أنت هنا
قراءة كتاب إسرائيل والقنبلة النووية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
لقد شعرت جميع الأحزاب اليمينية واليسارية في إسرائيل، ومنذ اتخاذ القرارات الحاسمة حول إقامة مفاعل الديمونة، وكل ما يترتب عليه خلال عامي 57-1958، أنه لا يجوز لها الإعراب عن تحفظاتها من البرامج النووية علنا، ونظرا لسرية هذه القضية وتعقيداتها الفنية، لم يكن الكثيرون يمتلكون المعلومات المطلوبة لمناقشتها، بل وحتى أولئك الذين كانوا على علم باهتمام بن غوريون بهذه القضية، لم يكونوا على استعداد لمناقشتها علنا، ورغم تلك التحفظات أخذت الأحزاب اليمينية الصهيونية على عاتقها مبدأ "قدسية الأمن" أما أولئك الذين أصروا على مناقشة القضية علنا، فقد شددت الرقابة العسكرية يدها عليهم، ومنعتهم من طرحها علنا، رغم أن الرقابة لم تكن تستند إلى الالتزام الذاتي للجماهير، والذي يعتبر أحد أسس الغموض لسياسة إسرائيل النووية في الماضي والحاضر.
ازدادت التوجهات نحو الغموض على عهد أشكول حيث بقيت القضية النووية معزولة عن جميع القضايا والممارسات السياسية الأخرى، وعلى ما يبدو أن أشكول مثله كمثل رئيس الحكومة الذي سبقه لم يطرح هذه القضية على الحكومة.
وفي أعقاب حرب 1967 تقدمت إسرائيل باتجاه وضع "قنبلة في المخزن"، وأصبحت السياسات الحزبية أقل أهمية لسياستها النووية وأصبحت السياسة البيروقراطية أكثر أهمية، فأصبح المشرفون على الوضع النووي وليس السياسيون المنتخبون هم المسؤولون عن اتخاذ القرارات الفعلية، فميثاق الحد من انتشار الأسلحة النووية مثلا، لم يناقش في الحكومة أبدا، وحتى عام 1970 نشأ تقليد ينص على أن لا علاقة للسياسات الداخلية في إسرائيل بالسياسات النووية الإسرائيلية، ولا يمكن اعتبارها المكان المناسب لمناقشتها، وأصبح هذا التقليد بمثابة أحد الأسس الهامة التي يقوم عليها الغموض.
أسهمت العلاقات الإسرائيلية مع الجهات الأجنبية في بلورة الغموض النووي، فقد كانت علاقة إسرائيل مع فرنسا في بداية المشرع النووي حيوية للغاية لإسرائيل على صعيد تمكينها من بدء طريق تصنيع القنبلة النووية، وقد تمثلت المساهمة الفرنسية في هذا الطريق بأكثر من تزويد إسرائيل بالمواد والمعلومات المجردة.
ففي منتصف الخمسينات تعلم شمعون بيرس ونظراؤه في باريس كيف يمكن لدولة ديموقراطية أن تصبح دولة نووية دون أن تتخذ أية قرارات علنية بهذا الصدد، ونظرا لأن الوضع على هذا النحو، فقد نشأ تشابه كبير بين اشتغال الفرنسيين والإسرائيليين بالقضايا النووية.
كانت فرنسا هي الدولة التي تعلمت إسرائيل على أيديها كيف يمكن لدولة ديموقراطية السير على طريق الغموض النووي، بيد أن الولايات المتحدة كانت الدولة العظمى التي أسهمت ردودها على البرامج النووية الإسرائيلية، وإلى حد كبير، في بلورة طريق إسرائيل الملتوية إلى الغموض.
ويتضح من السجلات أن الأسلوب الذي حصلت إسرائيل عبره على مقدرتها النووية، وأساليب النشر التي طورتها، تأثرت إلى حد كبير من تطور سياسات عدم النشر الأميركية في الستينات.
لم تكن الولايات المتحدة قادرة على كبح جماح برامج إسرائيل النووية، بيد أن الحوار الأميركي الإسرائيلي بشأن الوضع الأمني هو الذي أسهم في تحديد وترسيم الطابع الخاص لكيفية أن تصبح إسرائيل دولة حائزة على الأسلحة النووية. لقد فعلت إسرائيل ذلك متوخية الغموض آخذة بعين الاعتبار سياسة الولايات المتحدة، ورغبة منها في عدم معارضة السياسة الأميركية لعدم نشر الأسلحة النووية.
بدأت الولايات المتحدة وإسرائيل في سنوات الستينات بتلمس طريقها للعثور على الردود الناجعة لسد احتياجاتهما الاستراتيجية وأهدافهما الوطنية، ومطالبهما السياسية، وقد تواصلت عملية البحث آنفة الذكر طيلة عقد كامل، تحت رعاية الرؤساء: كيندي وبن غوريون، وجونسون وأشكول، ونيكسون وغولدا مائير.
وتقدمت عمليات البحث والتلمس في مسرب ديالكتيكي يتناول ثلاث مراحل سياسية: مواجهات، ضبابية، ومصالحات، وقد كان الغموض النووي الإسرائيلي الرد المناسب لذلك البحث والتفتيش الذي تواصل عقدا.
كانت نووية إسرائيل إحدى العوامل الهامة في بلورة وتطوير السياسة الأميركية للحد من انتشار الأسلحة النووية طيلة سنوات الستينات، لقد كانت إسرائيل أول حالة من حالات نشر الأسلحة النووية التي اضطرت الولايات المتحدة لمواجهتها في أعقاب حصول الاتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا والصين على السلاح النووي، هذا في الوقت الذي لم تكن فيه الولايات المتحدة قد طورت لنفسها فيه سياسة مبلورة حول الحد من انتشار الأسلحة النووية.
