كتاب " صورة المجتمع الأندلسي في القرن الخامس للهجرة (سياسيا واجتماعيا وثقافيا) " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب صورة المجتمع الأندلسي في القرن الخامس للهجرة (سياسيا واجتماعيا وثقافيا)
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

صورة المجتمع الأندلسي في القرن الخامس للهجرة (سياسيا واجتماعيا وثقافيا)
وفي اثناء ذلك اخذ سليمان المستعين (( يجوس خلال الاندلس و رجاله ومن معه من البربر ينهبون ويقتلون ويقفرون المدائن والقرى بالسيف,وينهبون كل ما يجدونه من اموال )) ([35]) فخرج اليهم المهدي و واضح الصقلبي واصطدما بهم في وادي ــ اَره ــ على نهر الوادي الكبير وبعد معركة شديدة انهزما وارتدا الى قرطبة ([36]) واشار ابن دراج الى تلك الوقعة قائلا:ــ
ودنتْ لها اَر تحت صوارم
وريت بعز المسلمين زنوُدها([37])
وكان لهذه المعركة اثرها على المهدي واتباعه, فحاصرهم المستعين, فخشي اهل قرطبة من الاقتحام عليهم,فأغروا اهل القصر, فدبر واضح الصقلبي مؤامرة انتهت بمقتل المهدي في ذي الحجة من سنة 400 هـ ([38]) ومبايعة هشام المؤيد من جديد الذي اصبح في تلك الفترة كهلا, فلم يسلم له الأمر و لاسيما ان هشاما لم يكن رجل سياسة ودولة وعقل وان قوات المستعين كانت تحاصر قرطبة وتنشر الخراب والدمار, وبعد مقتل واضح الصقلبي في اثناء محاولته النجاة بنفسه, دخل المستعين قرطبة قي شوال سنة 403 هـ واستباح المدينة وقتل كثيرا من اهلها, وغيب سليمانُ هشامَ المؤيد فلم يره بعد ذلك احد واختفى في ظروف غامضة ([39]) واعلن المستعين نفسه خليفة للمسلمين للمرة الثانية, ورضى به اهل قرطبة على مضض و اقبل عليه الشعراء وقال فيه ابن دراج قصيدة مطلعها ([40]):-
هنيئأ لهذا الدهر روح وريحان
وللدين و الدنيا امان وإيمان
فإن قعيد الشرك قد ثل عرشه
وان امير المؤمنين سليمانُ
وخرج اليه اهلها متلقين له و مسلمين عليه فانشد ([41]):-
اذا ما رأ وني طالعا من ثنيةِ
يقولون ((من هذا )) وقد عرفوني
يقولون لي اهلا وسهلا ومرحبا
ولو ظفروا بي ساعة قتلوني
وفي تلك الوقعة خربت اجزاء كبيرة من الزهراء وقال في ذلك ابن حزم ((ولقد اخبرني بعض الوراد من قرطبة, وقد استخبرته عنها, انه رأى دورنا ببلاط مغيث في الجانب الغربي منها, وقد امحت رسومها وطمست اعلامها وخفيت معاهدها, وغيرها البلى, وصارت صحارى مجدبة بعد العمران و فيافي موحشة بعد الانيس, وخرائب منقطعة بعد الحسن, وشعابا مفزعة بعد الامن, ومأوى للذئاب, ومعازف للغيلان, و ملاعب للجان, ومكامن للوحوش, بعد رجال كالليوث وخرائد كالدمى تفيض لديهم النعم الغاشية تبدد شملهم فصاروا في البلاد ايادي سبأ )) ([42])
وقد رثاها ابن شُهيد قائلا([43]):-
مافي الطلول من الأحبة مخبرُ
فمن الذي عن حالها نستخبر
فلمثل قرطبة يقل بكاء من
يبكي بعينٍ دمعها متفجر
وفي تلك الفتنة قتل حشد كبير من الناس منهم الاديب ابن الفرضي الحافظ المشهور ((قتله البربر يوم فتح قرطبة.... و بقي في داره ثلاثة ايام ودفن متغيرا من غير غسل ولا كفن ولا صلاة )) ([44]) وخرج عنها العلماء والادباء وتفرقوا في الارض و قال في ذلك ابن حزم الاندلسي ([45]):-
سلام على دار رحلنا و غودرتْ
خلاء من الاهلين موحشة قفرا
تراها كأن لم تغن بالامس بلقعا
ولاعمرت من اهلها قبلنا دهرا
فيا دار لم يغفرك منا اختيارنا
ولو اننا نختار كنت لنا قبرا
