أنت هنا

قراءة كتاب دراسات في أدب العرب قبل الإسلام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دراسات في أدب العرب قبل الإسلام

دراسات في أدب العرب قبل الإسلام

كتاب " دراسات في أدب العرب قبل الإسلام " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6

وضعية الخطيب ومنزلته :

قبل بيان الهيأة التي ينبغي أن يكون عليها الخطيب العربي ، يقتضي الحديث عن منزلة الخطيب في قبيلته ، التي تعلقه تلك القبيلة على الدور الذي يضطلع به الخطيب ، إذ هو لا يختلف عن دور الشاعر فكلاهما ينافح عن قبيلته معدداً مفاخرها، متصارعاً خصومها ، ذائداً بلسانه عن حياضها ، لكن منزلة الخطيب أرفع من منزلة الشاعر ، إذ اكتسب مكانته المرموقة من خلال سمات لا تتوافر في الشعراء ، مصداق ذلك قول الجاحظ([25]): ( كان الشاعر في الجاهلية يقدم على الخطيب لفرط حاجتهم للشعر ، فلما كثر الشعراء ، واتخذوا الشعر مكسبة ، ورحلوا إلى السوقة ، وتسرعوا إلى أعراض الناس صار الخطيب عندهم فوق منزلة الشاعر، ويظهر أن هناك شيئاً آخر يتوافر في الخطيب ويعدم عند الشاعر ، وهو أن الخطيب غالباً ما يكون سيداً أو وجهاً بارزاً من وجوه القبيلة ممن يكون لهم قول فصل في المهم من الأمور سلماً أم حرباً ، إذ يتطلب منه ذلك أن يكون ( عارفاً بمواقع القول وأوقاته ) إذ يعطي لكل قوم من القول بمقدارهم ويزنهم بوزنهم([26]) أي لكل مقام مقال ، وحقيقة الأمر أن ليست هناك حدودٌ فاصلة بين كل من الخطيب والشاعر فيما يؤديه كل منهما من خير لقبيلته ، إلاّ أن الفارق الوحيد هو أن الخطيب غالباً ما يكون سيداً لقبيلة أو شخصاً ذا مكانة قريبة من سيدها ، ولذا اقترنت الخطابة بالزعماء منذ أقدم العصور ، يؤيد ذلك الألفاظ التي كان العرب يعبّرون عنها بها عمن يتولى حكم القوم إذ هي عند أهل الحجاز السيد والأمير والقيل في أنحاء اليمن وأن هؤلاء يحتاجون إلى من يمدحهم من قومهم ولاسيما الشعراء الذين كانوا يمدحون سادة القبائل وأمراءها الناطقين بلسانها ، ولذلك كثر الشعراء المادحون لهؤلاء الأمراء والإقيال موضحين دورهم في حياة القبيلة([27]).

وكان للخطباء العرب في عصر ما قبل الإسلام هيئات يكونون عليها عند إلقاء خطبهم ، إذ كانوا يخطبون على رواحلهم ويلوتون العمائم ، ويتخذون المخاصر ويعتمدون على الأرض بالقسي ويثيرون بالعصا ، وقد بيّن هذا الجاحظ عند رده على الشعوبية بطعنها العرب الخطباء لأخذهم المخصرة والقضيب والاعتماد على القسي والخد في الأرض ، والإشارة بالقضيب([28]) ولعلهم في هذا يدعون الخطيب على أن يقلل من التنحنح والسعال والعبث باللحية ([29]).

ويبدو أن اتخاذ الخطيب إلقاء خطبته من مكان مرتفع كالراحلة مثلاً أو نشز من الأرض كان الهدف منه إبعاد مدى الصوت ، وللتأثير بشخصية الخطيب وإظهار ملامح وجهه وحركات جوارحه([30]) وفضلاً عن هذا فأن اعتمادهم على المخصرة أو العصا أو القنا يقصد منه الإشارة بإحداها([31]).

وإلى جانب ما ذكر ، فإن هناك سمات ، بعضها معنوي ، ينبغي أن تكون في الخطيب، منها أن : أن يكون قليل اللحظ ، جهر الصوت ، متميز اللفظ ، قوي الحجة ، نظيف البزة ، كريم الأصل عاملاً بما يقول([32]). وفضلاً عما ذكر ، فأنه ينبغي أن يكون الخطيب متمكناً من اللغة التي يخاطب بها ، عارفاً أقدار مستمعيه على استيعاب ما يقول ليتمكن بذلك من دخول قلوبهم بقوة الحجة وفصاحة البيان .

الصفحات