أنت هنا

قراءة كتاب البحرية الإسلامية في الشعر الأندلسي من الفتح حتى سقوط غرناطة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البحرية الإسلامية في الشعر الأندلسي من الفتح حتى سقوط غرناطة

البحرية الإسلامية في الشعر الأندلسي من الفتح حتى سقوط غرناطة

كتاب " البحرية الإسلامية في الشعر الأندلسي من الفتح حتى سقوط غرناطة " ، تأليف

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

سِبحانَ مَنْ لم تحوه أقطارُ

ولم تكن تدركه الأبصارُ

ومنها في المديح يقول :

لو خايل البحر ندى يديه
لغاض أو لكاد أن يغيضا

إذا لجت عفاته إليه (39)
ولاستحى من بعد أن يفيضا

ويذكر غزوته الثانية (سنة 301هـ) (40) :

ثم غزا في عُقب عامٍ قابل
ولم يدع ريَّة والجزيرة
حتى أناخ في ذرى قرمونه

فجالَ في شذونة والساحل
حتى كوى أكلبها الهريرة
بكلكلٍ كمدرةِ الطاحونة

ويتقدم أسطول الناصر (41) (300-350هـ) بقيادة أمير البحر عبد الملك بن سعيد بن أبي حمامة وقوامه أربعون مركباً منها عشرون من الجرافات التي تحمل النفط والآلات البحرية، وعشرون أخرى تحمل الرجالة المقاتلة، وعدة رجاله من الجند ألف رجل، ومن البحريين ألْفَا رجل، من ثغر المرية ويهزم الفرنج في مدينة بالش ويحيط المسلمون براً وبحراً بمدينة أنيش ويحرقوا مراكبها، ويتقدم الأسطول إلى مدينة برشلونة ويقتل قائد الأفرنج (بليط) ثم يعود الأسطول إلى مراسيه في المرية سنة 324هـ(42) .

ويتولى الحَكَم بن الناصر، وبعد تهديد الفاطميين سنة (353هـ) الإشراف على أعمال تحصين الأسطول بنفسه في ثغر المرية التي كانت أعظم قواعد الأسطول الأندلسي إذ بلغ عدد القطع الراسية يومئذٍ ثلاثمائة قطعة (43) .

ونصل إلى غزوات المنصور بن أبي عامر (44) (366هـ- 399هـ)، إذ بلغ شغفه بالجهاد حداً أنه كان يتولى القيادة في سائر غزواته بنفسه، وزادت غزواته على الخمسين وقد مثلت عنوان جهاد مستمر كان يرمي إلى غاية عسكرية وسياسية فطنة هي تحطيم العدو ونشر مبادئ الإسلام في إسبانيا ومن معاركه التي أعدَّ لها أسطولاً بحرياً ليضرب الأفرنج في صميم معقلهم وفي صميم زعامتهم الروحية بغزو جليقية في سنة (387هـ) وتظهر في هذه المسيرة قوة البحرية الأندلسية وانتصاراتها فقد اخترق الأسطول أسبانيا الغربية وقد فِرَّتْ جموع غفيرة من الفرنج إلى الجزائر المقابلة (وكانت عظيمة استبشر بها المسلمون، وقرَّتْ نفوسهم، واهتزت لها أسبانيا من أقصاها إلى أقصاها) (45)، ونظم ابن دراج القسطلي(421هـ)في تهنئة المنصور بهذه الغزوة(غزوة شنتياقة)أو(شنت ياقب)46*.

قصيدة منها (47) : [ من البسيط ]

اليومُ أنكصَ إبليسٌ على عقبه
وحَلْبَةُ الدين والإسلام عاطِفَةٌ

مُبرَّءاً سَبَبُ الغاوين من سَببه
عليك كالفَلَك الجاري على قطبه

ويسجل التاريخ أروع صور البطولة في سنة (389هـ) في غزوة المنصور (نافار) ومواصلة الجهاد في العام التالي وصولاً إلى عاصمة (سرقسطة) من دون أن يجرؤ أحد من الفرنج على الوقوف في سبيله (48)، ويورد محمد عبد الله عنان في ضوء هذه الانتصارات قول المؤرخ الأسباني (منديث بيدال) معلقاً على عصر المنصور: (عاش الإسلام في أسبانيا أروع أيامه وأسطعها وانتهى نصارى الشمال إلى حالة دفاع كانت مقرونة بالمحن، ولاح كأنهم لم يعيشوا إلا لتأدية الجزية والسلاح والأسرى والمجد للخلافة الأموية)(49) .

ويقول ابن الخطيب عن هذه الانتصارات : (ونَصَرَ الله المسلمين نصراً ما سُمِعَ بأعظم منه، واستشهد في هذه الوقيعة من صفوف المدوَّنة وغيرهم أزيد من سبعمائة رجل وذلك (سنة 390هـ) ))(50) .

