوار ليتم فتح هذه المنطقة ثم يقصد عاصمة الفرنج ويفتح نصف فرنسا الجنوبي (27)، وهذا ما دعا (أدوارد جيبون) إلى التسليم بقوة الأسطول البحري العربي، يقول : (وقد كان اقتحام مثل هذه المسافة يحمل العرب إلى حدود بولونيا وربى اسكتلندا فليس الرَّين بأمنع من النيل أو الفرات، ولعل أسطولاً عربياً كان يصل إلى مصب التايمز دون معركة بحرية، بل ربما كانت أحكام القرآن تدريس الآن في معاهد اكسفورد، وربما كانت منابرها تؤيد لمحمد صدق الوحي والرسالة)(28) .

وفي سنة (180هـ- 793م) أنشأ عبد الرحمن الداخل دوراً لصناعة السفن في مراسي طرَّ كونه وطرطوشة وقرطنجة وأشبيلية وألمرية وغيرها، وذلك بعد اقتطاعه الأندلس عن الخلافة العباسية وتصديه لبحريتها، وفي سنة (193هـ- 806م) اكتسح الأسطول الأندلسي جزيرة كورسيكة وهزم أسطول (يبين بن شارلمان) ملك إيطاليا بعد تدمير الأسطول وأسر الكثير من الرجال ذوي النفوذ(29)، إلا أن عظمة هذا الأسطول ما كان لها أن تستمر بعد نكبة (بلاط الشهداء) إذ انشغلت الأندلس بمنازعاتها الداخلية، وقيام أمبراطورية عظيمة موحدة الكلمة هددت المسلمين ونازعتهم السيادة والنفوذ (30) .

ونتابع مسيرة البحرية الإسلامية في انتصاراتها تارة، وفي اخفاقاتها بحسب قوة حكامها أو ضعفهم لنصل إلى عهد عبد الرحمن بن الحكم الذي تسلم السلطة سنة (206هـ) وعرفت الأندلس في عهده خطر الغزوات النورمانية البحرية التي كان من مفاجآتها المروعة ما حمل حكام الأندلس على الاهتمام بأمر الأسطول وتحصين البحرية ببناء سور عظيم وإنشاء دار عظيمة لصناعة السفن الحربية الكبيرة فكانت نواة الأسطول الأندلسي الذي بلغ مئتي سفينة في عهد عبد الرحمن الناصر (31)، وفي سنة (207هـ - 820م) (سار أسطول إسلامي من تركونه وغزا سردانيه فجاء أسطول مسيحي لأجل الدفاع عنها فتغلب الأسطول الإسلامي وأغرق المسلمون ثمانية مراكب، وأحرقوا مراكب كثيرة))(32) ومن ثغر طرَّكونه والجزائر الشرقية خرج الأسطول الأندلسي سنة (221هـ) إلى مياه فرنسا الجنوبية وكان من أثرها قيام مجمعات عربية إسلامية في بروفاس وأنحاء أخرى من جنوب فرنسا وشمال إيطاليا (33) .

وتستمر انتصارات البحرية الأندلسية وتهاجم مرسيليا ويستولي أسطول المسلمين على جزيرة صقلية وفي سنة (233هـ) غزا العرب روما وفي سنة 234هـ توجهت قوة بحرية لغزو أكبر جزائر البليار (34)، وكان نتيجة لهذه الانتصارت اضطرار الملك شارل الأصلع ملك فرنسا طلب الصلح بعد أن غزا العرب مرسيليا سنة 235هـ (35) .

لهذه الانتصارات التي حققها المسلمون كان شعور الفرنج على الرغم من انتصارهم في موقعة بلاط الشهداء *، ومعارك أخرى تتلخص في أن المسلمين قوة لا تقهر وأنهم على امتداد دولتهم يستطيعون زج طاقات بشرية غير محدودة .

ويرى العلامة (دوزي) أن انتصارات المسلمين في فتوحاتهم ما هي إلا معجزة: (وأي معجزة أروع وأعجب من أن ترى شعباً كان إلى زمن قليل في غاية الخمول، ثم ظهر إلى الدنيا فجأة، وظل يتقدم بسرعة لا مثيل لها ... ويتنصر على قطر بعد قطر، فتدين له البلاد بالطاعة والولاء وتقبل على دينه من كل حدب وصوب راضية غير مكرهة)(36) .

ويرى أن كثيراً من المسيحيين آمنوا بالإسلام عن عقيدة وإيمان، ويرى في انتصارات الرسول وفتوحات المسلمين التي لم تقف عند حد دلالة على معجزة هذا الرسول (37) .

ونذكر تاريخ البحرية الأندلسية في عهد عبد الرحمن الناصر (300-350هـ) وانتصارته بكل فخر واعتزاز، وقد خلدها ابن عبد ربه (328هـ) في أرجوزته المشهورة البالغ عدد أبياتها 443 بيتاً، يقول في بعض غزواته سنة 301هـ (38) : [ من الرجز ]

الصفحات