كتاب " دراسات في أدب العرب قبل الإسلام " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب دراسات في أدب العرب قبل الإسلام
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الخطابـة
قبل أن نعرّف الخطابة ينبغي القول بأنها ة والكتابة من ضروب النثر ، وإن عماد الأولى اللسان ، والثانية القلم . إذن الخطابة ضرب من التكلم ، وهي إذا توافرت داعيتها ، ووفرت أداتها ، وقلت كفاية الكتابة أو ثقلت مَؤونتها التأثير ، لما فيها من حضور المتكلم بشخصه ، ودفاعه عن رأيه ، وإفاضته في كل ما يؤيد مذهبه ، ومن طبيعة القبائل المتبدية التي تعمها الأمية ، ولا يربطها قانون عام ولا تضبطها حكومة منظمة ، ولا راية سلطة واحدة ـ مثل حال العرب في جاهليتهم ـ أن تكون الخطابة لها ضرورية وفطرية([3]).
من هذا التعريف يمكننا القول بأن الخطيب الجيد ذا الخطبة الجيدة هو من يمتلك القدرة على إقناع سامعيه بما يدعو إليه موثقاً بحجج الإقناع ، وبعد إقناعهم استمالتهم على وفق الهدف الذي يقصد إليه ذلك الخطيب .
كما أفصح العرب في المدة السابقة للإسلام عن نفوسهم بشعرهم ، فكذلك أعربوا عما يجول في خواطرهم في مضاربهم ، وأسواقهم عن طريق الخطابة حيث أسعفتهم قوة البيان التي يمتلكون والفصاحة وحضور البديهية ، يؤيد ذلك : ( وكل شيء للعرب ، فإنما هو بديهية وارتجال ، وكأنه إلهام ، وليست هناك معاناة ولا مكابدة ولا إجالة فكر ولا استعانة ، وإنما هو أن يصرف وَهْمَهُ إلى الكلام ... وتنثال عليه الألفاظ انثيالاً وكان الكلام الجيد عندهم أَظهر وأكثر ، وهم عليه أقدر ، وله أقهر ، وكل واحد في نفسه أَنطق ، ومكانه من البيان أَرفع ، وخطباؤهم للكلام أوجد ، والكلام عليهم أَسهل ، وهو عليهم أيسر )([4]) .
من هذا نخلص إلى أن العرب في المدة السابقة للإسلام ، كانت لهم خطابة ، تقوم على الارتجال من غير إجالة فكر ، ولا استعانة ، بل لعلهم قد ألهموا الخطابة إلهاماً ، كما يقول الجاحظ ، ولكن مقتضى الحال يقتضي القول بأَنه لا بد للإنسان بخاصة الخطيب من استحضار ما يريد قوله في فكره ، وإلاّ جاء ذلك الكلام غير مطابق للمقاصد والأهداف التي يريدها الخطيب .