كتاب " دراسات في أدب العرب قبل الإسلام " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب دراسات في أدب العرب قبل الإسلام
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المقدمـــة
على الرغم من أن نشوء الخطابة مرتبط بنشوء الجماعات ، فأن المظان الأدبية ضَنَّت علينا في توضيح المعالم العامة للخطابة عند العرب قبل الإسلام . ولعنا نسوغ ذلك بأن العرب ولاسيما في جاهليتهم كانوا قبائل متبدية ، لا يربطها قانون عام أو حكومة منظمة ، بل هناك عرف وتقاليد لدى تلك القبائل يقوم على تنفيذها شيوخ القبائل ووجهاؤها ، إذ يعد الالتزام بالعرف القبلي بمثابة الدستور القبلي الذي ينبغي على الجميع مراعاته .
إنَّ حياة العرب في البلاد المعروفة باسمهم اقتضى منهم الحرية والحماسة في الإقليم الذي يَحْيوْنَ فيه ، وهم ذوو نفوس حساسة ، فأصبح للبلاغة وقعٌ شديد في نفوسهم، واقتضت المنازعات بينهم أن يتفاخروا ويتنافروا فاحتاجوا إلى الخطابة في الإقناع وتأليف الأحزاب . وقد غلب على موضوعات خطبهم المفاخرة بالأحساب والآداب في المجالس والأندية العمومية والخصوصية([1])، وهكذا قضت طبيعة حياة العرب لأنْ تنشأ لديهم الخطابة بتأثير في أبناء عصر الفروسية ، وأصحاب النفوس الأبية طلاب الاستقلال والحرية .
وإذا كانت المظان الأدبية لا تسعفنا في إبراز المعالم العامة للخطابة فإن ما بقي من نصوص الخطابة العربية في الحقبة السابقة للإسلام ـ على قلتها والإدعاء بانتحالها ـ يقنعنا على أنه كانت لدى العرب خطابة يقتضيها الحال . إذ غالباً ما يقوم بذلك من مَلَكَ القدرة على الكلام ، وفصاحة القول ، والمقدرة على إمالة آذان المستمعين نحو كلامه لكي يفهموا بعد ذلك مقصده من خطبته ، ولاسيما أن القبيلةَ في حماها تمثل صورة الدولة ، وشيخ القبيلة ومساعديه وأعوانه بمثابة الحكومة ، وهم يحتاجون إلى سياسة قبيلتهم ، وفض المنازعات والخصومات بين أفراد القبيلة أو بين القبيلة والقبائل الأخرى ، وهذا ما لا يمكن أن يقوم به إلاّ مَنْ ملكَ زمام القول ، والبلاغة والفصاحة .
وبعد هذه التوطئة ، فقد أرتأيتُ أن أقسّم البحث إلى مباحث صغيرة .
وما يؤيد وجود بعض معالم الخطابة لدى العرب ، ما ذكرته بعض مصادر الخطابة من أنهم كانوا يخطبون وعليهم العمائم ، وهم وقوف في أيديهم المخاصر ، ويعتمدون على الأرض بالقسي ويثيرون بالعصي والقنا ، وقد يخطبون وهم جلوس على رواحلهم([2]).