كتاب " الأساطير المؤسسة للتاريخ الإسرءيلي القديم " ، تأليف هشام أبو حاكمة ، والذي صدر عن دار الجليل للنشر وال
أنت هنا
قراءة كتاب الأساطير المؤسسة للتاريخ الإسرءيلي القديم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الأساطير والعهد القديم
إذا كان من المؤكد أن الأسطورة لا بد وأن تكون ذات مبعث ديني ، فإن العهد القديم ، والذي يعتبر كتابا دينيا ، وليس تاريخيا ، مليء بالأساطير التي لها ارتباط وثيق بهذا المبعث الذي كان سببا في وجودها وخلودها .
لقد حرص كتبة العهد القديم على صياغة هذه الأساطير في قالب ديني ، وإيجاد علاقة وثيقة بينهما ، اعتقادا بأن إيمان الشعوب بالأحداث التي لها علاقة بالأمور الدينية يكون أكثر من غيرها . ونظرا لأنهم كانوا لاهوتيين وليسوا مؤرخين ، لهذا كانوا ينظرون إلى التاريخ من الزاوية التي تحقق لهم ما يهدفون إليه ، أي من الزاوية الدينية فقط .
وقد ساعد العهد القديم على حفظ الأساطير الإسرءيلية ، من خلال تدوينها وترتيبها وفهرستها ، وربطها مع بعضها البعض ، وجعلها منهاجا متسلسلا.
كما نجد أيضا أن العهد القديم في كل مرة يتناول فيها حدثا ما ، يعتمد على الفعل الإعجازي ، حيث يتطلب القيام بهذا الحدث فعلا إعجازيا من البشر ، كما حصل في مقتل جالوت من قبل داود عليه السلام بحجر من مقلاعه . وليس من الغريب أن يلجأ كتبة العهد القديم إلى استبدال العنصر البشري ، بعنصر إلهي للقيام بهذا الحدث ، معتبرين أن ذلك الحدث يقع خارج نطاق الإمكانية البشرية ، مما يستدعي تدخل الآلهة ، وبطريقة أخرى تدخل العامل الديني في تنفيذ ذاك الحدث ولهذا نرى تدخل الإله ( يهوه ) في كثير من الأمور شيئا مألوفا في أساطير العهد القديم ، فما أن يصادف القائد ،أو الكاهن ، أو الملك ، معضلة ولا يستطيع حلها ، يتدخل الإله يهوه ، وتنتهي المشكلة . ويقينا فإن الهدف من وراء ذلك إنما هو ترسيخ المفهوم الديني لدى الأفراد ، وأنه لا مناص من الاعتماد على الإله يهوه في كل أمور الحياة .
فالإله ( يهوه ) هو الذي ساعد بني إسرءيل على الخروج من مصر ، ويهوه هو الذي كان يمشي أمامهم نهارا في عمود من سحاب ، وليلا في عمود من نار يضيء لهم الطريق . وهو الذي جعل يشوع ينتصر في حروبه المزعومة . وهو الذي نصر القاضي جدعون ، وهزم شاؤول لأن أحد جنوده خالف تعاليمه ( يهوه ) . وكثيرا ما نجد المؤلفين يزعمون أن ( يهوه يقول . . . ) و ( يهوه يتكلم . . . ) و ( يهوه يطلب . . . ) و ( يهوه يختار . . . ) .
ولا شك أن من أهم مبادئ الأسطورة الناجحة هو الاعتماد على الأسماء ذات المكانة البارزة ،والقدرة الخارقة ، كأن يكونوا أنبياء ، مثل يعقوب ويوسف وموسى وداود وسليمان عليهم السلام .أو كما في أسطورة النبية دبورة التي تتحدث باسم الرب . أو يكونوا من أصحاب القوة مثل ( شمشون ) . أو أن يكونوا كهنة مثل أبياثار الكاهن .
وليس من الضرورة أن تتبع الأسطورة التسلسل المنطقي في سرد حوادثها ، بل كثيرا ما تلجأ إلى اتباع ما يراه قائد الأسطورة مناسبا ، وهذا ما نجده غالبا على أحداث العهد القديم الأسطورية .
ومن الأمور المهمة التي تركز عليها أساطير العهد القديم كثيرا ، هي ( الإله والطاعة ) ، فكثير من هذه الأساطير تقع بسبب مخالفة الإله ( يهوه ) . وإذا كان من الأهداف الأساسية للعهد القديم هو تأكيد أن شعب بني إسرءيل هم ( شعب الله المختار ) حسب تفسيرهم لهذا المفهوم ، ونتيجة لهذا الاختيار فقـد وعدهـم بالأرض المقدسة ، ولمحبة الله لهم ، فقد ميزهم عن غيرهم وجعلهم شعبا مختارا ،وسمح لهم بطرد الشعوب الأخرى ، وحتى إبادتها إن لزم الأمر، ليعيش الشعب المختار في رغد العيش ونعيمه . وبالطبع فإن ذلك يتطلب إطاعة أوامر الإله يهوه ، واجتناب نواهيه .
وكذلك فإننا نجد بعض أساطير العهد القديم ، ليس لها زمن محدد ، ولا مكان يستدل عليها به . فالخروج من مصر لم يعرف في عهد أي من الملوك قد تم ، وملكة سبأ وما يحيط بها غموض لا زال لم يتضح بعد .
إن العالم الأسطوري الذي يتحدث عنه العهد القديم ليس له مثيل في الواقـع التاريخي لبني إسرءيل . إنه عالم اختلقه الكتبة لدعم ادعاءاتهم وأكاذيبهم في الأمور التي تحدثوا عنها .
ويقينا فإن الوضع اللامنتمي الذي كان يعيشه بنو إسرءيل في بابل ، حيث لا أصول عرقية معروفة لهم ، ونظرا لاختلاطهم مع غيرهم من الشعوب ، فقد دفعهم ذلك إلى اختلاق أصول عرقية لهم ، تتحدث عن الآباء الأوائل ، والذين هم حقا لا ينتسبون إليهم ، وذلك من أجل الرد على الآخرين ، ومحاولة إلى إزالة الشكوك التي تحيط بأصولهم العرقية . وقد دفعهم ذلك إلى وضع أساطير الآباء الأوائل المزعومين في مقدمة كتابهم المزعوم ، حرصا على أهمية هذا الادعاء بالنسبة لهم ، مع تلفيقهم الوعود الكاذبة ، والتي اعتبروها قطعية التاريخ والاستحقاق ، على اعتبار أنها وعود إلهية لشعب مختار ( شعب إسرءيل ) .