أنت هنا

قراءة كتاب العالم الإسلامي وتحديات 11 شتنبر 2011

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العالم الإسلامي وتحديات 11 شتنبر 2011

العالم الإسلامي وتحديات 11 شتنبر 2011

كتاب " العالم الإسلامي وتحديات 11 شتنبر 2011 " ، تأليف د .

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

3 - تحدي التجديد الديني

3 - 1: بين التجديد الديني والتحديث الديني

تتخذ هذه الإشكالية عناوين مختلفة من قبيل الإصلاح الديني أو تحديث العقل الديني. وبما أننا نتحدث عن الإسلامي، فالعنوان يتحول نحو الدارس للكتابات العربية التي عالجت هذا الموضوع أي (نقد العقل الديني) أو «العقل الإسلامي) أو (العقل المسلم) لا يسعه إلا أن يقف على قاسم مشترك بين القائلين والمتكلمين والكتاب، يتمثل في اختيار العديد من الباحثين المسلمين لمنطقات فكرية وعقدية صاغها الاستشراق، ومهدت أرضياتها أسماء لا تمت للعرب ولا المسلمين بأي صلة، وكذلك شأنها بالنسبة إلى الإسلام ديناً وفهماً وأخلاقاً ومعاملات، وعلوماً على الأخص. وبذرة دائمة التجدد لثقافة كونية لم يستوعبها العرب والمسلمون بعد. والحال أن الباحث في المنطلقات والأرضيات أو المقدمات الاستشراقية، والغربية، سيجدها قائمة على علاقة مع الديني والعقدي لا يجوز مطلقاً أن نطبقها على الإسلام والمسلمين.

وحسب أحد الباحثين، فإن المنطلقات الاستشراقية تبقى بمثابة الجذور المؤسسة التي جعلت العقل الغربي يبدأ أول الأمر بالتنكر لكل ما هو ديني وعقدي ضداً على الكنيسة، وإمعاناً في مقابلة إذلالها للعقل بإذلال أنكى وأكبر، ثم يعود بعد ذلك إلى مناولة الشأن الديني، بعد أن انكسرت شوكة الكنيسة، بمنطق مادي وجودي يمليه عليه خوفه الشديد والدفين من أن يزل مرة أخرى فيعيد إنتاج نفس التجربة الفاشلة من جديد. وطبيعي أن مثل هذا الفكر لا يسعه إلا أن يتخذ لنفسه ولرواده مساراً في الاتجاه المعاكس مع هذا الأخير، أي خارج الدين وضداً عليه، ومن ثم، فإن تدخله في تقييم المعتقدات الإسلامية وإبداء الرأي فيها، وفي التراث الفكري المتولد عن رجالاتها وجهابذتها، من السلف الصالح ومن الكفاءات العلمية المعاصرة والتي لا تقل عن ذلك السلف عدداً وعدة، ولا تنقص عنه كماً وكيفاً فكريين، ينبغي أن نرفضه نحن المسلمين، من أساسه، لا على رد الدين للغرب المستعمر، أو من قبيل تفجير عقد نقصنا أمام تفوقه وغلبته وفتوحاته العلمية المتتالية والمستمرة، كما يدعي بعض مثقفينا المتغربين، وإنما من باب توخى الموضوعية والنزاهة العلميتين اللتين يتشدق الغربيون أنفسهم باحترامهما، ويعتبرون ذلك أساس تفوقهم وغلبتهم، واللتين تخونانهم يقيناً في مثل هذا الموقف، بسبب أحكامهم القيمية والمسبقة تجاه كل ما له علاقة بالدين، والوحي، بالأنبياء والرسل، وبالخلق الأول[13].

