أنت هنا
قراءة كتاب إسرائيل والقنبلة النووية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
شمعون بيرس
منح برجمان لبن غوريون الإيمان بأن إسرائيل قادرة على تطوير سلاح نووي لنفسها، بيد أن بيرس هو الذي أقنع بن غوريون خلال السنوات 56-1957 أنه آن الآوان للبدء بالمشروع النووي، لقد وضع بن غوريون ومنذ البداية-بين أيدي بيرس إدارة الجهد الإسرائيلي للحصول على مقدرة نووية، مثلما أفاد دستروبسكي:
"إضافة إلى برجمان كان هناك شخص آخر يلعب دورا كبيرا في اتخاذ القرارات آنذاك، وهو شمعون بيرس، والذي أخذ على عاتقه شخصيا مهمة دفع القضايا ذات العلاقة بالطاقة النووية إلى الأمام، وخصوصا العلاقات مع فرنسا والتي بدأت آنذاك".
ولسنا نبالغ إذا ما قلنا أنه وعلى الرغم من أن بيرس لم يرتد الملابس العسكرية أبدا، إلا أنه كان الشخصية الساحرة والفذة بالنسبة لوزارة الدفاع، وفي عام 1947، وفي الوقت الذي لم يكن بيرس قد تجاوز الثالثة والعشرين-جنده أشكول لهيئة أركان منظمة (الهجناة).
ولم تكد تمضي بضعة أشهر، حتى كان يمسك بين يديه بزمام شعبة المشتريات، وفي عام 1949 ضم بيرس إلى وفد وزارة الدفاع في نيويورك كنائب لرئيس الوفد، ثم رئيسا له، وحال عودته من نيويورك عام 1952 عين بيرس نائبا للمدير العام لوازرة الدفاع، وبعد سنة عين مديرا عاما لها،وخلال إدارة الوزارة تعرف على برجمان، وعلى تطلعاته النووية، ويقول بيرس فيما بعد: "كنت شديد الفضول كبن غوريون، وشديد التحمس كبرجمان، ولا شك أن الطاقة الهائلة التي كان بيرس يتحلى بها، وخبرته السياسية أخذت تبرز رويدا رويدا كعامل حيوي على صعيد تجسيد آمال إسرائيل النووية.
وفي أعقاب عودة بن غوريون إلى السلطة عام 1955 عاد بيرس مجددا لإدارة الخطة النووية الرسمية، وترأس الطواقم العاملة على إخراجها إلى حيز التنفيذ الفعلي، وحتى استقالته من وزارة الدفاع، بعد عشر سنوات، كان بيرس المسؤول عن المشروع النووي، مثلما كتب فيما بعد:
"قررت منذ البداية الحفاظ على الدور الذي أقوم به بعيدا عن أعين الجماهير، ولهذا السبب لم يظهر اسمي علنا في قائمة أية لجنة رسمية تم تشكيلها في مجال الطاقة النووية، بيد أن ذلك لم يمنعني من إدارة الخطة النووية كلها باسم بن غوريون، وكان بن غوريون يثق بي، والبروفيسور برجمان يتعاون معي بلا أي تحفظ.
وبمرور الزمن تمكنت من اكتساب ثقة باقي العلماء والمهندسين وكبار مسؤولي المشروع".
ومن الجائز أن تعمد بعض الجهات للتشكيك في العبارات الأخيرة، بيد أن مما لا شك فيه أن بيرس لعب دورا رئيسيا في القرارات الأولية التي حددت طابع واتجاه المشروع النووي.
وفي مذكراته التي صدرت في بريطانيا عام 1955 طرح بيرس بعضا من المبادئ التي كان يضعها نصب عينيه في إدارته للمشروع، وقال أنه كان يعرف منذ البداية القيود المفروضة على المشروع.وأنه كان يخالف وجهة النظر المتفائلة التي طرحها برجمان والقائلة أن بمقدور إسرائيل تنفيذ المشروع النووي بقوتها الذاتية، ويعارض المعارضة الشديدة التي يبديها جميع العلماء تقريبا لفكرة دخول إسرائيل إلى عالم الذرة، "وكنت أقول أنه لا يجب علينا أن نعمل من أجل تطوير الأشياء التي سبق لغيرنا أن طورها، وهو الأمر الذي قادني إلى الصدام مع برجمان، الذي كان يعتقد أن بمقدور إسرائيل تطوير مفاعلها النووي بنفسها، بينما كنت أنا أقول: "يجب أن نشتري مفاعلا نوويا من الخارج إذا كان ذلك ممكنا".
وبرزت الخلافات بين بيرس وبرجمان أيضا على صعيد الجهة الأجنبية التي يمكنها أن تساعد إسرائيل في تطوير مفاعلها النووي.
وقد أعربت الولايات المتحدة عن استعدادها في إطار خطة "ذرة من أجل السلام" لبيع إسرائيل مفاعلا نوويا صغيرا للتجارب شريطة أن يعمل تحت الرقابة الأميركية، وكان من الواضح أن مثل هذا المفاعل يصلح فقط للتدريب والأبحاث الأساسية، ولا يمكنه أن يخلق خيارا نوويا، لذا يجب أن تأتي المساعدة من جهة أجنبية أخرى.
لقد اعتبر برجمان وآخرون فرنسا منذ نهاية الأربعينات بمثابة أكثر الفرص المتوفرة للحصول على مساعدات نووية، لذا عمد برجمان إلى إقامة علاقات بين هيئة الطاقة النووية الفرنسية وبين لجنة الطاقة النووية الإسرائيلية، بيد أنه كان واضحا خلال عام 1955 أنه إذا لم يطرأ انفراج سياسي بين الدولتين، فإن علاقات الصداقة القائمة لا يمكنها أن تزود إسرائيل باحتياجاتها.
وهنا جاء دور بيرس، ويمكننا القول أن جميع الجهود التي بذلها بيرس على صعيد جعل إسرائيل دولة نووية، تتضاءل أمام الجهود التي بذلها لتوطيد العلاقات النووية مع فرنسا،فقد أدرك أن الفرصة سانحة لذلك، وعمل رغم جميع الانتقادات الشديدة التي وجهت له لانتهاز هذه الفرصة، كان بيرس هو عراب التحالف الفرنسي الإسرائيلي، والذي ولدت من رحمه صفقة ديمونة.
ويقول بيرس: كانت فرنسا هي أكثر الدول المرشحة لإبداء استعداد لتقديم المساعدة لنا، لذا اعتقدت أن علينا أن نمحور جل جهودنا الدبلوماسية حولها وحول علومها وصناعتها.
لقد أدت الظروف التي تطورت منذ صيف 1956 وحتى خريف 1957 إلى إتاحة فرصة فريدة لإسرائيل للشروع بمشروعها النووي، وكان شمعون بيرس هو المسؤول-أكثر من أي إنسان آخر عن بلورة هذه الفرصة واهتبالها.
ولعب بيرس أيضا دورا مركزيا في اختيار العلماء والإداريين للمشروع، وعلى عكس مشروع مانهاتن الذي دعت الولايات المتحدة إليه غالبية فيزيائييها، فقد بقي القسم الأكبر من الفيزيائيين الإسرائيليين خارج الصورة، ويرجع ذلك لأن الغالبية من الفيزيائيين الإسرائيليين كانت تعارض دخول إسرائيل عالم الذرة، مما حدا ببيرس لاتخاذ قرار بتجنبهم.