أنت هنا

قراءة كتاب أصل وفصل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أصل وفصل

أصل وفصل

كتاب " أصل وفصل " ، للمؤلفة سحر خليفة ، والذي صدر عن دار الجندي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 7

*****

جد الأجداد الشيخ قحطان صار من العلية والأعيان. كان يعتصر الفلاحين ويذيق البدو مرّ الأهوال فأسماه الناس الشيخ قاحط. حتى أن إماما من الأوقاف قال عنه في خطبة جمعة أمام الجموع: الناس بقحط ونحن بقحطين، يعني قحطان. وحين جيء بالشيخ كي يحاكم، قال للدرك: أنا ما قصدت قحط الوالي، إنما قصدت قحط المولى -جل جلاله- لأن الجراد لم يُبق لنا عرقا أخضر. قحط المجاعة وعرفناه، ثم جاء الجراد ليمحقنا فصرنا بقحطين، يعني قحطان، هذا ما قصدت. أخلوا سبيلي. فأخلوا سبيله. لكن الناس فرحوا جدا بذاك التعبير، وصاروا يقولون لمن يبخل أو يتجبَّر: أنت قاحط، أنت قحطان. ولمن انضحك عليه من التجار والفلاحين: أنت مقحوط، أنت مقحِّط.

إذن جدي الشيخ قحطان صار وجيها ومن والأعيان، فسكن المدينة وطوّرها وبنى قصرا يشبه قصور بني الأحمر في غرناطة فيه أعمدة وجنائن وبرك ومآذن وسراديب. كان السرداب لحبس الأشرار، أي لمن لا يلتزم بدفع الضريبة والجزية أو يتمرد على حكم الوالي والسلطان. وكان السرداب مثل مغارة طويلة كالنفق عند المدخل وتمتد طولا تحت الأرض حتى تصل سفح جرزيم. كان من يدخل في السرداب لا يخرج منه إلا للقبر، فأسماه الناس بحبس الدم. وحبس الدم صار لقبا يطلق على الشارع برمته ليومنا هذا. فإذا مررت بحبس الدم وأنت قادم من باب الساحة وخان التجار تجد المذكور على يمينك في ذاك الزقاق، لأن الشارع صار زقاقا مع مرور الزمن واتساع المكان. صار الناس بمئات الألوف، وصارت نابلس أم السنجق مدينة بقضاء وفلاحين وزيت وزيتون وجبنة غنم وصابون شهير، وصارت شوارعها مرصوفة ببلاط ناعم للعربات وبغال الجيش والبلدية، وصارت بجنود بتنانير من اسكتلنده وايرلندة إضافة إلى الهند واستراليا وسود السنغال. وكذلك صارت بحاخامات جاءوا من روسيا وبولندة ثم أميركان. لكن الأميركان تأخّروا جدا، أو بعض الشيء، لأن الانجليز ظلوا في البلد حتى داخت، وصارت بيهود بعد الجراد والمجاعة والشيخ قحطان.

*****

الشيخ قحطان ليس فريدا، فمثله أمثال. قبيلة قحطان في المدينة صارت عائلة كبيرة، عريقة جدا، ذات أركان وزوايا. ومثلها في العراقة والهيبة وخراج المال عدد محدود من العائلات و كلّها تمتد إلى مكة والنسب الشريف والصحابة والحسن والحسين. أما جدي، فهو قحطان إبن قحطان يضاهي الآخرين حسبا ونسبا، لأنّه أيضا من أصل شريف وامتداد الرسول. وهؤلاء، كل هؤلاء، صاروا الأعيان والقادة بمرور الوقت، وتوارثوا الألقاب والوظائف وحتى الأوقاف أباً عن جد، وأيضا توارثوا حروب الغبراء والتنافس على كسب ود من حكمونا بدءا من الأتراك وبريطانيا حتى أميركا وأبناء سام. لكن للحق كان منهم من ضحّى من أجلنا، وآخرون من ضحوا بنا لدرجة أن بن غوريون، شيخ اليهود، قال يوما أن باستطاعته شراء أكبر عربي مهما تكبَّر. وهذا للحق قول مردود على قائله لأن المذكور هو الآخر لبس الطربوش وخدم السلطان وتذيَّل له وتغزل به قبل أن يعلو ويتربع على عرش اليهود. وكذلك وايزمان ذو المقام الرفيع قال عن الشيوخ ما قال ذاك. قال عن القادة والأعيان ما أكده بعض الشعراء والموثوقين في ذاك الزمن، زمن التشهير، وما أكَّدته الوثائق وصكوك البيع. لكن بالرغم من كل ذاك البيع وتلك السرقات، لم يرقَ أحد من العربان إلى ما وصل إليه أبناء سام، إذ سرقوا بلدا بأكمله، بكل قراه، بكل مدنه، بالدور بالعفش وحلي النساء. وكل ما قيل عن الشيخ قحطان وأمثاله يعد غبارا إذا ما قيس بما فعله شيوخ اليهود بأبناء الرسول والشيخ قحطان.

الصفحات