وعموماً، يبقى التجديد الديني أقدم وأرسخ عمقاً في الذاكرة الإسلامية من المطالب الغربية، وخاصة المطالب الأمريكية التي تطالب بالتجديد والتحديث والإصلاح، والتي غالباً ما تأتي في شكل ضغوط على الدول الإسلامية، ونرى أنه من الأفضل لنا، أن ننخرط جميعاً في معالجة سؤال التجديد الديني انطلاقا من احترام السنة الإلهية التي تمثل ضماناً لا ضمان يعلو عليه، على رهن قضايا التجديد بضغوط سياسية عابرة، ومرتبطة بأسباب غالباً ما تكون ظرفية ومحدودة الأفق، وقد تخدم مصالح دولة أكثر من أخرى، هذا إن لم تكن رغبة غربية ملتوية تهدف إلى هندسة الإسلام بشكل يروق لهذه الجهات، تحت شعار التبشير بالرسالة الأخلاقية للأمة الأمريكية. إن خطابات الإصلاح والتطوير والتجديد الديني في إطار شامل تبقى أقدم وأرسخ وأكثر عمقاً في تاريخنا الثقافي والسياسي من خطاب الإدارة الأمريكية، بل نجزم بأن مشروع التجديد الديني ليست بدعة ولا حدثاً عارضاً وإنما بدأ مبكراً في القرن الثالث الهجري. فتاريخنا التجديدي والإصلاحي ولحظات تألقه وازدهاره كانت ولا تزال تعبيراً عن احتياج فقهي وروحي ومجتمعي وتاريخي، تولد من داخل البنيات الداخلية أساساً، ولم يكن محض تعبير عن ضغوط ومطالب خارجية، وإذا حدث أحياناً فقد كان استجابة لنمطين من المطالبات والمؤثرات الداخلية والخارجية، والأخيرة لم يجد أكابر الفقهاء المجددين حرجاً من التصدي لها بالإبداع الفقهي الأصيل والمتجدد.

ولقد سبق للشيخ أمين الخولي أن تحدث عن شرعية اصطلاح (التجديد الديني)، عندما أشار إلى أن «الحديث عن التجديد بدأ مبكراً منذ نحو القرن الثالث الهجري، ولم يبق بعد ذلك مقال لقائل، ولا اعتراض لمعترض، ولم تعد فكرة التجديد بدعاً من الأمر يختلف الناس حوله، فتخسر الحياة ضحايا من الأشخاص والأعراض والأوقات مما ينبغي أن تدخره هذه الحياة لتفيد منه في ميادين نشاطها».

نحن إزاء اصطلاحات وأفكار واجتهادات إبداعية كشفت عن عمق وأصالة اتجاهات التجديد في الفكر الديني الإسلامي وقدرته على المواكبة وإنتاج الأفكار الخلاقة اجتهاداً وبحثاً وتأصيلاً ونقداً.

علينا أن نحدد طبيعة التجديد الذي يصلح لعالمنا العربي والإسلامي وأن نحدد ونتفق على الأرضية والمنطلقات التي نؤسس عليها خطاب التجديد الذاتي، وليس تجديداً مفروضاً بالترهيب والتهديد والوعيد، ولهذا كان محقاً سماحة الشيخ أحمد كفتارو عندما أشار إلى أن «كلمة التجديد في الإسلام لا تعني تغيير الأحكام الثابتة النابعة من الأصول التشريعية، والإسلام يدعو إلى الفضائل والحقائق الواضحة في حياة الإنسان والكون، ومن يجهل فيدعو إلى محاربة الفضائل والتخلي عن منهج البحث عن الحقائق التي يدعو إليها الإسلام، فقد جانب الصواب ودعا إلى الجهالة»[14].

وإذا كان العديد من الباحثين يؤكدون على أن الربط بين الإصلاح والتجديد الديني بضغوط أمريكية وأوروبية، يشكل عائقاً نفسياً إزاء تداخل المفكرين أو المشايخ لإعادة التوازن إلي إطار طرح مسألة الإصلاح أو التجديد في الفكر الديني بحيث أدى إلى شيوع خوف بعضهم من الربط بين الضغوط الغربية وبين مطالباتهم بالإصلاح، لا يجب أن يقف عائقاً أمام فتح باب الاجتهاد الديني والتركيز على مفهوم الاجتهاد في الدين انطلاقاً من منطوق الأثر النبوي، وليس التحديث في الدين، لأن القول بالتجديد الديني لا يعني في شيء القول بالتحديث الديني، فالتجديد يكون في الدين، حيث لا توجد، ولا يمكن أن تكون، هناك قطيعة مع التراث، على عكس التحديث، وكما كان في القارة الأوربية، حيث جاء ليكرس قطيعة مع الماضي، وهذا يعني أنه يجوز الحديث عن التجديد في الدين، وليس التحديث فيه.

الصفحات