أنت هنا

قراءة كتاب أصل وفصل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أصل وفصل

أصل وفصل

كتاب " أصل وفصل " ، للمؤلفة سحر خليفة ، والذي صدر عن دار الجندي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 8

زلزال كبير هزّ الدنيا وعيلة قحطان

انهدمت دار آل قحطان على من فيها ومات كبيرها وهو شحاذ وأعمى ومقطوع بلا ذرية، ولم يبق له من أصل وفصل إلا ستي وأخوها الغبي ذو العيون الزرقاء الخابية مثل الإفرنج. فأرسلت ستي في طلبه حتى يتقاسما بقايا الميراث فلم يجبها. كان قد سافر إلى مكة في بعثة حج كمرافق، فالتقطته امرأة غنية من الحجاز وتزوجته، لأنّه كان جميلا وكانت بشعة. لكنها كانت أذكى وأغنى وأهم، فجعلته مُهمَّا بعد خمول، وجعلته غنيا بعد فقر، وأنجبت منه دستة أطفال، فترسخ وكبر وانتفخ ونسي أصله. وهكذا حين جاء ميراث ذاك العم وهو عبارة عن دار مهدمَّة وحاكورة وبابور طحين لم يكلِّف نفسه عناء الرد أو حتى السؤال. كيف لا؟ وهو لم يسأل عن أخته، وما حل بها بعد الرملة، وعن مدينته بعد الزلزال، وعن أهل الحي وعن أهله! فرأت ستي أن الله قد كافأها وأستدّ لها من ذاك العم بأن جعلها الوريثة الوحيدة لأملاكه، بما فيها بقايا الدار والحاكورة وبابور الطحين. وحين أجالت النظر في تلك الدار وجدت أن الزلزال قد أبقى منها غرفتين في وضع سليم صالحتين للسكن، وبابور طحين مليء بالعناكب وبعر الفئران. أما الحاكورة فما زالت – رغم الإهمال– تنعم بعبير زهر النارنج والياسمينة فوق البركة وأنقاض الدار. فنادت بِكرها، وقالت: يا وحيد، تعال يا ابني، هذه الدار صارت لنا والحاكورة وبابور الطحين. سنقيم هنا.

نظر حوله ورأى الأنقاض، فقال بدهشة:

- هذي خرابة!

قالت بحزم:

- هذه الدار سنصلحها، والحاكورة سننظفها، وبابور الطحين تُديره أنت.

كان الولد ما زال في الثالثة عشرة من عمره وكان ما زال يقرأ عند الكتّاب، ويفك الخط. ومن حسن الحظ انّه لم يرث ذكاء خاله، فحفظ الفاتحة وجدول الضرب وبعض الأشعار.

قال لها، وهو يفكر:

- طيب الدار سنصلحها، والحاكورة سننظفها، أما البابور فكيف أُشغِّله؟ أنا لا أعرف.

قالت بحزم:

- تعال يا ابني، تعال معي. في البداية تشتغل عند الطحان حتى تتعلم أصول الطحن وتحصل على أجر يساعدني، لأن الخياطة لا تأتينا إلا بقروش.

هزّ الولد رأسه بدون تعليق، إذ كان يعرف رغم صغره أن العائلة بحاجة إليه فهو الأكبر، أما الباقون فما زالوا أطفالا بلا قوة قاصرين وأيتاما. وحتى هو كان قاصرا ورقيق العود إلا انّه كان ذكيا، وكان قد تعلم عند الكتّاب. والتعليم في ذاك الزمن بضع سنوات عند الكتّاب كان بمقام البكالوريوس. وهو وقد بات يتيما ولديه أم قادرة تفتح بالقمر وتحلم أحلاما لها معنى، فقد أحس أن الأقدار قد اختارته ليقوم بأعمال هامة. وهكذا هجر الكتّاب وبدأ يعمل. يحمل أكياس القمح على ظهره وينقلها من هنا لهناك ومن تحت لفوق. وبعد شهرين بدأ يطحن. وبعد سنة أدار البابور. وبعد سنتين فكَّ البابور وأصلحه وزيَّته وجعله يدور مثل الساعة. ورث الموهبة عن الوالد، لكنه بات أقوى لأنّه مسنود بأم مكشوف عنها الحجاب وبجدول ضرب تعلَّمه عند الكتّاب. أما ستي، فقد استمرت في تحصيل القرش من الخِياطة ورقع القنابيز. وحين رأت أن ابنها بدأ يتذمّر وبابور الطحين بدأ يخسر، حيث أن اليهود بدءوا يتوافدون على الساحل ويحضرون مطاحن حديثة وسيارات تمشي على النفط، قالت لابنها: نبيع البابور ونشتري سيارة تُشغِّلها على خط حيفا. وكان السائق في ذاك الزمن له هيبة مثل الطيار في هذا الوقت. أما السيارة فكانت حينها أعجوبة مثل الصاروخ وسفن الفضاء اليوم. وهكذا فحين عاد إلى نابلس يسوق الشفروليه على تراب الأرض وبلاط السوق وقف الناس يتفرجون على الحنطور العجيب الغريب، الذي لا ينجر بأية دابة بل يمشي وحده من غير حصان! أما وحيد فقد جلس خلف المقود ينظر إلى الناس باعتزاز عظيم وهم يلمسون مقدمة الحنطور وينفضون أيديهم ويقولون: سُخن!! وينادون بعضهم بعضا، ويقولون: عمرك شُفت حنطور بلا حصان؟ فيقول: لا. ويقترب من الحنطور ويجس مقدمته، ويقول: سخن! سبحان الله! عشنا وشفنا. الله ينجينا من الأعظم. شو يا وحيد، منين هالفنون؟

الصفحات