أنت هنا
قراءة كتاب إسرائيل والقنبلة النووية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
كان الوضع الجغرافي لإسرائيل أحد الأسباب الرئيسية لنظرية بن غوريون التشاؤمية، فقد وجد العرب أن من الصعب عليهم التسليم بهزيمتهم عام 1948 بسبب تفوقهم الاستراتيجي، فإسرائيل كانت أصغر من أن تتمكن من إلحاق هزيمة ساحقة ونهائية بالدول العربية، لذا كانت انتصاراته بمثابة انتصارات آنية ومحدودة، وإزاء الحجم السكاني العربي الهائل، والموارد الواسعة كان من الصعب على الدول العربية أن تقتنع بأن من الأفضل لها التسليم بوجود إسرائيل، وكان بمقدور العرب بعد كل هزيمة أن يعيدوا بناء أنفسهم والاستعداد للجولة التالية.
وكان جل خوف بن غوريون منصب على احتمال تشكيل ائتلاف عربي تحت قيادة زعيم وطني متحمس، يرفع لواء الوحدة العربية، وقد ازدادت هذه المخاوف في سنوات حكمه الأخيرة، وقد عقب على ذلك بالقول لسكرتيره اسحق نافون: "لم يجد النوم الليلة سبيلا إلى عيني، فقد تملكني الرعب من احتمال شن هجوم عربي جماعي"، وقد أعرب أيضا عن تلك المخاوف أمام زعماء أجانب ومن بينهم ايزنهاور، وكندي، وشارل ديغول-ميخائيل بار زوهر: بن غوريون تل أبيب عام1987.
كان الحل لمشكلة إسرائيل الأمنية يتمثل في بناء قوة ردع قوية، وقد بدأ بن غوريون في سعيه لتشكيل هذه القوة منذ منتصف الخمسينات منتهجا أسلوبين: أولا: إقامة تحالف مع إحدى الدول الغربية، أو عدد منها، بحيث تمنح ضمانة حقيقية لسلامة إسرائيل الإقليمية، وثانيا: توفير خيار نووي لدى إسرائيل، ومن الجدير بالذكر أن بن غوريون أبدى اهتماما بإنجاز اتفاقية عسكرية مع الولايات المتحدة أو بالحصول على ضمانة أمنية رسمية حتى أيامه الأخيرة.
بيد أن الشكوك في إنجاز هذه الاتفاقية بدأت تساوره منذ منتصف الخمسينات، وتساءل فيما إذا كان هذا الخيار يمكنه حقا أن يخدم المصالح الإسرائيلية شلوم-ديفيد بن غوريون دولة إسرائيل والعالم العربي-مطبعة جامعة كامبردج.
وإزاء استحالة الوصول إلى المواد الأرشيفية السرية، يصبح من الصعب معرفة متى وكيف بدأ بن غوريون في التفكير في السلاح النووي كخيار عملي، لقد راقت له الفكرة منذ أيامه الأولى في رئاسة الدولة، بيد أنه لم يفكر بأنها باتت ممكنة إلا في أعقاب توليه منصب وزير الدفاع عام 1955، ونشوء برنامج "الذرة من أجل السلام" الذي أسسه ايزنهاور.
فقد اقتنع بن غوريون حينئذ بأنه آن الأوان للتوجه نحو الفكرة بجدية، وفي النشرة التي كتبها تحت عنوان "مكانة العلم في بناء دولة إسرائيل" في الثاني من تشرين الثاني 1956، قال: إن ما فعله اينشتاين، وأوفنهيمر وتلر-والثلاثة من اليهود لصالح الولايات المتحدة، لن يكون عصيا على العلماء الإسرائيليين فعله من أجل بلادهم".
آمن بن غوريون بأن إسرائيل في أمس الحاجة إلى أسلحة نووية، كضمانة في الحالة التي لن يكون لديها إمكانية لمجاراة العرب في سياق التسلح، بوصف الأسلحة النووية مخرجا وملاذا أخيرا في حالات الطوارئ العسكرية المتطرفة.
أضف إلى ذلك أن من الممكن أن تقنع الأسلحة النووية العرب بالتسليم بوجود إسرائيل، مما قد يقود نحو السلام.
وفي الكلمة التي ألقاها أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست في الرابع من آذار 1958، قال بن غوريون: "إذا ما توصل العرب إلى قناعة باستحالة تدمير إسرائيل، فمن الجائز أن تقوم جهات منهم بالتفكير أن من الأفضل وقف العداء، وصنع السلام معها، إن فرصة السلام مع العرب تكمن في تعزيز قوة وأمن إسرائيل على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي".
هذا، ولم يتطرف بن غوريون إلى هذه المبررات بصورة علنية أبدا، والمرة الوحيدة التي تطرق إليها علنا، كانت خلال الكلمة التي ألقاها أمام الكنيست في كانون الأول 1960 والتي تحدث فيها عن "أهداف السلام" للمشروع النووي.
وفي السابع والعشرين من حزيران 1963، أي قبل أحد عشر يوما من إعلانه عن استقالته الأخيرة، بعث بن غوريون رسالة إلى عمال وموظفي سلطة تطوير المعدات الحربية-رفائيل-أعرب فيها- دون أن يشير إلى السلاح النووي- عن ضرورة وعدالة البرنامج النووي، حيث قال: "لا أعرف أن هناك أمة واحدة في العالم يعلن جيرانها عن نيتهم تدميرها، وهم لا يعلنون عن ذلك فقط، بل يستعدون لفعله، ولا يجب أن تراودني أية أوهام حول أن ما يعلنه العرب في القاهرة ودمشق وبغداد ما هو سوى مجرد تصريحات كلامية، بل ما يعلنونه هو التفكير الحقيقي الذي يقود الزعماء العرب ونحن عددنا قليل، ولا يمكن أن نعادل أميركا التي يوجد فيها 180 مليون نسمة، أو نعادل أية دولة عربية، بيد أن هناك شيئا واحدا لا نقل فيه عن أية دولة في العالم وهو العقل اليهودي، والعلم. والعقل اليهودي لم يخيب آمالنا. وأنا واثق من ذلك، وليس فقط بناء على ما سمعته اليوم من أن علمنا يمكنه أن يزودنا بالأسلحة الضرورية لنا، والتي يمكنها أن تردع أعداءنا، ولهذا السبب يعتبر هذا السلاح ضروريا، وأنا واثق من أن بمقدور العلم تزويدنا بالسلاح الذي يضمن السلام ويردع أعداءنا".