ونصل إلى النصف الأول من القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي، عقب انهيار الخلافة الأموية، والدولة العامرية واستحالت الأندلس إلى أشلاء ممزقة وولايات متباعدة متخاصمة حيث قامت على انقاضها دول عديدة هزيلة هي دول الطوائف، وبعد أن التجأ الأندلسيون إلى أخوانهم المسلمين في عدوة المغرب، وانقاذ الأندلس بعد مجيء جيوش المرابطين سنة (479هـ- 1086م) تم دخول المرابطين ثانيةً لا، لنصرة الأندلس وإنما لاحتلالها وضمها إلى دولة المغرب تحت الحكم المرابطي لعدم قدرة المعتمد بن عباد (51) دفع ضرر ملك قشتالة، مما اضطره إلى عبور البحر لمقابلة يوسف بن تاشفين (52) أمير المرابطين ليستنصره بنفسه للجهاد وإنقاذ الأندلس (53)، وبعد استجابة زعيم المرابطين (بدأت الجيوش المرابطية تعبر البحر من سبتة تباعاً إلى ثغر الجزيرة، وما كادت السفن تتوسط ماء مضيق جبل طارق تتقدمها سفينة يوسف، حتى نهض الزعيم المرابطي ومدَّ يديه نحو السماء قائلاً: (اللهَّم إنْ كنت تعلم أن جوازي هذا خيراً وصلاحاً للمسلمين فسهل عليَّ جواز هذا البحر) (54) .

ومن شرق الأندلس تظهر مسيرة خيران العامري (421هـ) وإخضاعه مدينة مرسيه وانتزاعها من أفلح الصقلبي سنة (405هـ) وغَدَت المرية منذ ذلك الحين قاعدته الرئيسة، ويسجل أبو عمر بن دراج القسطلي هذه الأحداث بقصيدته المشهورة(55) : [ من الطويل ]

لكَ الخيرُ قدْ أوفى بعهدكَ خيران
إليك شحَنَا الفُلكَ تهوَي كأنها

وبشراك قد آواك عزُ وسلطان
وقد ذعرت عن مغرب الشمس غربان

وننتقل إلى مجاهد العامري (401-411هـ) أكبر زعماء العامريين وقد نشأ وتربى في عهد المنصور بن أبي عامر (326-392هـ)، وكان فيما يبدو بحاراً مجرباً، ويرى أن مملكته الساحلية دانيه والجزائر الشرقية، وأملاكه البحرية تقتضي أن يكون اعتمادها على الأساطيل قبل كل شيء، لذا جَدَدَ دار صناعة السفن وأعاد للأسطول البحري عافيته، إذ استطاع في مدة قصيرة أن ينشئ أسطولاً كبيراً وغدت دانية فيما بعد أعظم مركز للأساطيل الأندلسية، وعلى يديه تم فتح سردانيه سنة (406هـ) بعد أن حَشَدَ أسطولاً قوامه مئة وعشرون سفينة (56)، ويذكر عنان بأنه من أذكى الملوك وأعظم بحارة عصره: (أن مجاهداً كان من أذكى ملوك الطوائف ... وقد رأينا مما ذكرناه في غزوة ميورقة وغارات مجاهد البحرية على الشواطئ الفرنسية والإيطالية إن مجاهداً كان كذلك بحاراً من أعظم بحارة عصره، وكان من أكثرهم تمرساً بالحروب والغارات البحرية ))(57).

وإن ذهب العلامة (دوزي) إلى أن مجاهداً من أعظم القراصنة في عصره، أرى أنه لم يكن قرصاناً، وإنما كان مجاهداً مدافعاً عن وطنه (58) .

والأفرنج يسمون مجاهد العامري ؛ موجيت Mujet وكان اسمه يلقي الرعب في سكان كورسيكا وسردانية وبيزه وجنوه، وكانت غارات المسلمين على سواحل فرنسا تتوالى ولا تغيب إلى أن اشتدت قوة فرنسا البحرية (59) .

وفي تاريخ المسيرة البحرية يظهر يوسف بن تاشفين (510هـ) وهو يعبر البحر إلى الأندلس للمرة الثالثة (483هـ) لا، لنصرة الأندلسيين وتعزيز قوتهم البحرية ولا دفاعاً عن المسلمين وإنما ليقضي على أمراء الأندلس وعلى دولهم المنحلة المفككة وليستولي على غرناطة ثم على اشبيلية للقضاء على دولة بني عباد (60) .

أذكر وصفاً للسفن التي أُعدّتْ لنقل المعتمد بن عباد، لا وصفاً لانتصارات الأسطول الأندلسي، ذلك بعد سيطرة المرابطين ونفي المعتمد إلى إغمات في المغرب: (سارت السفن من أشبيلية في نهر الوادي الكبير في طريقها إلى العدوة في مناظر تذيب القلب حزناً وأسىً وضَجَّت جموع الشعب الغفيرة التي احتشدت على ضفتي النهر لوداع المعتمد بالبكاء والنواح )(61) .

ويؤرخ أبو بكر ابن اللبانة (507هـ) شاعر المعتمد لهذا الحدث في قصيدة طويلة منها (62) : [ من البسيط ]

والناس قد ملأوا العبرين واعتبروا
سارتْ سفائنهم والنوح يتبعها
كم سال في الماء من دمعٍ وكم حملت

من لؤلؤ طافيات فوق أزباد
كأنها إبل يحدو بها الحادي
تلك القطائع من قطعات أكباد

الصفحات