كانت إسرائيل دولة صغيرة، وصديقة، ومحاطة بالعديد من الأعداء الأكبر منها، هذا إضافة إلى أنها لم تكن كألمانيا الغربية-التي كانت تطلعاتها النووية تقلق الولايات المتحدة، فقد كانت خارج إطار التأثير المباشر على الدول العظمى.
وعلى عكس فرنسا وبريطانيا والاتحاد السوفيتي-ثم الصين والهند فيما بعد-لم تكن إسرائيل تسعى للوصول إلى مكانة عظمى، أضف إلى ذلك أن إسرائيل كانت تتمتع بدعم كبير من قبل الساحة السياسية الأميركية الداخلية.
لقد برزت التحديات المرتبطة بتجسيد معارضة الولايات المتحدة لانتشار الأسلحة النووية في الحالة الإسرائيلية المعقدة، على المدى الطويل، وقدمت ثلاث عبر لثلاث حكومات أميركية في سعيها للحد من انتشار الأسلحة النووية، وبلورة سياسة خاصة بذلك.
تمحورت الحوارات الإسرائيلية الأميركية على الصعيد الأمني في سنوات الستينات حول ثلاث قضايا: تزويد الولايات المتحدة لإسرائيل بالأسلحة التقليدية، وتقديمها ضمانات لأمن إسرائيل، وكبح جماح مخططاتها وبرامجها النووية.
ومن الجدير بالذكر أن الدولتين وصلتا في بعض الحالات إلى شن الصدام، لكن الأمور لم تصل في أية مرة إلى مرحلة المواجهة العلنية لأن أي طرف منهما لم يكن معنيا بذلك، وقد تعلمت الدولتان من هذه الصدامات وشبه الصدامات العديد من العبر العميقة على صعيد كيفية التعامل مع المخططات النووية الإسرائيلية.
كانت الدول العربية-وعلى وجه الخصوص مصر-أحد العوامل التي أثرت على الموقف النووي الإسرائيلي، فقد حرصت إسرائيل على عدم حث دول عربية على تطوير أسلحة نووية، لذا كانت السرية والضبابية حيوية وضرورية جدا لمنع التحديات للعرب. هذا إضافة إلى أنه كانت هناك قناعة لدى الكثيرين بأنه إذا ما اقتنع العرب بأن إسرائيل تطور أسلحة نووية، فسوف يقومون بتوجيه ضربة وقائية على الديمونة لوضع حد للخطوة الإسرائيلية، وقد تمثلت هذه المخاوف في النقاشات التي جرت بين الولايات المتحدة وإسرائيل في تلك الأيام، فقد خشي الأميركيون من أن يحث تسلح إسرائيل النووي الاتحاد السوفيتي للدخول في السباق، لتصعيد التسلح النووي في الشرق الأوسط، سواء أكان ذلك عبر تزويد مصر بالأسلحة النووية، أو بإدخالها تحت المظلة النووية السوفييتية.
وعدا عن مساهمة المخططات النووية الإسرائيلية في تصعيد الأزمة التي سبقت نشوب حرب 1967، فإنها لم تصبح مسألة مهمة في العالم العربي، وطالما حافظت إسرائيل على هدوئها، فضلت الدول العربية اعتبار الأمر قضية هامشية.
أدت الهزيمة التي منيت بها مصر خلال حرب 1967 إلى خلق الظروف المناسبة لانتقال إسرائيل من مرحلة الضبابية إلى الغموض، ورغم ذلك واصلت الدول العربية طريقها المتمثل في استغلال الغموض النووي الإسرائيلي للحفاظ على مستوى متدن من الاهتمام بشأن القضية النووية.
لقد شاءت المفارقات أن يصبح العرب شركاء-هامشيين- في خلق الغموض النووي الإسرائيلي.
أصبحت مسألة المكانة النووية الإسرائيلية أكثر تعقيدا في أعقاب حرب 1967، فقد أصبحت إسرائيل في تلك الآونة معنية بتغيير طبيعة تعاملها مع خطتها النووية، دون أن تنتهك التزاماتها المعلنة، وفي تشرين الأول 1968 أعلن رئيس الحكومة ليفي أشكول ووزير الخارجية أبا ايبان أن إسرائيل "تعرف سر تطوير القنبلة النووية، بيد أن الطريق حتى صناعتها لا زالت طويلة".
-قالا ذلك في جريدة هآرتس في الرابع والثامن من تشرين الأول 1968-.تركت التصريحات آنفة الذكر سؤالا معلقا في الهواء: ما الذي تفعله إسرائيل في المجال النووي، وأوضحت أنه يتوجب اعتبارها دولة ذات مقدرة نووية.
أصبحت هذه المسألة بمثابة حجر الزاوية في النزاع القائم بين إسرائيل والولايات المتحدة في أواخر 1968، خلال المفاوضات التي جرت بين الدولتين لبيع إسرائيل طائرات نفاثة مقاتلة من طراز (اف-4).
طرحت خلال السنتين الأوليتين من ولاية الرئيس الأميركي نيكسون، مرة أخرى، قضية التزام إسرائيل بعدم إدخال الأسلحة النووية إلى الشرق الأوسط، بيد أن ذلك لم يستمر زمنا طويلا، ففي عام 1970 بات مقبولا القول بأن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية.
اختارت إسرائيل أسلوبا غريبا للحصول على كفاءة ردع نووية مستقلة، وهذا الكتاب يصف ذلك الأسلوب وشركاء إسرائيل فيه.