و لم يكترث ابن شهيد لما يلحق بداره واموالها بعد ان خرج منها قائلا:-
عليكم بداري فأهدموها دعائما
ففي الارض بناؤون لي ودعائم([46])
وفي أهلها قال:
جار الزمان عليهم فتفرقوا
في كل ناحية وباد الاكثر([47])
واكثر الشعراء البكاء على المدينة بعواطف جياشة صادقة كلها ألم و حسرة من ذلك قول ابن شُهّيد ابي عامر([48]):-
حزني على سرواتها و رواتها
وثقاتها و حماتها يتكرر
نفسي على الائها وصفائها
وبهائها و سنائها تتحسر
كبِدي على علمائها حلمائها
ادبائها, ظرفائها تتفطُر
كما بكاها ابن فرج الالبيري ــ السميسر ــ قائلا ([49]): -
وقفت بالزهراء مستعبرا
مسعتبرا اندب أشتاتا
فقلت: يا زهرى ألا فأرجعي
قالت: وهل يرجع من ماتا ؟
فلم أزل أبكي وأبكي بها
هيهات يغني الدمع هيهاتا
كأنما اثار ما قد مضى
نوادب يند ْبن امواتا
واستعمل المستعين القسوة والعنف, واستعان بالبربر من اول حكمه ثم انقلب عليهم وهو القائل ([50]): -
عجبا,يهاب الليث حد سناني
واهاب لحظ فواتر الأجفان
وبلغ الخصام بين العرب والبربر حد البغض والقتل والسلب وقد عبر احدهم عن ذلك بقوله ([51]): -
قد بلغ البربر فينا بنا
ما افسد الاحوال و النظما
كالسهم للطائرلولا الذي
فيه من الريش لما أصمى
وصورابن حيان حكمه قائلا (( وكانت كلها شدادا نكدات, صعابا مشئومات, كريهات المبدأ والفاتحة... لم يعدم فيها حيف, ولا فورق فيها خوف, ولا تم سرور, ولا فقد محدور )) ([52]) لذلك قال احدهم فيه:
لا رِحم الله سليمانكم
فانه ضد سليمان
ذلك من غلت شياطينه
وحلّ هذا كل شيطان
فباسمه ساحت على ارضنا
لهلك سكان و اوطان([53])
وبلغ به الامر انه كان يهدي بنات المسلمين الى النصاري ومن ذلك ما نقله ابن بسام عن ابن الكتاني قائلا ((شهدت يوما مجلس العلجة بنت شانجة ملك البشكنس.... لبعض ترددنا عن ثغرنا اليه في الفتنة, وفي المجلس عدة قينات مسلمات من اللواتي وهبن له سليمان من الحكم ايام امارته بقرطبة, فأومات العلجة الى جارية منهن, فاخذت العود, و غنت بهذه الابيات:
خليلي ما للريح تاتي كأنما
يخالطها عند الهبوب خلوق
ام الريح جاءت من بلاد احبتي
فاحسبها ريح الحبيب تسوق
سقى الله ارضا حلها الاغيد الذي
لتذكاره بين الضلوع حريق
أصار فؤادي فرقتين فعنده
فريق وعندي للسياق فريق
فاحسنت وجودت, وعلى رأس العلجة جاريات من القوامات أسيرات كانهن فلقات قمر, فما هو الا ان سمعت احداهن الشعر, فارسلت عينيها كانهما مزادتان, فرققت لها, وقالت: ما ابكاك قالت: هذا الشعر لابي, وسمعته فهيج شجوي, فقلت لها يا أمة الله, ومن ابوك؟ قالت سليمان بن مهران السرقسطي, ولي في هذا الإسار مدة ولم اسمع لاهلي بعد خبرا, قال ابن الكتاني: فما جزعت على شئ جزعي عليها يومئذ )) ([54]).
وملك سليمان قرطبة في دولتيه ست سنين وعشرة اشهر ([55]) و ولي البربر مناصب عليا كالحجابة والوزارة ووزع الولايات عليهم فملك القاسم بن حمود الجزيرة الخضراء وشقيقه علي بن حمود ، قائد المغاربة في الاندلس، ولاية سبته ([56]) وفي محرم سنة 407 هـ ثار عليه الاخير واجتمع بالمرية مع خيران الصقلبي الذي كان يدعو لهشام المؤيد, فخرج إليهم سليمان وانهزم وقبض عليه وعلى أخيه وأبيه و أتهم بقتل هشام المؤيد (( دعا علي سليمان وذويه ،فضرب عنقه بيده, وظهر منه جزع شديد عند ملاحظته السيف, خارت منه قواه, فجثا على ركبتيه, ثم ضربت عنق الشيخ ابيه وعنق عبد الرحمن ابنه وجعلت الروؤس الثلاثة في طست )) ([57])